عكف الإنسان منذ آلاف السنين على مراقبة سير القرص المنير العجيب الذي يضيء الأرض ويدفئها. ونظر إليه بإعجاب ومحبة وخشية وصلّى له كإله. وفهم أن الشمس هي مصدر كل حياة وحرارة وطاقة له ولأولاده وأنه لولاها لما كان هو ولا الحيوان ولا النبات. لهذا كانت الشمس موضوع عبادة في الحضارات القديمة. ومنهم الرومان الوثنيون الذين كانوا يحتفلون يوم 25 كانون الأول بعيد “الشمس التي لا تُقهَر”، تزامناً مع الحساب القديم لموعد الانقلاب الشتوي. فقامت الكنيسة بتعميد هذا العيد وإعطائه صبغة مسيحية جديدة واسماً جديداً هو “عيد ميلاد ربّ الشمس”. وقد ذكرت كتابات آباء الكنيسة ومنذ مرحلة مبكرة أنّ المسيح هو “شمس البِرّ”، كما تنبّأ ملاخي (2:4). ولعلّ أبرز هذه الكتابات في مقارنة المسيح بالشمس هي كتابات الذهبي الفم الذي اعتبر أن “الشمس التي لا تُقهَر هي شمس البِرّ وشمس العدل، أي يسوع المسيح”. ويضيف القديس أمبروسيوس “أن المسيح هو شمسنا الجديدة”. وهذه المقارنة توجَد في العديد من طروباريات الأعياد (دخول السيد إلى الهيكل، ميلاد السيدة، ميلاد السيد) وفي الكتابات الليتورجية أيضاً.
فبماذا تفي هذه المقارنة موضوعنا عن صقيع الروح ؟
إذا كانت الشمس تمنح الحرارة والدفء لكلّ ما هو مادي، وتحصنه ضد البرودة والصقيع، بالتالي ضد الامراض فكم بالحري يكون دفء إله الشمس والسماء والأرض وملئهما. فكما يعرّض غياب الشمس الجسم للصقيع، هكذا يعرّض غياب المسيح الروح للصقيع. لقد قيل عن الرب “إلهنا نار آكلة” (عبرانيين 29:12)، ومن يسكن فيه روح الله لا بدّ أن يكون مشتعلاً بهذه النار المقدسة. فإن ابتعد عن هذه النار أو عن شعاع المسيح أُصيب بالفتور الروحي، الذي متى طالت مدته يزداد قوة ويتحوّل إلى برودة فصقيع روحي ويصير الإنسان جثة هامدة في الكنيسة ومرتعاً للاهواء.
يقول أحد الأمثال الإنكليزية: “البيت الذي تدخله الشمس لا يدخله الطبيب”. ما يعني أن الشمس تحمي البيت وتمنحه مناعة لمقاومة الأمراض. هكذا أيضاً الرب يسوع المسيح شمسنا يمنع دخول الأهواء إلى قلوبنا ويدفئنا بمحبته اللامتناهية. وكما يملأ النهر الوديان المنخفضة هكذا يملأ الربّ يسوع قلوب المؤمنين المنكسرة بالتوبة والمنسحقة والمتواضعة بالروح القدس. فينتج منه فرح القلب وسلام الفكر اللذان لا بد لهما من ان ينعكسا على على الآخرين. ولكي يفيض شعاع الرب ونار الروح فينا، علينا أن نزيل من أمامه كل معطّل لجريانه وفيضانه. مع اقتراب عيد الميلاد، فلنحرص على أن لا نطيل الجلوس في الظلّ فنخسر دفء الشمس الآتي إلينا من علو السماء، ولنوجّه وجوهنا نحو أشعة شمسه فلا نعود نرى الظل ولا يميتنا صقيع الروح، ففي المغارة توجد شمس مضيئة تشع على الصالحين والاشرار.