إننا نستطيع ملاحظة انتشار الميل للتحليل النفسي في هذه الأيام، حيث يُفَسَر كل شيء من منظور علم النفس الذي يضع الإنسان في مركز الكون، ومن هنا ظهر علم النفس الإنساني المتمركز حول الإنسان. يعتبر التحليل النفسي وسيلة لاكتشاف عالم الشخص الداخلي واكتسابه اتزاناً نفسياً. على أية حال، لو درسنا كتابات الآباء بتفصيل، لاكتشفنا أنهم يتكلمون بالأكثر عن توحيد النفس. لأن النفس ابتعدت عن الله، تمزقت داخلياً وصارت محتاجة للتوحيد. يتناول القديس غريغوريوس بالاماس هذا الموضوع في تعليمه.
أصر برلعام الفيلسوف على أنه لا يمكن العثور على القداسة والكمال “بدون تمييز عقلاني، ومنطق وتحليل”. وبالتالي نصح بأن من يريد اكتساب الكمال والقداسة يحتاج لأن يتعلم “طرق التمييز، والمنطق، والتحليل”. دحض القديس غريغوريوس هذا الرأي، الذي هو “هرطقة رواقية وفيثاغورسية”. إنه يُعَّلِّم أن المسيحيين لا ينظرون للمعرفة المتأتية من الكلمات والاستنتاجات على أنه حقيقية، “ولكن فقط للمعرفة الظاهرة في الأعمال والحياة، التي هي ليست فقط حقيقية ولكنها أيضاً أكيدة وغير قابلة للدحض”. إنه يسترسل في القول أنه من المستحيل أن نعرف أنفسنا بواسطة التمييز والمنطق والتحليل، ما لم نتحرر من الكبرياء والشر من خلال توبة قوية ونسك مطرد. إن من لم يطهر نفسه بهذه الطريقة لن يصبح واعياً لفقره الشخصي، التي هي نقطة بداية جيدة نحو معرفة الذات.
هذا الجزء من تعليم القديس غريغوريوس معبر جداً لأن العديد من الناس يعلمون في هذه الأيام أننا نستطيع أن نصل لمعرفة الله من خلال التحليل النفسي. على أية حال، قد يؤدي ذلك لعواقب وخيمة. عندما يقوم الشخص بتحليل نفسه فإن ذلك يؤدي على الأرجح إلى الفصام. الطريقة النسكية بسيطة. من خلال حفظ النوس وتطهيره، وإعادته للقلب من خلال التوبة والصلاة القلبية، ومن خلال حفظ وصايا المسيح، نعمل على تحريره من الصور ومن أسر الأمور المدركة بالحواس له. إننا نصل لمعرفة ذواتنا من خلال عمل الروح القدس، ولا نكتسب وعياً دقيقاً بكل تفاصيل كياننا إلا عندما تنير نعمة الله النفس بالإضافة إلى جهادنا الشخصي. يكشف شفاء النوس عن وجود الأهواء. وعندئذ، إذ نستنير ونتقوى بالروح القدس نستطيع محاربتها.