“أيها الجيل غير المؤمن، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟” لمَن يوجّه الربّ هذا الكلام؟ أهو للجميع، أي للشعب ولتلاميذه؟ واضح أنّه لا يعني الشعب بل تلاميذه. إنّه يوبخهم لعجزهم عن إخراج الروح النجس. ومع أنّه وبخهم على عدم إيمانهم، عاد فأنجز هو نفسُه العمل أي إخراج الروح. أصلاً هو دائماً مَن ينجز الأعمال، سواء الأشفية أو غفران الخطايا، أو أي أمر آخر. هذه الحقيقة ينساها بعض التلاميذ، ومن بعدهم الكهنة والرعاة، فيظنون أنهم هم المسؤولون عن الكنيسة، فيتدخّلون في عمل المسيح. إذا نجحوا يكونون هم الناجحون وإن فشلوا تكون مشيئة الله. مشهد التلاميذ الخائفين على صورتهم واضح عند سؤالهم السيّد عن سبب عجزهم عن إخراج الروح. فهم خافوا أن يكونوا قد فقدوا النعمة التي أعطيَت لهم، أكثر من خوفهم أن يكونوا قد فشلوا في تفعيلها. للأسف هذا واقع أغلب الرعاة اليوم، إذ يعتقدون أن الرب أعطاهم وكالة عامة “غير قابلة للعزل“، فيفشلون في الحفاظ على كونهم وكلاء وبالتالي ينصرفون عن إخراج الروح إلى أعمال أخرى، ليست بين أولويات ما أوصاهم الرب بعمله.
في النهاية، المسيح هو المسؤول عن الكنيسة ﻷنها عروسه، لهذا هو يوبخ خدّامها عن كل تقصير في إيمانهم أو في أنجاز ما هو مُوكَلٌ إليهم عَمْلُه. لكن السيّد حريص على أن تُتِمّ الكنيسة عملها، ولهذا هو يقوم به. هذا الواقع كان صحيحاً وما زال. المُفتَرَض أن تكون أعمال العاملين في الكنيسة كلُّها باسم الربّ ولمجده ومن أجله، وإلّا فإن ضعفاتهم تعيق عمل الربّ الذي يكمّل كلّ نقص فيهم وفي الكنيسة. عندما يصير همّ العامل في الكنيسة أن يحفظ صورته عند رعيته بغض النظر عن صورة المسيح، أن يحفظ سلام البشر الشكلي لا سلام المسيح الذي من العُلى، أن يتأكّد من أن الكلّ راضٍ باسم المحبة والتفاهم، عندها يكون قد انضمّ إلى مَن أسماهم السيّد بالجيل الفاسد.
الصورة تتكرر. فالعالم اليوم هو مثل هذا الابن المُصاب بروح شرير“يتمرغ ويُزبد“، مُلقى في النار وفي الماء، أي في التناقضات. إن هرب الإنسان من فخ يقع في آخر. إن عدو الخير لا يرحم طفلًا ولا شيخًا، ولا رجلًا ولا امرأة، بل يجهد لأن يدفع الكل إلى نار الشهوات، أو يسحبهم إلى تيارات مياه العالم ليهلكهم. ويستمر هذا الوضع ويسوء طالما العالم يهرب من المسيح أو لا يسعى إلى لقائه. دور الرعاية هو بالدرجة الأولى تظهير صورة الثبات المأخوذة من الثابت الوحيد أي المسيح. الجراح لا تتبلسم إلا بالمحبة القائمة في الحق، لأن المسيح هو المحبة وهو الحق، وليس الواحدة دون الأخرى.
مَن يلتقي المسيح ويطلب منه المعونة والحنو، يسمع جواب الربّ نفسه: “إن كنت تستطيع أن تؤمن، كل شيء مستطاع للمؤمن“. موقف الأب هو موقف إيمان مصحوب بتواضع وبدموع: “أومن يا سيد، فأعن عدم إيماني“. لكنه ليس دائماً موقف غالبية الناس ومنهم رعاة مفتَرَض بهم أن يكونوا رأس الحربة نحو المسيح. كثيرون من الناس اليوم، في محنتهم بدلاً من أن يبحثوا عن الرب ليستدعوه ليعينهم، يروحون يحاسبونه ويطالبونه ويتهمونه بالتقصير وبقلّة العدل ﻷنهم مصابون. كثيرون يرون في إيمانهم منة منهم على الله، لهذا يعتبرون من واجبه أن يحميهم ويبعد عنهم الشرور. آخرون إيمانهم لا يتعدى المظاهر، لهذا ينهار رجاؤهم عند مواجهة أيّ مصيبة. هنا ضرورة أن يكون الراعي حاضراً ليقول للمتألّم أن كلّ شيء مستطاع للمؤمن وذلك بإظهاره أولاً صورة الصابر المتوكّل على الله الثابت في محبته.