القديسة إيميليا مثال لحياتنا
المتقدّم في الكهنة جورج بابافرنافاس
نقلتها إلى العربية علا مقصود
من ثمار الشجرة تُعرف جذورها، فإذا كانت الثمرة جيدة ولذيذة فهذا يعني أنَ الجذر جيد، كذلك الحال مع الأولاد، فمن سلوكهم وطريقة عيشهم يمكن أخذ فكرة عن والديهم، وبالطبع هناك استثناءات لذلك، لكن من المؤكد أن مثال الأهل يلعب دوراً أساسياً في نمو وتطور حياة الطفل.
كانت القديسة إيميليا* جذراً فاضلاً وصالحاً أنتج ثمار جيدة، فأبناؤها نموا ليصبحوا أفراداً بارزين في المجتمع، وأكثر من ذلك ليكونوا قديسين في الكنيسة مثل: باسيليوس الكبير، غريغوريوس النيصصي، بطرس الذي من سباستيا، ماكرينا، ناوكراتيوس وغيرهم. فمن الجذر المقدس نبتت براعم مقدسة، ومن الأهل القديسين جاء أولاد قديسون. طبعاً كان الجذر عميقاً جداً إذ امتدَّ من الأب والأم وصولاً إلى الجدّ والجدّة.
اختبرت القديسة ايميليا في حياتها العديد من الشدائد كما يحدث عادة مع أخصاء الله. موت والديها قبل زواجها، وموت زوجها بعد ولادة ابنها بطرس، وموت ابنها المبكِّر ناوكراتيوس والمضي في تربية أولادها لوحدها كانت بعض من الشدائد التي تعرضت لها، ولكنها واجهتها بإيمان وبشجاعة وبصبر لا مثيل لها. علّمت أبناءها إذ كانت قدوة لهم. قدّمت لهم الحليب المغذي الأرضي وحليب الإيمان النقي، أرضعتهم أولاً من صدرها ثم من حب الكنيسة المحيي، ولهذا السبب نجحوا وأزهروا في حياتهم. لقد أكملت حياتها كراهبة مع ابنتها القديسة ماكرينا رئيسة الدير.
إن القديسة ايميليا في حياتها وسلوكها تعطينا الفرصة لنضيء على ما يلي:
أولاً: الدور الرئيسي في تنشئة ورعاية الأطفال يتأثر بطبيعة حياة الأهل، فمن آباء مصلين يأتي أولاد محبّون للصلاة وبهذا يصبحون محبّين لله والناس، لأن كل من يحب الله ويحفظ وصاياه سيحب إخوته وينكر ذاته من أجلهم.
“إن المناخ الذي يُخلق في المنزل من قبل الوالدَين المحبَّين لبعضهما وللآخرين، لديه تأثير إيجابي في تنمية الأطفال وتكوين شخصياتهم. “تنمية الأطفال تبدأ مع الأهل. منذ حمل الأم للطفل، يتأثر الجنين بحالة الآباء هادئين أو غاضبين، مجدّفين أو مصلّين. إنه يسمع ويشعر داخل رحم أمه. نعم، إنه يسمع ويرى من خلال عيني أمه. إنه يدرك التحركات والمشاعر حتى لو لم يكن عقله مكتملاً. فإذا كان وجه الأم متجهّماً فوجه الجنين يعبس أيضاً وإن تألمت أو ذعرت أو حزنت أو غضبت … فإن الطفل سيختبرها أيضاً. وفي حال لم ترغب الأم بهذا الجنين ولم تحبه سيشعر هو بذلك ويتشكل جرح في نفسه سيرافقه خلال حياته. وبالعكس، عندما تشعر الأم بالفرح والسلام والحب للجنين، فتنقل هذا إلى الطفل بشكل تلقائي كما بعد أن يولد. لهذا السبب على الأم أن تقضي وقتاً طويلاً بالصلاة والترتيل وقراءة المزامير وعيش القداسة من أجل الجنين ليكون قديساً“. (القديس بورفيريوس الكافسوكاليفي)
ثانياً: إن تربية الأطفال بعد ولادتهم عليها أن تكون بالقدوة الصالحة أكثر من الكلمات والنصائح. علينا أن نتحدث لله عن أطفالنا أكثر مما نتحدث لأطفالنا عن الله، علينا تعليمهم أن يثقوا بعنايته الإلهية، وأن يطلبوا المساعدة منه خاصة في الأوقات الصعبة من حياتهم. من المهم أن نقول لهم الحقيقة مهما كانت مريرة في وقتها، كما علينا الثناء على أفعالهم عند الضرورة، لكن علينا معاقبتهم عند الضرورة أيضاً لأن الثناء بشكل مستمر يفسدهم.
“إن مدح الأطفال يؤذيهم. غالباً ما يُمدح الأطفال الصغار بشكل مستمر، وبهذا سيتعلم الطفل ألا يواجه العقبات وحتى الصغيرة منها. فعندما يعارضهم أحد سيجرحون لأنه لم تتشكل لديهم الشجاعة. بالمدح المستمر سيصبح الأولاد عنيدين، قاسين، وغير متعاطفين، عندما تمدحهم بشكل مستمر دون عقاب فإنهم سيتضايقون ويهتاجون عندما يتعرضون للعكس. فإن الأنا عندهم ستبدي ردة فعل ويتحولون ليصبحوا أشخاص مغرورين وعملهم الأول سيكون نكران الله والأنانية غير الملائمة للمجتمع” (القديس بورفيريوس الكافسوكاليفي).
بالطبع ليس كل الأطفال متشابهين إذ ليس لدى الجميع نفس الشخصية ونفس الطباع ولهذا السبب يشدد القديس غريغوريوس اللاهوتي على أن المدح يفيد البعض ويفسد البعض الآخر لكن في بعض الأوقات الأمران مطلوبان. الاهتمام الخاص مطلوب مع التفهم وخوف الله لأن تربية الأطفال موضوع جوهري.
أيها الأمهات اقتدوا بالقديسة ايميليا وأرضِعوا أبنائكم من ثدي الكنيسة الحيّ ليكونوا ممتنين لكم إلى الأبد.
* للقديسة تذكاران في 30 أيار وفي 30 كانون الثاني مع اﻷقمار الثلاثة في عيد جامع مع القديستين أنثوسة والدة القديس يوحنا الذهبي الفم ونونة والدة القديس غريغوريوس اللاهوتي.