قصة قصيرة: فضيحة، خطايا وقديس
يوحنا بانايوتوبولوس*
في سِيَر النساك، وهو كتاب كتبه بالاديوس أسقف هيلانوبوليس، إلى لافسوس، حاجب الإمبراطور ثيوذوسيوس الثاني قصة من أجمل القصص. إنها تصف حياةَ راهب هجر ديره ومضى للعمل على مرفأ الإسكندرية كحمّال. وكون المكان مرفأ يعني أنه لم تكن تنقصه بائعات الهوى. وكان “الراهب” يعمل طول النهار وفي المساء يصرف كل ما جناه على شراء رفقة أحدى بائعات الهوى طوال الليل.
لقد كان هذا الراهب عاراً على كل المسيحيين في المدينة وفضيحة للكنيسة كلها. وكانت السنون تمرّ وهو ماضٍ في حياته الفاجرة بالرغم من المناشدات والنصائح. من ثم، على غرار ما يجري لنا جميعاً، أتى الموت وأطلقه، وكأنه دواء لينقذه من خطاياه التي استمر بارتكابها إلى لحظة موته. لكن المسيحيين لم يستطيعوا أن يرفضوا إعطاءه دفناً ﻻئقاً. أتى الكهنة ليدفنوه ويدفنوا الفضيحة معه. انتشر الخبر بأن “الراهب القذر العجوز” مات. ولكن مَن قد يذهب إلى الكنيسة ليودّعه؟
عند الجناز، امتلأت الكنيسة بنساء من الاسكندرية، محتشمات مسيحيات، وكأنّهم أتين ليودّعن لا إنساناً مات بل قديساً! أحد الموجودين تعرّف إلى وجه إحدى بائعات الهوى التي قد رآها قبل زمان بعيد عند أحواض المرفأ، لكنها لم تكن كما يتذكرها. وغيرها أيضاً عددٌ من النساء الحاضرات هناك أثرنَ ذكرياتٍ مبهمة من الماضي لدى الحضور.
من ثمّ عرفت المدينة أنّ الراهب القذر العجوز كان بالحقيقة قديساً يدفع بالمال الذي يجنيه “ثمنَ” أجساد بنات الهوى لكي يخلّص نفوسهن. عرفت المدينة أن الرجل الذي اعتبروه فضيحة كان الطهارة بحدّ ذاتها، المحبةَ من غير زيغ، إنكارَ الذات، كلمةَ الله، الصلاةَ والتمجيد.
لا يُحكَم على شعب الله خلال حياتهم، بل عند انتهائها، لأننا حتّى عندما نسلك “كما يليق” علينا أن نكون على استعداد لأن نشهد وأن نتألّم. في النهاية، مَن هو حجر العَثَرة: الآخر أم نحن؟ ألست أنا مَن يضع قناعاً على الشخص الآخر لكي يتناسب مع ما أريد أن أرى؟ قد يكون ذلك لأني أخشى أن ينكشف قناعي.
في النهاية، كيف نتصرّف مع الفضيحة، مَن سوف يمضي بها، مَن سوف يبقيها مستمرة؟ هذا السؤال مهمٌ بشكل حيوي ﻷن للفضيحة التي تدور حول شخص آخر مهمة محددة. إنها تملأ فراغنا، فراغَ أنانيتنا. من السهل أن ندين وأن ندمّر، لكن من الصعب النطق بكلام حسن والعمل من أجل الخير العام. إننا نتبنى مواقف لأنفسنا تقود إلى مختلف أشكال الإدانة…
نحن نختبر اليوم الفقدان النوعي للمعايير الداخلية لمجتمع لم يعد يتواصل… “الحياة الحقيقية” ليست ملكنا، بل ملك الآخرين. ومع هذا علينا أن نسعى إلى تحقيق حياتنا الخاصة، وإلا فإن كتابنا وحياتنا يكونان فارغين في يوم الدينونة.
* محاضر في كلية اللاهوت في جامعة أثينا
Source: agiazoni.gr