قرار المجمع الأرثوذكسي العام في الفنار حول بطريركية أورشليم
كنتيجة لعمل ضخم غير قانوني
المتقدم في الكهنة أفستاثيوس كولاّس
جرت في القدس أحداث مؤلمة، وما زالت مستمرة، وقد لطّخت قدسية الرسالة الكونية للكنيسة الأرثوذكسية وما زالت تشكّل وصمة عار عليها. وهذا لأن فرائض الرسل القديسين والمجامع المسكونية والمحلية وتلك التي من الآباء القديسين، والتي هي بلا لبس وذات موثوقية، لم تُحفَظ بأمانة، ولا هي محفوظة الآن.
كل الذين تكلّموا وكتبوا وما زالوا يتكلّمون ويكتبون عن هذه الأحداث هم إما غرباء عن أحكام الدستور الكنسي الموحى بها من الله أو هم بعيدون عنها. أعني بالدستور الشرع الكنسي، أي هذه البوصلة السماوية للأرثوذكسية التي يضمن الإدارة الداخلية والنظام في الكنائس الأرثوذكسية كما العلاقات في ما بينها.
كلّ المتكلمين والكتّاب إمّا يسلّطون الضوء على هذه الأحداث بما يتناسب ونواياهم الخاصة أو ما هو أكثر عمقاً من الأهداف المخبأة، أو يتفحصونها من زوايا تفسر القانون حرفياً أو على أساس أجندات سياسية؛ وبالنتيجة هم يجعلون الأمور أكثر تعقيداً. وبعد هذه الأمور، كان متوقّعاً من المجمع الأرثوذكسي العام في الفنار أن يحلّ الانحرافات الشرعية الخطيرة التي جرت وما زالت قائمة في القدس، مطبقاً بأمانة وبشكل طبيعي القوانين المقدسة الموحى بها من الله. ولكن، هل هذا ما جرى أم أن الأمور ازدادت تعقيداً؟ لِنرَ.
أ) لقد انعقد المجمع الأرثوذكسي العام لكي يدرس رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الأمور في أورشليم أمّ الكنائس ويجدوا حلاً قانونياً يؤدي إلى الاستقرار. ولكن الأمر انتهَى غير قانوني بشكل واسع، حتى لا أقول بشكل منحرف أو همجي بالنسبة للقوانين المقدسة.
لقد طلبوا من رأس كنيسة أرثوذكسية (بطريرك) وأحد الأعضاء المتدارسين أن يستقيل، بالرغم من أنه كان من المفترض بهم أن يكونوا عارفين بأن القوانين الكنسية لا تتيح ولا تسمح باستقالة إكليريكي، بحسب قرار المجمع المسكوني الثالث الذي لا لبس فيه بأن “ليس من المستحسن أن يقدم الأساقفة استقالتهم لأنهم إذا كانوا مستحقين لهذه الخدمة فليواظبوا عليها بدون استعفاء. أما إذا كانوا غير مستحقين فتخلّيهم عن الوظيفة الأسقفية لا يكون بالاستعفاء بل بعد صدور الحكم عليهم لزلات ارتكبوها” (من تعليق البيذاليون على رسالة المجمع المسكوني الثالث إلى مجمع بمفيلية، ش.ك.، ص. 354).
إن رؤساء الكنائس الأرثوذكسية سعوا بشكل غير قانوني بالكليّة (بالحقيقة 8 مقابل سبعة)، وعلى ما يبدو بخفةٍ، إلى أن يقيل نفسه بطريرك أورشليم ورأس أمّ الكنائس. هذا أمر لا يمكن قبوله على ضوء القوانين الإلهية المقدسة. أرى أن هذا القرار من الفنار يقارب حدود المحاكمة المعيبة في “المجمع اللصوصي”.
ب) لقد أخذوا قراراً بحذف أحد الأعضاء المتدارسين من الذبتيخا! أي تفلّت من القوانين، وأي إهمال وأي تطاول! لا يُحذَف إكليريكي من الذبتيخا الأرثوذكسية إلا عندما يسقط في هرطقة أو عندما يُقطَع بعدل بسبب أخطاء اساسية وشرعية قد تمّ إثباتها.
