الذهاب إلى الكنيسة باستمرار
نقلها عن اليونانيّة بتصرّف جورج يعقوب
وماذا نقول بالنسبة لموضوع الذهاب إلى الكنيسة باستمرار؟
الذهاب باستمرار إلى الكنيسة في هذه الأيام يشكل عبئاً على أغلبيّة المسيحيين. فالكلّ يحاولون التهرّب من هذا النوع من الالتزام، ولو لمرّة واحدة في الأسبوع، من دون سبب “متعللين بعلل الخطايا”. وإنْ لم يجدوا علّةً مناسبة يكون الوقت علّتهم. ولكن، في الواقع، هم مصابون بهوى الضجر من “الحضرة الإلهيّة”. هم يتهرّبون ويتذرّعون بالوقت لأنّهم لا يقدرون أن يكونوا في حضرة الملك السماوي، فهم يضجرون! ويحهم!
فالكثير من الإخوة المسيحيين، يتذرّعون بجحّة تكرار الصلوات وطولها دون أن ينتبهوا إلى أنّ المشكلة هي في أنّهم يحملون هوى الضجر في داخلهم بسبب طبيعة حياتهم وعدم تنظيمها. بالأحرى إنّهم، بسبب عدم الممارسة المستمرّة للصلاة وللمشاركة في الخدم الليتورجيّة، يشعرون وكأنّهم في مكان غريب عنهم، في حين أنّهم، من غير أن يدروا، وافقون أولاً في حضرة الخالق وثانياً في بيت الله الذي هو بيتهم، ولضجرِه يحرّك المفسد (الشيطان) هوى الضجر في داخلهم. وبسبب الضعف الروحيّ يتسلّط بسرعة عليهم ويخرجهم حتّى إشعارٍ آخر (خدمة الجنازة) من الكنيسة.
لن نتكلّم عن “الاستمراريّة” بقدرِ ما سوف نتكلّم عن المشكلة، وهكذا سنعالج الموضوع من خلال سؤال سأله أحدُ الأولاد الروحيين لأبيه الروحيّ رئيس أحد أديار الجبل المقدّس – آثوس.
– كلّ مرّة القدّاس الإلهي نفسه. أليس الأمر متعباً ومضجراً؟
فكان الجواب على الشكل التالي:
– ما يحدث في القدّاس الإلهي ليس مسرحيّة أو خدمة عابرة تتضمن إشارات وحركات متنوّعة يستطيع المرء القول عنها أنّها مضجرة. ولكنها حدث واقعيّ فعليّ، هي خبرة ألفي سنة حتّى الآن على الاقل. نحن نقدّم في القداس الإلهي كلُّ شيءٍ لله، أننا نقدّم هذا “الكلّ شيء”، أيّ الخليقة وذواتنا بحريّة لله عارفين ملكوته ومعطين معنى لحياتنا ولكلّ الخليقة. “التي لك ممّا لك نقدّمها لك على كلّ شيء ومن جهة كل شيء”.
في الدير هنا، في الجبل المقدّس، تقام خدمة القداس الإلهي كلّ يوم. ومع ذلك لا نتضجّر ولا نشعر بملل لأننا نشارك في القدّاس ولا “نحضر” القدّاس. نعيش في القدّاس، ننتقل إلى “مملكة الأب والابن والروح القدس” و”نطرح عنّا كلّ اهتمام دنيويّ”.
ستقول لي: ولكن أنتم رهبان وقد اعتدتم على هذا، أصبح نمط حياة. أقول لك، نعم يا بنيّ وأنت عليك رويداً رويداً أن تعتاد على الحضور إلى الكنيسة والمشاركة في صلواتها. هذا يتطلّب جهاداً وصلاةً. الأمر بسيط، ويشبه من يذهب إلى وظيفة لم يعتد عليها، ولكن عليه ممارستها. في البدء تبدو له الأمور صعبة ويحاول أن يجد عللاً للتهرّب. ولكن، ولأنه يعلم أنّه من دونها لن يستطيع البتّة أن يؤمّن مدخوله المادي وبالتالي غذاءه الجسدي، يجاهد حتى يتمكن من الممارسة الحقّة لعمله. والأمر هنا نفسه، مع الفرق أنك زيادةً على الغذاء الروحي الذي تكتسبه من ممارسة الصلوات والاشتراك في القداس الإلهي أنّك تضمن “الحياة الأبديّة” التي لا يستطيع أحد أن يعطيها لك إلاّ الرب يسوع المسيح من خلال الثبات فيه عبر جسده ودمه المقدسين “مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه”.
وهكذا، بالمتابعة والمواظبة والجهاد يهرب الهوى مفسِد النفس ومهلِكها وتتلاشى كلّ الأهواء المترافقة التي تنتج عن الانفصال من الشركة الإلهيّة.
فتعلّم يا بني أنّ تذهب إلى الكنيسة باستمرار ولا تتضجّر و تعلّم أن تصلّي دائمًا هكذا :”طوبى للسكان في بيتك والى الأبد يسبحونك…. قد أخترْتُ أن أُطرَح في بيت إلهي أفضل من سكناي في مساكن الخطأة” (المزمور 83- صلاة الساعة التاسعة) ” يا رب أنقذني من أعدائي وامنحني نعمةً حتّى أجاهد الجهاد الحسن ضدّ العدو المفسد النفس”.
وكن على ثقة أن الله سيمنحك نعمةً إلهيّة لا تقدّر بثمن. وانتبه لأن خسارتها خسارة كبيرة لا ينفع الندم عليها: “كونوا في النور ما دام لكم النور”. يقول الآباء: “صلّوا والصلاة تعلّمكم كيف تصلّوا”.
ما نستطيع قوله بعد هذه الإجابة المباركة هو أنّ “مَن له أذنان للسمع فليسمع”.