يزوّدنا رئيس الأساقفة ميخائيل أكوميناتيس بتفسير مجازيّ لما سيسبق المسيح الدجّال، قائلاً إنّ الزلزلة تُشير إلى تغيير اجتماعيّ كبير في المجتمع العالميّ، وتغيير نموذج العادات والأخلاق بحيث تسير باتّجاهٍ مختلف تمامًا. ويُمكننا القول إنّ تغييرات القرن العشرين كارثيّة. تزعزع فكر الناس وتغيّر. وأصبحت النظرة إلى الإنجيل مختلفة جدًّا في هذه العقود القليلة الماضية، وفي هذا القرن. ما عدنا ننظر إلى الإنجيل كما كنّا ننظر إليه على مدار القرون الثمانية عشر أو التسعة عشر السابقة.
لم يَسبق لقرننا مثيل في تاريخ المسيحيّة، بمعنى أنّه يمكننا أن ننظر إلى الإنجيل بوجهة نظر مختلفة تمامًا، من منظار مختلف. بالطبع، يرى كلّ عصر الإنجيل من منظوره الخاصّ، إنّما التمرّد والارتداد اللذان في عصرنا لم يسبق لهما مثيل. لقد حطّمنا كلّ الأرقام القياسيّة مقابلة بالقرون السابقة. وتكاد الأمور تختلف بالكامل بين الجيل والجيل. وهذا ما يدعو الجيل الّذي عاش بشارةً عمرها ألفي سنة وفهِمها بطريقة معينة، إلى الذهول من شعوب الجيل القادم الّتي ترى الأمور بشكلٍ مختلف. إنّه أمرٌ غير مسبوق في تاريخ المسيحيّة.
لقد شهدنا عددًا من التغييرات الكبيرة خلال التاريخ. على سبيل المثال، رأينا الإصلاح البروتستانتيّ، ولكنّنا لم نرَ الأمور الّتي تحدث اليوم. اليوم، نشهد رفضًا تامًّا للإيمان، وارتدادًا كاملاً عن المسيحيّة وليس فقط رفض بعض العقائد أو بعض التغييرات أو الإصلاحات. اليوم، نَشهد رفضًا مطلقًا. وأظنّ أنّ هذا عنصر من عناصر التغيير أو زلزلة على نطاق العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، وتحديدًا من حيث الفلسفات السياسيّة للشعب. أنا لا أتكلّم على العبوديّة. كان لدينا عبيدٌ وأسياد، وقد أُبطِلت العبوديّة الآن. لقد توّلى الإنجيل هذا الموضوع في وقت مُبكر، فتكلّم القدّيس بولس في العبوديّة، ولقد أُبطلت هذه بطريقة سلميّة عَبر المسيحيّة، في عهد الأمبراطوريّة البيزنطيّة. كما أنّنا تخلّصنا من الطبقيّة المستشرية في بعض البلدان غير المسيحيّة مثل الهند. اليوم، تختلف طبقات الناس، لعوامل اقتصاديّة محضة.
أمّا في أيّامنا، فالأمر يختلف تمامًا. الأفكار اليوم متمّردة جدًّا ومعارضة لآداب الإنجيل لدرجة أنّه لم يبقَ ما يقاوم. حَدَث زلزالٌ حقيقيّ من التصوّرات والمعتقدات بخاصّة في ما يتعلّق بالإنجيل. أيّ قرنٍ آخر شَهِد قبولاً للشذوذ الجنسيّ من أشخاص يدعون أنفسهم قادة الكنيسة؟ علاوة على ذلك، يريد أولئك الّذين يعيشون نمط حياة كهذه أن يشتهروا. هل شَهِد قرنٌ آخر تشريعًا للإجهاض أو تعظيمًا للزنى والدعارة؟ الدعارة موجودة منذ ألفي عامٍ. لطالما وُجِدَ الزنى والدعارة في الأممّ المسيحيّة. مع ذلك، لم يبارَك الزنى قطّ في العلن، ولم تكن يومًا ممارسة الجنس قبل الزواج مَفخَرة. اليوم، يتحمّس الناس ليتفاخروا بمغامراتهم الجنسيّة خارج نطاق الزواج أو قبله. في القرون السابقة، كانوا يمارسون الدعارة بطريقة سرّيّة، وكان الشذوذ الجنسيّ يُمارس في الظلام. أمّا اليوم، فالدعارة مقبولة. ويكشف المثليّون جنسيًّا عن شذوذهم علنًا وبافتخار. أمّا قبل مئة عام، فكانوا يختبئون ويُمارسون أعمالهم المظلمة في الخفاء.
