ما من أحد كرّس نفسه لاتّباع القديس اسحق السرياني كما فعل القديس الشيخ باييسيوس الذي ضُمّ مؤخّراً إلى سنكسار الكنيسة (في 13 كانون الثاني 2015). فهو لم يحبّ تعاليمه بعمق وحسب بل ما هو أكثر أهمية هو أنّه عاش وجسّد كلّ ما علّم به القديس إسحق.
كتب القديس باييسيوس: “سوف يساعدك القديس إسحق السرياني بشكل عظيم لأنّه يعيننا على أن نفهم معاني الحياة الأكثر عمقاً. إلى هذا، إنه يساعد الرجل المؤمن بالله على إبعاد كل تعقيد، كبيراً كان أم صغيراً. إن بعض الدراسة للقديس إسحق تحوّل النفس بكل الفيتامينات الروحية التي فيها”.
لدى القديس اسحق فيتامين محدد يتحدّث عنه غالباً الشيخ باييسيوس واصفاً إياه بأنه الفيتامين القادر على حفظنا من كافة الأمراض الروحية وتحريرنا من كل العِقَد. هذا الفيتامين الذي يمنحنا إياه القديس إسحق ويكرر ذكره القديس باييسيوس هو التفكير الإيجابي.
التفكير الإيجابي ذو وجهين تماماً كما الوصية العظمى ذات وجهين “أحبب الربّ إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قوتك” والوجه الثاني هو “أحبب قريبك كنفسك”. ولأن للمحبة، كما للصليب الكريم، عارضة عامودية (محبة الله) وعارضة أفقية (محبة القريب)، التفكير الإيجابي ينطبق على أفكارنا عن الله وأفكارنا عن قريبنا.
كتب القديس إسحق: “جدد حياتي بتحوّل الذهن وبالأفكار الإيجابية التي تحركها فيّ أنت بنعمتك”. هذه الصلاة استجيبَت في حياة القديس باييسيوس عندما كان طفلاً وتغيّر فكره بفكرة إيجابية حرّكها الله فيه. لقد وجد ذاته في حزن عميق وراح يشكك بإيمانه لأن أحد الرجال الذين لم يكن في رأسه أي فكرة إيجابية، سخر من القديس لأنه يؤمن بالله وأخبره بأن المسيح كان مجرد إنسان. يخبرنا القديس باييسيوس: “كنت منهكاً فاستلقيت على الأرض لأستريح. فجأة، إذ بفكر إيجابي مفعَم بالامتنان المتجاوب دخل في نفسي البريئة: انتظر لحظة! ألم يكن المسيح ألطف الناس على وجه الأرض؟ لم يجد أحد فيه أي فكر شرير. إذاً، سواء كان هو الله ام لا، لست أهتمّ. فعلى أساس أنه أكثر البشر لطفاً وأنا لم أعرف أفضل منه فسوف أحاول أن أكون مثله وأطيع بشكل مطلَق كل ما يطلبه الكتاب المقدس. سوف أقدّم له حتّى حياتي إذا اقتضت الحاجة لأنه كريم جداً.
كل أفكار الجحود تبخّرت وامتلأت نفسي بفرح عظيم. قوة أفكاري المفعمة بالامتنان أذابت كل الأفكار الملتبسة. عندما بدأت أؤمن بالمسيح وقررت أن أحبه قدر استطاعتي، وبسبب الامتنان المتجاوب اختبرتُ معجزة ختمت فكري الإيجابي بقوة. من ثمّ افتكرتُ: أنا لا أهتمّ من بعد إذا قال لي أحدهم أن الله غير موجود”.
هذه الفكرة كانت عطية من الله ثبّتها القديس اسحق الذي يقول لنا: “تقع الفكرة الجيدة في القلب بعطية إلهية فقط”. الله أعطى هذه المنحة للشاب باييسيوس الذي كان قلبه ممتلئاً بالامتنان والكرامة* إذ بحسب القديس “مَن يحمل عطايا الله إلى إنسان هو قلب متحرك دائماً نحو الشكر”.
يذكرنا القديس باييسيوس بالطبيعة الأفقية للتفكير الإيجابي إذ يكتب: عليك أن تكون أفكارك من ناحية الجميع حسنة”، وأنّ “أساس الحياة الروحية بأكمله هو التفكير بالآخرين ووضع الذات أخيراً، وعدم التفكير بالذات”. على المنوال عينه، القديس إسحق يخبرنا بأن الإنسان يبلغ الطهارة “عندما يعتبر كل البشر أخياراً، وما من رجل يبدو له غير طاهر أو دنس، يكون بالحقيقة طاهر القلب”.
فلنصلِّ، متّبعين تعاليم القديسين إسحق وباييسيوس، إلى الربّ بكلمات القديس نيقولاوس كاباسيلاس “حوّل عين النفس من الأمور الباطلة بحفظك القلب مملوءً بالأفكار الحسنة، حتى لا يترك في أي وقت مكاناً للأفكار الشريرة”
* الكرامة هي ترجمة لكلمة Philotimo اليونانية لكنها لا تعنيها حرفياً. الترجمة الحرفية للكلمة تعني صديق المجد. الكلمة بحسب العديد من المصادر هي أكثر الكلمات اليونانية صعوبة في الترجمة [المترجمٍ]