في زمان شبكات التواصل الاجتماعي، لم يعد ممكناً الكلام عن شركة من دون بعض اﻹشراك بالمعلومة صنعاً أو نقلاً أو تناقلاً. في ماضي الكنيسة، كان اﻷمر يتم من خلال الوعظ عامةً. أمّا اليوم، فاختلفت السبل، إذ كثُرَت المنابر خاصةً وأن “اللاهوت” لم يعد حكراً على اﻹكليروس.
في التحضير للقاء اﻷرثوذكسي الكبير، ظهرت هذه الشركة في العديد من الكنائس من خلال النشرات والرسائل التي توجهت إلى المؤمنين بشكل عام من المجامع أو من المطارنة، ومن خلال المؤتمرات والحلقات الدراسية التي لم تكن محصورة بأعضاء المجمع بل كانت عمومية ونتائجها معلَنة.
في أنطاكية، عندنا قصور تاريخي في تمتين الشركة عن طريق اﻹشراك بالمعلومة. فالدراسة المتأنّية تظهِر أن بيانات المجمع المقدس المنشورة لم تكن يوماً على القدر الوافي من الوضوح الذي يمكن على أساسه القول بأن الشعب الأنطاكي المؤمن مطّلِع على مجريات اﻷمور. فالبيانات بأغلبها عمومية في مقاربتها للأمور الداخلية للكنيسة، تفتقر للنقاش اللاهوتي، ومفعَمَة بالتمنيات الوطنية والمقاربات التقليدية لشؤون المجتمع والناس.
عرف هذا الواقع بعض التغيّر في مواكبة أعمال اللقاء اﻷرثوذكسي العام الذي انعقد في كريت في حزيران 2016. فالمجمع اﻷنطاكي انعقد في دورة استثنائية استمرت من 25 أيار 2016 إلى 27 حزيران 2016. وقد أصدر خلالها المجمع سلسلة من البيانات التي أعلَمَت المؤمنين عن تطور موقف المجمع من الأمور المطروحة، بدءً من اتخاذه قرار المقاطعة (البيان الصادر في 6 حزيران 2016) إلى اعتباره “اجتماع كريت لقاءً تمهيدياً نحو المجمع الأرثوذكسي الكبير وبالتالي اعتبار وثائقه غير نهائيةٍ وخاضعةً للمناقشة والتعديل عند انعقاد المجمع الأرثوذكسي الكبير بحضور ومشاركة كافة الكنائس الأرثوذكسية المستقلة.” (البيان الصادر في 27 حزيران 2016). إلى هذا خرج أربعة من مطارنة الكرسي اﻷنطاكي شرحوا موقف المجمع ومسوغات قراره ورؤيته، وهذا تطور نوعي ولو متأخر. على مستوى الدائرة الخارجية للمجمع، لم يخترق الصمت إلا مقال في “التراث اﻷرثوذكسي“، وتعليق مقتضب جداً للميتروبوليت سابا إسبر، ورسالة مطوّلة غنية أرسلها الأرشمندريت توما بيطار إلى المجمع ونشرها على موقع ديره.
لكن بالرغم من هذا التقدّم النظري يوجد بعض المآخذ التي نرى نفعاً في إيرادها.
1- من حيث الشكل: بقيت مجريات الأمور كما محتوى اﻷوراق التي تمّ تدراسها محصورة في حاشية مجمعية محددة إلى أن صدر البيان الذي أعلن جلسات المجمع مفتوحة. هنا فُهِم أن المجمع يواكب التحضيرات لللقاء الكبير. من ثمّ، وبعد أن أعلنت أنطاكية مقاطعتها، ظهر أن أنطاكية أصلاً لم توقّع على الكثير من النقاط وظهرت إلى العلن الورقة التي تحمل توقيع ممثل أنطاكية وتقول برفضها التوقيع على عدد من النقاط ومنها إقامة “المجمع الكبير” في هذا التوقيت. طبعاً هذا ظهر في وسائل اﻹعلام اﻷرثوذكسية غير اﻷنطاكيّة. التساؤل هنا مشروع: لماذا على اﻷنطاكيين انتظار هذا الموقع أو ذاك بدل أن يعلموا الموقف من مصدره؟
2- من حيث المضمون: إن مقارنة محتوى البيانات الصادرة بالكلام الذي صدر عن عدد من الكنائس اﻷخرى التي قاطعت أو عن بعض الشخصيات اﻷرثوذكسية التي علّقت أو التي حضرت وعبّرت عن موقفها من اﻷمور المطروحة في أوراق هذا المجمع، تظهِر أن اعتراضات أنطاكية هي تنظيمية بمجملها. فالبيان اﻷخير الصادر في 27 حزيران يناقش بإسهاب مسألة المشاركة والتصويت وغيره وكله بالاستناد إلى اتفاقات سابقة وتحديدات تمّ التوافق عليها، بغضّ النظر عن درجة ملاءمتها للتقليد. فورقة “العلاقة مع غير اﻷرثوذكسيين” هي التي استقطبت القدر الأكبر من النقاش في فترة التحضير لللقاء وخلاله، لم يتوقف عندها المجمع اﻷنطاكي بأي تعليق في بياناته. كما أن ورقة “رسالة الكنيسة اﻷرثوذكسية في العالم المعاصر” وهي التي أثارت القدر اﻷكبر من الجدال اللاهوتي في جلسات اللقاء لم يرِد في بيانات المجمع اﻷنطاكي أي إشارة لها.