يَشهد عصرنا زلزلة خُلُقيّة ذات أبعاد لم يَسبق لها مثيل في العالم المسيحيّ بين الناس الّذين يُحافظون على بعضٍ من أشكال المسيحيّة. نحن لا نتكلّم على الوثنيّين لأنّ بلاد الأوثان شهدت جمًّا من الفساد. سادَ الفساد في سدوم وعمورة، وبين الأباطرة الرومان في السنوات الأخيرة من الأمبراطوريّة. بيد أنّنا نُشير هنا إلى الأمم المسيحيّة. في أيّامنا هذه، ليس لهذا التمرّد سابقة. هذا هو المعنى الأوّل لآية القدّيس بولس، إنّه المعنى المجازيّ أو الإستعاريّ، لهذا الاضطراب، لانقلاب الأمور رأسًا على عقب (عبرانيّين 12: 25- 26).
الهدف من الزلزلة
ما أوّد أن أقوله هنا في ما يتعلّق بهذه الزلازل هو، أنّها ترمي إلى هدفٍ آخر. يَهدف أيّ زلزال إلى وخز ضمير الإنسان. كما تعلمون، عندما تهتّز الأرض هنا في اليونان، نصرخ هاتفين “أيّتها الفائق قدسها والدة الإله خلّصينا!”، أيّها المسيح خلّصنا!” مع ذلك، حتّى في تلك المرحلة، فقد يقول كثيرون إنّهم لا يؤمنون لا بالمسيح ولا بكنيسته، معتبرين أنّه عالم اجتماعيًّ أو فيلسوف. إذًا، لماذا لا يلتمسون معونة بعض الفلاسفة الآخرين لكي يأتوا ويُخلّصوهم؟ فليستدعوا بعض العلماء الاجتماعيّين أو المُصلحين. لماذا ينادون المسيح ووالدته؟ يبدو أنّ الإيمان بشخص يسوع المسيح الإله – الإنسان قد بَرز فجأة في عقلهم الباطنيّ، ولهذا السبب ينادون المسيح. تؤدّي أعمال الله، من زلازل وأعاصير، أو أيّ كارثة أخرى، دورًا فعّالاً في إيقاظ الإيمان الكامن في ضمائر البشر.
غالبًا ما يأتي إطلاق البلايا، كما هي الحال مع هذه الزلازل، نتيجة محبة الله القويّة. قد تلجأ محبّة الله إلى الألم والعقاب كوسيلة نهائيّة، لإيقاظنا من سُبات الخطيئة العميق والارتداد بهدف أن تُعيدنا إلى الله رغم أنّ معظمنا سوف يرفض العودة بعناد. سنلقى هذا الأمر مرّات عدّة في فصول سفر الرؤيا المقبلة. يَسمح الله بحصول كارثة لمؤازرة الناس على التوبة، ولكنّهم عوضًا من ذلك يجدّفون. ويدّل هذا الأمر بوضوحٍ شديد على أنّ الله يفتقد شعبه بمحبّة شديدة، بعصا المُلك، إلاّ أنّ الشعب لا يتوب. هذا ما يحدث عندما يُحبّ الأهل أولادهم ويُعاقبونهم، فإنّهم لا يتصرّفون من منطلق الانتقام، بل من أجل تأديب أولادهم غير المطيعين. فليس مستبعدًا أن يرى بعض أولاد اليوم في هذه الإجراءات التأديبيّة المُحبّة الّتي يقوم بها أهلهم إكراهًا، وينتهي بهم الأمر أن يهربوا من المنزل. فهُم يرفضون أن يتّضعوا وأن يُدركوا أنّ والديهم أكثر دراية منهم، ومع غياب التواضع، لا يُمكنهم تفسير أعمال ذويهم إلاّ على أساس أنّها عداء.
* مقتطف من كتاب سفر الرؤيا– الأختام السبعة، الأرشمندريت أثناسيوس ميتيليناوس، ترجمة رولا الحاج – قيد الطبع (منشورات النور ومنشورات القديس نيقوديمس الآثوسي)