ملاحظات أولية مؤلِمة حول المجمع المقدس العظيم
سيرافيم ميتروبوليت بيريه
صادر عن مكتب الهرطقات والبدع في أبرشية بيريه
لقد تابعنا، عن طريق وسائل الإعلام وببالغ الحزن والألم، المجمع المقدس العظيم منذ بدايته في القداس الإلهي يوم أحد العنصرة. في ما يلي نقدم بعض الملاحظات الأولية الموجزة حول المجمع لمنفعة شعب الله.
(1) نلاحظ بأسى حضور ومشاركة الهراطقة من البابويين والبروتستانت وأتباع الطبيعة الواحدة في صلوات سحر وقداس هذا العيد العظيم في كنيسة القديس ميناس في هيراكليون. وكما يعلم الجميع، هذا محظور بموجب القوانين المقدسة. داس الرؤساء الأرثوذكس ومعهم الأساقفة المشاركون على شرائع الرسل والمجامع، راغبين من البداية بتوجيه رسالة إلى العالم كله، يبيّنون فيها مقدار الاحترام الكبير الذي يكنّونه لقرارات المجامع المسكونية، وبالتالي لمؤسسة المجمع، كما أطلقوا في بياناتهم الطنانة.
(2) إن وجود وفود رسمية من الهراطقة البابويين والبروتستانت وأتباع الطبيعة الواحدة في افتتاح أعمال المجمع هو بدعة لم يسبق لها مثيل وهي غريبة عن تقليدنا المجمعي. في الواقع، لقد توجّه البطريرك المسكوني برثلماوس إلى هؤلاء المندوبين بأنهم “ممثلي كنائس شقيقة” من قبل أن يتّخذ المجمع المقدس العظيم أي قرار بشأن كنائسيّة أو عدم كنائسيّة هذه المجموعات الهرطوقية المعنية. وهكذا، من خلال سياسة الأمر الواقع، أرسل البطريرك برثلماوس رسالة أخرى إلى أعضاء المجمع بأنه ليس لديه نيّة تسميّة غير اﻷرثوذكس هراطقة. بدلاً من ذلك، قد سمّاهم كنائس شقيقة. لم يحدث قط في تاريخ المجامع المسكونية ولا المحلية في الفترة البيزنطية أن يكون “المراقبون” حاضرين في مثل هذه المجامع على أنهم رفيعو المقام بهدف اﻹطاحة بإدانات المجامع المسكونية السابقة لمعتقداتهم الهرطوقية. بطبيعة الحال، كان الهراطقة يُدعَون إلى المجامع ولكن كأشخاص خاضعين للمحاكمة، من أجل الدفاع عن أنفسهم، وليس كضيوف شرف. لم تظهر ظاهرة “المراقبين” إلا في مجمعي الفاتيكان الأول والثاني. هذا ما يبدو واضحاً أن المجمع المقدس الكبير يقوم بنسخه عن النماذج الكاثوليكية.
(3) بدأ المجمع المقدس الكبير أعماله بانتهاك “الإجراءات المنظمة للعمل” التي تعود إليه، والتي تمّ التوقيع عليها في اجتماع رؤساء الكنائس في كانون الثاني عام 2016. إن الوثيقة المعنية تصف بأن المجمع “سينعقد من الكليّ القداسة البطريرك المسكوني، بموافقة أصحاب الغبطة، رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المستقلة والمعترف بها عالمياً“(المادة الأولى). أربعة كنائس مستقلّة، روسيا وبلغاريا وجورجيا وأنطاكية، لم توافق على انعقاد المجمع، ولها مبرراتها، وطلبت التأجيل، وبالتالي، فإن شرط “أصحاب الغبطة، رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المستقلة” لم يُستَوفَ. ونتيجة لذلك، لم يكن هناك أي مبرر، على أساس ما سبق ذكره في “الإجراءات المنظمة للعمل،” لا للبطريرك المسكوني ولا لكل ما تبقى من الكنائس المحلية مجتمعين لعقد المجمع، إذا كانوا يرغبون باحترام هذه اﻹجراءات التي وقّعوا عليها.