طبعاً ليس متوقعاً من البيانات أن تحيط بكل القضايا أو أن تشرحها جميعاً، لكن بعض النقاط التي وردت ينبغي التوقَف عندها.
1- في البيان الصادر في 6 حزيران 2016، ترِد العبارة التالية: “وحيث إن الكنيسة الأنطاكيّة قد أعطت هذا الحدث، الأكبر والأجمل في حياة الكنيسة المعاصرة، مكانته التي يستحقها، بجعل كل وثائقه التحضيرية متوفرة باللغة العربية وفي متناول جميع مؤمنيها.” إلى اليوم لم نقرأ أياً من هذه الوثائق بالعربية، لا على الورق ولا إلكترونياً. لذا كان من اﻷجدى أن تذكر أمانة سر المجمع كيف وأين تمّ هذا.
2- وفي البيان عينه ورد: “وحيث إن الشعب المؤمن، وبعد اطلاعه على جدول أعمال المجمع ووثائقه، عبّر عن خيبته الكبيرة من أنّه لا يتطرّق للتحدّيات التي تواجهه، ولاسيّما قضايا الشباب، وعبّر عن قلقه من المنحى الذي اتّخذه هذا المجمع والذي يخالف الرؤية الأساسيّة التي كانت وراء انعقاده: أي التصدّي معاً للتحدّيات التي تواجه الكنيسة الأرثوذكسيّة في هذا العصر بغية شهادة واحدة في عالم اليوم؛” قرأنا عن مؤتمرات ولقاءات لدى الكنائس اﻷخرى، أما في أنطاكية فلم نعرف عن أي شيء. فكيف وصلت خيبة الشعب الكبيرة إلى المجمع اﻷنطاكي؟ لم نعرف عن أي مبادرة لا من المجمع ولا من المؤسسات ولا من أي مطران أو حركة أو جمعية لدراسة هذه الوثائق بأي لغة كان وإصدار موقف منها. هنا أيضاً مطلوب من أمانة سر المجمع أن توضح لنا.
3- أيضاً في البيان عينه يرد: “أنّ موضوع “الرزنامة الكنسيّة وتوحيد تعييد الفصح” قد أزيل من جدول الأعمال وذلك بالرغم من أهمية هذا الموضوع بالنسبة للشعب الأرثوذكسي المؤمن في الكرسي الأنطاكي الذي ينتظر من الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة موقفًا رعائيًا بهذا الشأن“.
هنا اﻷسئلة كثيرة: ما هو “الموقف الرعائي” المنتَظَر؟ أهو القبول بتوحيد العيد أم رفضه؟ على أي أساس قرّر المجمع اﻷنطاكي إعطاء هذا اﻷمر هذا الحجم وهذه اﻷهمية؟
إن تقاطع هذا الكلام مع بعض المعلومات التي وردت في اﻹعلام يرفع منسوب القلق من هذا الاهتمام. نذكر هنا موقف بطريرك الموارنة الوارد في الوكالة الوطنية للأنباء في 26 نيسان 2016 وفيه يتوقع من المجمع الكبير موقفاً من تحديد الاحد الثالث من نيسان كتاريخ موحد وبهذا يلاقي اﻷرثوذكس الكاثوليك واﻷقباط. وأيضاً الكلام الصادر عن “مصدر كنسي” في الكنيسة اﻷنطاكية، في تقرير جورج عبيد على موقع tayyar.org في 11 حزيران، بعنوان “خاص: لماذا كنيسة أنطاكية لن تشارك في المجمع الأرثوذكسيّ الكبير؟” حيث يركّز على قضية حذف ورقة التقويم أكثر منه على قضية قطر كسبب لمقاطعة أنطاكية ويحكي عن إمكانية استقلال أنطاكية عن بقية الكنائس في مسألة العيد بالاتجاه نحو الفاتيكان والبحث مع البابا في الاقتراح الذي قدّمه، وذلك بخصوصية واضحة تختص بالمشرقيين.
في الختام، اﻹعلام ليس الهدف بل الشركة. يصبح اﻹعلام الكنسي فاعلاً في وجود الشركة الفعلية وتتغذّى الشركة بوجود اﻹعلام الفاعل. وهذا اﻹعلام لا يقوم جدياً على الوسائل ولا على عدد البيانات وحجمها، بل على الثقة التي ينقلها تواصل الرعاة مع الشعب.