إن السيِّد فتح قلبه للغرباء، لهذا نرى في الإنجيل قائد المائة الروماني يتقدَّم من أجل عبده الغلام ليحتل بإيمانه مركز الصدارة في عيني الرب، ويحسب صديقًا أقرب إلى الله من بني إسرائيل، والآن نراه يترفَّق بأرملة فقدت وحيدها الشاب مظهراً أن محبته جامعة تضمّ كل البشر.
يرى بعض الآباء أنّ قائد المائة يشير إلى الكنيسة القادمة من الأمم أما الأرملة فتشير إلى البشريّة بوجه عام والتي صارت كأرملة ﻷنها فقدت الله الذي هو رجلها الحق. أمّا وحيدها الشاب الميِّت فيُشير كل نفس بشرية أفقدتها الخطيئة حياتها الفعلية فصارت ميَّتة. لذا الرجال يحملون النعش في الطريق ﻷنه لم يعد لها موضع في بيت الرب، أو في الفردوس الذي هو البيت الأول للإنسان.
لا شكّ أن في أيام السيِّد المسيح مات كثيرون ولا نعلم كم من اﻷموات أقام السيِّد أم هو اكتفى بإقامة لعازر، والشاب ابن أرملة نايين، والصبيّة ابنة يايرس. فالمسيح أصلاً لم يأتِ لينزع عنَّا موت الجسد، إنما لكي يحطِّم موت النفس، ويرفعنا فوق سلطان الموت، فنجتازه معه غالبين ومنتصرين لنبلغ اللقاء معه وجهًا لوجه أبديًا.
هو لم يعدْنا بطرد الموت عنَّا وإنما بموته معنا وعنَّا حوَّل الموت إلى جسر للعبور بنا إلى الملكوت بانتظار يوم الرب العظيم، لذلك نسمع عن والدة القدِّيس غريغوريوس النزينزي أنها ارتدت ثياب العيد عندما حضرت دفن جثمان ابنها قيصريوس.
تهتم الكنيسة أولًا بقيامة النفس، لإنَّ الجسد سيقوم حتمًا، فإذا كانت النفس متمتِّعة بالقيامة ينعم معها بالمجد الأبدي. من هنا القول اﻵبائي: “أنه لعمل مُعجزي أعظم أن يقوم شخص ليحيا إلى الأبد عن أن يقوم ليموت ثانية”. وأيضاً قول آخر: “فرحت الأم الأرملة عند إقامة الشاب، والبشر يقومون كل يوم بالروح، والكنيسة تفرح بهم كأمٍ.” ولكن مع أن الكنيسة تركِّز على قيامة النفس بطريقة غير منظورة، لا تتجاهل قيامة الجسد التي ينكرها البعض. لقد أقام الرب هؤلاء الثلاثة ليُعلن أنه واهب القيامة للنفس والجسد معًا. فقيامة النفوس هي بالاتِّحاد به ﻷنه الحياة، وإقامة الأجساد هي في يوم الرب العظيم.
نقطة أخرى ينبغي التوقف عندها هي حنان الرب الظاهر في قول الإنجيلي “فلما رآها الرب تحنَّن عليها“. فالسيِّد لم يُقِمْ الشاب استعراضًا لسلطانه على الموت وقدراته على وهْب الحياة، بل قام بذلك ليمنح حنانه. فالربّ يتعامل بسلطة وسيادة لأنه الخالق وسيِّد الكل، لكنه يتعامل معنا أيضاً بمحبة ورحمة ﻷنه الأب والعريس والصديق والحبيب لكل الناس الذين يقبلونه.
والرب في تحننه، دفع الميِّت إلى أُمّه عندما جلس وابتدأ يتكلَّم. والكنيسة هي هذه اﻷم التي أرسلها الرب لنا في تحننه وهي لا تتوقَّف عن البكاء من أجلنا متضرِّعة إلى المسيح ليردّ لها أبناءها أحياء ناطقين بكلمة الحياة. نختم بوصية للقديس أمبروسيوس: “إن أخطأت خطيئة مُميتة لا تستطيع أن تغسلها بدموعك، فاجعل أُمَّك تبكي عليك، التي هي الكنيسة، فإنَّها تشفع في كل ابن لها كما كانت الأرملة تبكي من أجل ابنها الوحيد. نحن أحشاء الكنيسة، لأننا أعضاء جسدها من لحمها وعظامها. لتبكِ إذن هذه الأم الحنون ولتشاركها الجموع لا الجمع وحده، حينئذ تقوم أنت من الموت وتخرج من القبر.