(4) افتتح المجمع عمله من دون التصديق أولاً على قرارات (Ὅροι) كل المجامع المسكونية السابقة، حتّى يكون المجمع العظيم الحالي استمراراً عضوياً حقاً للمجامع السابقة. يجدر الذكر إلى أن هذه الإشارة إلى المجامع المسكونية السابقة هي إجراء قائم حفظه الآباء القديسون في المجامع المذكورة. وقد كان الآباء القديسون يرغبون من خلال هذا الإجراء بإعلان قبولهم لكل العقائد التي وضعتها المجامع المسكونية السابقة وبأنهم يتقدّمون لمواصلة عمل هذه المجامع. من اﻷمثلة النموذجيّة هو اعتراف المجمع المسكوني الثامن (879-880)، برئاسة القديس فوتيوس، بأنّ مجمع العام 787 هو المجمع المسكوني السابع.
(5) افتتح المجمع عمله على أساس “الإجراءات المنظِّمة للعمل” التي لم تكن مقبولة بإجماع الرؤساء الذين اجتمعوا في كانون الثاني 2016، حيث أنّ كنيسة أنطاكية لم توقع عليها. كما بدأ أيضاً عمله على أساس ست وثائق تمّ قبولها بالإجماع في اللقاء التشاوري الخامس قبل المجمع، وهو أساس تمّ إثباتعدم أمانه واستقراره. هذا لأن وثائق ما قبل المجمع الستة تمت الموافقة عليها بإجماع ممثلي الكنائس في اللقاء التشاوري الخامس قبل المجمع وفي اجتماع الرؤساء (يناير 2016)، ولكن ليس من كل رؤساء الكنائس المستقلة المحلية. عندما درست هذه الكنائس الوثائق المذكورة أعلاه، وبشكل خاص كنائس بلغاريا وجورجيا واليونان، وجدت فيها ثغرات وغموضاً وتركيبات غير أرثوذكسية اقترحت تنقيحات وتصحيحات. وبالنسبة لهذه الكنائس التي اقترحت التعديلات والتصويبات، من البديهي أن وثائق ما قبل المجمع لم تعد سارية المفعول.
حقيقة أن الرؤساء وقّعوا الوثائق الستة لا تعني أن رؤساء الكنائس المحلية ملزَمون بتوقيعاتهم بقبول هذه النصوص على ما هي عليه. إن الرأي الشخصي للرئاسات في أي قضية معينة ليس ملزماً لأساقفة المجمع الذي ينتمي إليه هذا الرئيس ولا تلزمهم بالتماشي مع رأيه، وإلا في هذه الحال، تُلغى المؤسسة المجمعية ويتحوّل كل من الرؤساء إلى بابا. ليس المتقدّم إنما مجمع اﻷساقفة هو العضو اﻹداري اﻷعلى لكل كنيسة محلية. على ضوء كل ما ذكرنا، من الواضح أن ما شدّد عليه البطريرك المسكوني في كلامه التالي في كلمة الافتتاح هو خاطئ بالكليّة: “نحن ننطلق، من ثمّ، في عملنا على أساس وثائق تمّـت الموافقة عليها بالإجماع من كنائسنا، كما قد صادقت بالفعل كل كنيسة“. بالتأكيد ما يعنيه البطريرك المسكوني بقوله “وثائق تمّـت الموافقة عليها بالإجماع” هو وثائق اللقاء التشاوري الخامس التي وقّعها اجتماع الرؤساء (كانون الثاني 2016)، ولكن التي ﻻ صلاحية لها عند بعض الكنائس بعد التصحيحات والتبديلات التي أملَت بها مجامعها.
(6) إن الكنائس اﻷربعة التي لم تشترك بالمجمع تعرّضت لتشويه السمعة أمام الجمهور الدولي. لقد صوّر البطريرك المسكوني وغيره من الرؤساء هذا الغياب على أنه بالكليّة غير مبرر ومستحق اللوم. بسبب تغيّبها، تمّ تصوير هذه الكنائس على أنها مسؤولة، على درجات مختلفة، عن خلق الانشقاقات والانقسامات. لكن هذه الكنائس لم تشارك، لا ﻷنها “مغتاظة” بل ﻷنها اكتشفت نقاط ضعف في الوثائق التحضيرية من بعد دراستها في مجامعها. لقد طلبت بشكل طبيعي تأجيل المجمع الكبير للتعمّق بدراسة هذه الوثائق ووضع التصحيحات الضرورية وبالتالي إنتاج وثائق جديدة توافق عليها كل الكنائس المحلية بالإجماع. وكون اقتراحها التأجيل لم يُقبَل لم تشارك هذه الكنائس في المجمع لأسباب مفهومة.
