الإلحاد مرض عقلي
القديس نكتاريوس أسقف المدن الخمس
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
الإلحاد مرض عقلي: إنه جرح مريع في نفس الإنسان يصعب شفاؤها. الإلحاد هو هوى يظلم مَن يتملّكه بقسوة. إنه يختزن الكثير من المصائب لمَن يحتجزه، ويصير مؤذياً ليس له وحسب، بل لكل الذين حوله.
ينكر الإلحاد وجود الله. إنه لا يقرّ بأن هناك خالق إلهي للكون، ولا يعترف بتدبير الله وحكمته وصلاحه وبشكل عام بصفاته الإلهية. يعلّم الإلحاد الكذب لأتباعه ويستنبط نظريات خاطئة حول خلق العالم. إنه يعترف، مثل بيثيا على المرجل ذي الثلاثة قوائم (بيثيا كاهنة إغريقية كانت تجلس على مرجل ذي ثلاثة قوائم من البرونز في معبد أبولو وتطلق التكهنات: المترجم)، بأن الخليقة هي نتاج الحظ، وأنها تستمر وتُحفَظ من خلال تفاعلات عشوائية لا هدف لها وأن بهاءها يظهر بشكل عفوي مع الوقت وأن ما يُشاهَد من التناغم والنعمة والجمال في الطبيعة هي صفات أصيلة للنواميس الطبيعية. ينكر الإلحاد على الله، الذي لا يعترف به، صفاته الإلهية، وبدلاً من ذلك، يمنح المدة الهامدة الواهنة هذه الصفات وهذه القدرة الخلاقة. الإلحاد يعلن بحرية أن المادة هي علّة كل شيء، وهو يؤلّه المادة بهدف إنكار وجود كائن أكثر سمواً ذي روح مبدع رفيع يهتم بكل الأشياء ويحافظ عليها.
بسبب الكفر، تصير المادة الكيانَ الحقيقي الوحيد، بينما لا يعود الروح موجوداً. بالنسبة للإلحاد، الروح والنفس هما من اختراع الغرور البشري الذي يلفقها لإرضاء مجده الباطل. ينكر الإلحاد طبيعة الإنسان الروحية. إنه يسحب الإنسان من المقام العالي الذي وضعته فيه قدرة الخالق ونعمته إلى أسفل ويضعه على مستوى الحيوانات غير العاقلة التي يعتبرها أسلاف ذريته المميزة النبيلة. يقوم الإلحاد بكل هذا ليشهد لكلمات المزمور: ” انسان في كرامة ولا يفهم يشبه البهائم التي تباد” (مزمور 20:48).
الإلحاد ينتقص من الإيمان والرجاء والمحبة في العالم التي هي ينابيع معطية الحياة من الفرح والرجاء والمحبة . إنه يطرد البِر من العالم ويرفض وجود تدبير الله ومعونته. يقبل الإلحاد القوانين الموجودة في الطبيعة لكنه يرفض ذاك الذي ثبّتها.يسعى الإلحاد إلى قيادة الإنسان إلى سعادة خيالية؛ مع هذا، فهو يتخّلى عنه ويهجره في وسط اللامكان، في وادي النحيب، عارياً من كل الخيرات السماوية، فارغاً من كل تعزية تأتي من فوق، مجرداً من القوة الروحية، ثكلاً على الفضيلة الأخلاقية، ومعرىً من المؤن التي لا غنى عنها على الأرض: الإيمان والرجاء والمحبة.
يحكم الإلحاد على الفقير بالهلاك ويتركه واقفاً وحيداً كفريسة وسط صعوبات الحياة. إذ ينزع المحبة من داخل الإنسان، يجرده الإلحاد من محبة الآخرين له ويعزله عن العائلة والأقارب والأصدقاء. الإلحاد يقتلع كل أمل بمستقبل أفضل ويستبدله باليأس. إن الإلحاد مريع! إنه أسوأ الأمراض الروحية.