ج) لقد استدعوا إستنارة الروح القدس، على الرغم من أنهم قد تفادوها بالفعل، وقبل المداولة لإيجاد حل، توصلوا إلى قرار بذبح بطريرك القدس ذي السيادة وهو عضو من أعضاء ذلك المجمع الأرثوذكسي العام المنقوص.
ج) انحاز المجمع بشكل غير قانوني بالكامل إلى جانب المتآمرين واتفق معهم، ومن دون أي إثبات، تحول ضد “الأول”، وأظهر لامبالاة التامة تجاه الشرائع السماوية والمقدسة والقرارات الكنسية، التي كان ينبغي بالمجمع أن يأخذها بالاعتبار، لا سيما في ضوء المسألة القائمة. ونتيجة لذلك، تفاقمت المشكلة في القدس، مع تطورات مأساوية ومن دون رادع.
د) إن استشهاد المجمع بالقديس غريغوريوس اللاهوتي لم يكن مناسباً. ففي زمن القديس غريغوريوس، نشأت مشكلة قانونية خطيرة سعى إلى تجاوزها. وكما أكد هو أنه تمّ انتخابه أسقفاً لساسيما لكنه لم يزرها أبداً. وهذا أدى به الوقوع في خطأ قانوني ثانٍ أكثر خطورة. لذا انسحب إلى حياة النسك (Threskeftiki kai Ethiki Encyclopedia, Vol. IV, pp. 712-716). ونتيجة لذلك، فإن قرار المجمع الأرثوذكسي العام فاقد للصلاحية بشكل يصعب علاجه! ويمكن لإيريناوس، في رأيي المتواضع (كمواطن يوناني)، اللجوء إلى القضاء اليوناني (مجلس الدولة)، ضد القرار الإداري / المرسوم الصادر عن المجمع الأرثوذكسي العام، إذ إن صلاحية القوانين السماوية والمقدسة والتطبيق الأمين لها في علاقة كنيسة اليونان المستقلّة بالفنار، معترف بها نهائيا في الدستور الحالي للدولة اليونانية (المادة 3).
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: ماذا لو تمّ تطبيق الأوامر الموحى بها من الله في القوانين المقدسة بدقة وسط كل هذه الضجة من الإفصاحات؟ إن كلّ ما يقولون أنه تمّ وكيفية وقوعه، هو خارج حدود القانون الكنسي الساري المفعول للكنيسة الأرثوذكسية. لهذا السبب، وقد وصلت الأمور إلى هذه الحدود المؤلمة، وسبب ذلك يكمن في مجمع بطريركية أورشليم، وأكثر من ذلك أيضاً في الأعمال غير القانونية التي قام بها الآخرون برئاسة البطريرك المسكوني في الفنار.
وعليه، في ما يتعلّق بالشرع الكنسي
أ) من جهة بطريركية القدس
1) بحسب القوانين المقدّسة، الإكليريكيون المنتَخَبون والمُسامون والمثبّتون مثل إيرينيوس، يخدمون كإكليريكيين مدى الحياة ولا يُسمَح باستقالتهم إلا في حالات العجز الجسدي والعقلي المثبَت، “لأنهم إذا كانوا مستحقين لهذه الخدمة فليواظبوا عليها بدون استعفاء. أما إذا كانوا غير مستحقين فتخلّيهم عن الوظيفة الأسقفية لا يكون بالاستعفاء بل بعد صدور الحكم عليهم لزلات ارتكبوها” (رسالة المجمع المسكوني الثالث إلى مجمع بمفيلية).
2) كلّ مَن ينتخِب إكليريكياً من ثمّ “نقض موافقته وتوقيعه يحرَم بحكمه الخاص من شرف رتبته” (القانون الثالث عشر من مجمع قرطاجة، ش.ك.، ص. 668).
3) إن المؤامرة على إكليريكي في الكنيسة، وبالواقع على أسقف – بطريرك، تُوصَف إكليسيولوجياً بأنها “مكيدة” وعقابها التجريد (القانون 18 من المجمع المسكوني الرابع، ش.ك. ص. 424، والقانون 34 من المجمع المسكوني السادس، ش.ك. ص. 568).