(7) أكثر إيلاماً بين كلّ هذه الملاحظات هو الإقرار، في الجوهر، وعن طريق صيغة جديدة غامضة وملتبسة بكنائسية غير اﻷرثوذكس، في الوثيقة المعنونة “علاقات الكنيسة الأرثوذكسية مع بقية العالم المسيحي“. لقد قبل المجمع بالإجماع صياغة “تقبل الكنيسة الأرثوذكسية الاسم التاريخي للكنائس والطوائف المسيحية الأخرى غير اﻷرثوذكسية“، بدلاً من الصياغة “تعترف الكنيسة الأرثوذكسية بالوجود التاريخي للكنائس والطوائف المسيحية الأخرى“. أي أن عبارة “وجود” استُبدِلَت بعبارة “اسم” وجملة “الكنائس والطوائف المسيحية” أضيف إليها صفة “غير اﻷرثوذكسية“. رئيس أساقفة أثينا ييرونيموس اقترح هذا التغيير في الصياغة بعد ساعات من المناقشة والمداولات، تمّ خلالها التعبير عن الكثير من اﻵراء المتضاربة.
أعلن رئيس اﻷساقفة ييرونيموس (اليونان) أن بفضل هذه الصياغة “توصّلنا إلى قرار مجمعي حيث، ﻷول مرة في التاريخ، تمّ تحديد المدى التاريخي للعلاقات مع غير اﻷرثوذكس، لا من خلال وجودهم، بل فقط من خلال تسميتهم بكنائس أو طوائف مسيحية غير أرثوذكسية“. هذا يثير سؤالاً مبرراً: “كيف يكون ممكناً أن نسمّي شيئاً ما وفي الوقت عينه نرفض وجود الذي نسمّيه“. وعلى المنوال نفسه ومن زاوية عقائدية، تبنّي عبارة “الكنائس والطوائف المسيحية غير اﻷرثوذكسية” مخالف ومرفوض. ﻻ يمكن تسمية الطوائف غير اﻷرثوذكسية “كنائس“، فهم بالتحديد لا يمكن أن يشكّلوا كنائساً ﻷنهم يقبلون عقائد مختلفة وهرطوقية.
أيضاً من المؤلم جداً حقيقة أن وفد كنيسة اليونان لم يبقَ مخلِصاً بغير اهتزاز لقرارات مجمع اﻷساقفة في 24-25 أيار (2016)، كما كان من المفترض أن يكون. لقد قرّر مجمع اﻷساقفة أنّ عبارة “الوجود التاريخي للكنائس والطوائف المسيحية اﻷخرى” ينبغي استبدالها بعبارة “الوجود التاريخي للطوائف والمجموعات المسيحية اﻷخرى“.
(8) أخيراً ملاحظة محزِنة أخرى: كل ما أعلنه البطريرك المسكوني في ختام أعمال المجمع، هو بالحقيقة ثرثرة. فمن جملة أمور، أعلن أن “البطريركية المسكونية كانت رائدة في عالم الحركة المسكونية“. كما أنه سوّق لرسالة 1920 الجامعة للهرطقات “التي يصفها الكثيرون بأنها الشُرعة المؤسِّسة لمجلس الكنائس العالمي الذي أتى لاحقاً” وأنّ “البطريركية المسكونية كانت أحد اﻷعضاء المؤسسين لمجلس الكنائس العالمي في أمستردام“.
في الوقت الحالي، نحن نكتفي بالتعليقات السابقة، من دون أن يعني هذا أن لائحة الملاحظات المؤلِمة تنتهي هنا. على ضوء كل ما ذكرنا سابقاً يأتي السؤال التالي بشكل طبيعي: “ماذا يتوقّع اﻹنسان من مجمع بدأ وسار على هذا الشكل؟“
وكما يلاحظ السيّد: “لأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا، وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا” (لوقا 43:6-44). وليُترَك لكل من القراء أن يستنتج.