السّلام، من ثمار الروح القدس
كالينيكوس، ميتروبوليت بيرياس
نقلته عن اليونانية: ماريّــا إلياس قباره
السّلام، عطية الله: “أمّا ثمر الروح فهو…، السّلام”
السّلام هو الثمرة الحلوة الثالثة التي تتوّلد في نفوسنا من الروح القدس. وترتبط مباشرة بالثمرتين السابقتين وخاصّة بالثانية ألا وهي ثمرة الفرح. فلا يكون هناك سلامًا من دون فرح ولا فرحًا من دون سلام. فالإنسان الفرح هو سلاميٌ والإنسان المسالم ذو روح مرحة.
ما هو السّلام؟
هو سكون عالمنا الداخليّ، وراحة ضميرنا، وتصافي نفوسنا. السّلام هو عطية الرب القائم من بين الأموات الأولى لتلاميذه “جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم: السلام لكم” (يوحنّا 19:20)، وهو “سلام الله الذي يفوق كلّ عقل” (فيلبي7:4). أي أنّ السّلام هو كمال كلّ عقل، سواء للبشر أو للملائكة، إنّه عطية إلهيّة وقد تركه الرب لتلاميذه قبل الآلام “سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب” (يوحنّا 27:14)، وبه تمنّى الرسول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس أن “يملك في قلوبكم سلام الله” (كولو15:3).
هذا السّلام وهبه رب السّلام “وربّ السّلام نفسه يعطيكم السلام دائمًا من كلّ وجه” (2تسالونيكي 16:3)، “مشيرًا عجيبًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السّلام” (اشعيا6:9). والذي “جاء فبشركم بسلامٍ أنتم البعيدين والقريبين“(أفسس 17:2). وهبه مسيحنا والذي هو “سلامنا” (أفسس14:2)، ورتّل ومجّد به الملائكة ميلاد الرب بالجسد “المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفي الناس المسرة” (لوقا 14:2).
هذا السّلام الذي تتمناه الكنيسة، دومًا، للمؤمنين في كلّ طلبة وخدمة مقدسة “السّلام لجميعكم“.
السّلامُ هو حاجتنا للصلاة لله “بسلام من الرب نطلب” والذي يقبله المؤمن ليطلب من الله العيش بقربه. هذا المؤمن يحبّ ناموس الله الذي يقوده في حياته فيُخضع الجسد للروح ولا يجعل قلبه يميل لاهتمام الجسد بل لاهتمام الروح “لأنّ اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام” (رومية 6:8) فيأخذ سلامًا “المبشر المخبر بالسّلام… المخبر بالخلاص… قد ملك إلهك” (اشعيا7:52)
ويكون السّلام صلاحًا كبيرًا عندما نتمناه، فنشعر بالراحة والشكر وبحلاوة عذبة ونفرح في الحياة ونعيش جزءًا من الفردوس فيها. لأن ماذا سيأخذ المغبوطون في السّموات إلاّ السّلامَ الذي يولّد البهجة باستمرار؟ لكن عندما يغيب عن قلوبنا، عندئذٍ، نكون أناس غير محظوظين ونكون تافهين وسوداويين. تثقل الحياة علينا ونقاسي فيها ونتعذب ونعيش بجحيم بشع مشؤوم.
وأيضًا، في حين أنّنا نطلب السّلام من الله ليعطينا إيّاه نمنعه بشكلٍ كبير عندما لا نفهم أنّه علينا أن نبتعد عن شرورنا وأهوائنا وضعفاتنا ولا مبالاتنا الروحيّة التي تفصلنا عن “إله السّلام” (1تسالونيكي 23:5). وقد صرخ إلينا الروح القدس بفم الرسول بطرس “ليعرض عن الشرّ ويصنع الخير ليطلب السّلام ويجدَّ في إثره” (1بطرس 11:3). عندئذٍ فقط، نستطيع أن نقتني السّلام مع الله؛ ومع قريبنا، وأيضًا، نقتني سلامنا الداخليّ، فنبتعد عن الشرّ ونصنع الخير المرجو. فيعمل الإنسان الفضيلة مع المؤمنين والمحبّة لله.
الإيمان الحيّ والثقة بالله هو الدواء العظيم للحياة، ولكنّه يتطلب تعبًا، ويشّدنا ويجعلنا أقوياء في صعوبات الحياة الكثيرة التي لا مناصَ منها، ويجعلنا متفائلين ننظر إلى المدى البعيد للمستقبل فنرى السّماء وردية ونتغلب على لحظات الأحزان المريرة وعلى تجارب الحياة اليوميّة.
الإيمان بالله المحبّة والثقة في اهتمامه الحنّان يعمل فرحًا وسلامًا في قلوبنا. إنَّ أحمال ومرورة حياتنا كبير، ومن دون إيمان سنغرق في بحر القنوط واليأس، لكنّ الإيمان يولّد داخلنا الرجاء والصبر، والصبر يبزر فينا السّلام والفرح. لهذا، وإن كان المؤمن في وادي البكاء سيتذوّق الخيرات السماويّة ويهدأ ويتسالم وإن هبت من حوله ريح شديدة سيكون هادئًا مرتاحًا. المؤمن المسالم فقط من يحفظ السكون أمام مواقف الآخرين وتصرفاتهم المؤذية من يفرغون السّم والسوء أمام غيرهم.
دواء الحياة الأعظم هو الإيمان بالله، إنّه بلسم التعزية. فهو يثبّت خطواتنا وعكاز خلاصنا. الإيمان العميق بالمخلص الفادي يتطلب سلامًا داخليًا وفرحًا عظيمًا، به نجاهد ونقهر شكوكنا ونبتعد به عن القلق والاضطراب. يخلّصنا من الشكوك القويّة التي حولنا، ويذيب غمام اضطرابنا ويعتقنا من كلّ إدانة ويهدئ ضمائرنا. يخفّف أحمالنا ويمحي ديجور عتمتنا وينير خطواتنا. فنعمل باطمئنان في مسيرة حياتنا ونصبح قادرين على البقاء في السّلام حتّى في الصعوبات الكثيرة التي تعثرنا في هذه الحياة.