4) إن رفض ذكر البطريرك أول الإكليروس والأسقف هو بمثابة “إقامة مذبح آخر” وعقوبة هذه الوقاحة هي التجريد (القانون 31 من قوانين الرسل، ش.ك. ص. 856، والقانون الرابع عشر من المجمع المسكوني الأول \ الثاني). إذاً مما أشير إليه، وبشكل خاطف بعض الشيء، في ما يتعلّق بظروف إيرينيوس بطريرك أورشليم، فإن القوانين المقدسة تشير بشكل صريح إلى “أعمال بسبب حزازة شخصية أو خصومة أو كراهية” (القانون الخامس من المجمع المسكوني الأول، ش.ك. ص. 54، والقانون 14 من مجمع سرديقية، ش.ك. ص. 637)
ب) من جهة الفنار والأساقفة الآخرين
ما يختصّ بالفنار والذين تصرّفوا معه في قضية البطريرك إيرينيوس
1) إنهم مذنبون بتهمة ارتكاب “التدخّل” في كنيسة مستقلّة أخرى هي بطريركية أورشليم أم الكنائس
2) لقد ساووا أنفسهم بالمتآمرين على إيرينيوس وأدانوا البطريرك صاحب السيادة “بإستخفاف”.
3) وإذ كان القرار متّخذاً سلفاً، استدعوه، وكأنه أحد أجرائهم، والأمر الشائن هو أنهم سعوا إلى أن يستقيل، أي أن يجرّد نفسه، وهذا مناقض بشكل كامل للقوانين المقدّسة
4) وعقب كل هذه السخافات، ما كان الهدف من عقد مجمع على هذا المستوى، فيما بالحقيقة لا حاجة لمجمع على الإطلاق، إذ إن القرار على حساب إيريناوس كان متّخذاً بالفعل، بانتهاك صارخ للقوانين المقدسة؟
اقتراح
برأيي المتواضع، فإن القرار الصحيح والشرعي الذي كان بإمكان هذا المجمع اتخاذه، وإن لم يكن كافياً، كان اختيار “مندوب” مقبولٍ وإرساله إلى بطريركية القدس للمزيد من الإجراءات والترتيبات الكنسية، وبهذا كان الأمر كله تحوّل قانونياً، وفيه حل نهائي من شأنه أن يكون مقبولاً من جميع الأطراف المتنازعة، لأن إيجاد حل لهذه المشكلة هو في القدس ولا يمكن أن يوجد خارج أو فوق المراسيم الجلية والموثوقة الموحى بها من الله والشرائع العابرة الزمن المقدسة لكنيستنا الأرثوذكسية البوصلة السماوية.
فلتكن نصائح الرسل، لا بل تحذيراتهم، إلى الأساقفة لا لبس فيها وموثوقة: “لتكن هذه الأمور المتعلّقة بالقوانين عليكم منّا. وإذا أطعتموها سوف تخلصون ويكون معكم سلام، ولكن إن لم تنضبطوا فسوف تؤنَّبون وتكون حرب طويلة في ما بينكم، مقدّمين العقاب المناسب على عدم طاعتكم”.
هذه الأشياء قالتها في حينه رابطة الإكليروس في اليونان على لسان أمينها العام وممثلها في الشؤون القانونية الشرعية، وقد طلبت الرابطة حواراً بنيّة طيبة، لكن أحداً لم يتجرأ على اتّخاذ موقف بدعم إيرينيوس الذي ظُلِم، حتى يتمّ تلافي هذا القرار غير القانوني من المجمع الناقص في الفنار، وكل الذين وقفوا إلى جانبه، وحتى يُصار إلى تطبيق النظام القانوني وما يوازيه في الممارسة والذي يكشف البعد الأعمق للحياة الإكليسيولوجية.
* * *
-
النص الأصلي باليونانية
Πρεσβύτερος ΕΥΣΤΑΘΙΟΣ ΚΟΛΛΑΣ: «αντικανονικότητα ολκής για τα Ιεροσόλυμα η απόφαση της “Πανορθοδόξου Συνόδου” στο Φανάρι» .Ιερή Πλεκτάνη. http://ieriplektani.blogspot.gr/2014/12/blog-post_15.html, Δευτέρα, 15 Δεκεμβρίου 2014
-
المتقدم في الكهنة أفستاثيوس كولاّس هو الرئيس السابق لرابطة الكهنة في اليونان.
-
نصوص القوانين مأخوذة من ش.ك.: “مجموعة الشرع الكنسي”، جمع وترجمة وتنسيق الأرشمندريت حنانيا الياس كساب، منشورات النور 1985