بعض الخصائص المميزة للرهبان الأرثوذكسيين الحقيقيين
الميتروبولبت إيروثيوس فلاخوس
(من كتاب “الرهبنة الأرثوذكسية”، قيد الإعداد)
1) التوبة: إذا كانت المهمة الرئيسية للمسيحيين هي التوبة، أي عودة النفس مما هو غير طبيعي إلى ما هو طبيعي (القديس يوحنا الدمشقي)، وإذا كان ينبغي على كل المسيحيين أن يعملوا على تنفيذ كلمات المسيح: “توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات” (مت2:3)، فإنه ينبغي أن ينطبق ذلك بالأكثر على الرهبان. ينبغي بالطبع أن يتم التعبير عن التوبة الحقيقية في مناخ روحي صحي، لأنه كما يقول القديس اسحق السرياني: “التوبة مع أحاديث هي إناء محطم”. ترتبط التوبة ارتباطاً وثيقاً بالتواضع وإدانة الذات. ينظر الشخص ذو الروح الرهبانية الأصيلة إلى نفسه على أنه “أدنى كل الخليقة”. في الحقيقة يقول القديس اسحق السرياني: “الرجل المتضع بحق لا يضطرب عندما يُدان ولا يقول شيئاً لكي يبرر نفسه في مواجهة الظلم، لكنه يقبل الافتراء كحقيقة؛ إنه لا يحاول إقناع الناس أنه مفترى عليه، لكنه يطلب الغفران”.
2) الصلاة: يختار المرء الحياة الرهبانية لكي يمارس الصلاة، حيث أن الصلاة هي التعبير عن محبة الإنسان لله. تتطلب الصلاة النقية مناخاً ملائماً، وخصوصاً جواً من سكون الحواس، بالتالي هو يختار الأماكن الهادئة لكي يعبر عن رغبته في الاتحاد بالمسيح. إننا عندما نتحدث عن الصلاة نعني على وجه الخصوص، بجانب الصلاة الليتورجية، صلاة القلب النوسية التي تظهر أن الراهب يتمم الغرض الذي صار من أجله راهباً. يقول القديس برصنوفيوس الكبير: “الصلاة الكاملة هي أن تتحدث مع الله بدون تشتيت، جامعاً كل الأفكار والحواس معاً دون تجول. ما يقود الإنسان إلى ذلك هو الموت عن كل أحد، وعن العالم وعن كل شيء فيه”. ثمرة هذه الصلاة النقية هي، كما يقول القديس غريغوريوس النيصي، “البساطة، والمحبة، والتواضع، والمثابرة، والبراءة وما إلى ذلك”.
3) الهدوئية: ينبغي على الصلاة لكي تُقدم بطريقة أرثوذكسية ولكي تثمر أن تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالهدوئية، التي تعني في التقليد الأرثوذكسي سكون الحواس، والأفكار، والقلب: أي سلام الجسد والنفس. هذه الهدوئية، الذي يشكل أساس حياة الأنبياء والرسل والشهداء، كان معاشاً من قِبَل آباء الكنيسة القديسين. لقد أثبت القديس غريغوريوس اللاهوتي أنه محب للهدوئية إذ يكتب قائـلاً: “لقد أردت في بعض الأحيان أن أموت عن كل الحياة وأن أحيا الحياة الخفية في المسيح؛ أن أصبح تاجراً يشتري اللؤلؤة كثيرة الثمن بكل ما أمتلك، وأن أعطي كل شيء زائل وعابر في مقابل ما هو أبدي وسماوي”. على كل حال، بطل الهدوئية المقدسة كان القديس غريغوريوس بالاماس الذي أُيد تعليمه من قِبَل سلطة مجمعية. هكذا، تشكل الهدوئية الأرثوذكسية الأصيلة أساس العقائد والإيمان، وهي جوهر طريقة الحياة الرهبانية. كتابات القديس غريغوريوس بالاماس التي يتحدث فيها عن السكون المقدس هي كتابات مهمة جداً. إنها تشتمل على عظته عن القديس بطرس الآثوسي؛ وعظته عن دخول والدة الإله الهيكل التي تصف الهدوئي الأرثوذكسي الذي يتشبه بحياة القديسة والدة الإله؛ وعمله الرائع في “الدفاع عن الهدوئيين القديسين”؛ ورسالته “إلى الراهبة الأكثر تبجيلاً كسينيا” التي تصف ما الذي ينبغي على الراهب الأرثوذكسي أن يكون عليه.
4) الطاعة: هذه هي الفضيلة الافتتاحية بعد التخلي. على كل حال، يوجد ارتباط وثيق بين التخلي والطاعة، حيث أن التخلي يحدث لكي تتبعه الطاعة. أفرط الآباء في إطراء قيمة الطاعة. يكتب الأنبا أشعياء قائلاً: “إننا نصبح طائعين لآبائنا الروحيين في الله في كل الجوانب، قاطعين مشيئتنا الخاصة في كل أمر، بحيث نكون خاضعين لهم لكي تبقى بركتهم معنا كما حدث مع أليشع”. كلمات بولس الرسول معروفة: ” أطيعوا مُرشِديكُمْ واخضَعوا، لأنَّهُمْ يَسهَرونَ لأجلِ نُفوسِكُمْ كأنَّهُمْ سوفَ يُعطونَ حِسابًا، لكَيْ يَفعَلوا ذلكَ بفَرَحٍ، لا آنِّينَ، لأنَّ هذا غَيرُ نافِعٍ لكُمْ” (عب17:13). إنه أمر مروع بالنسبة لرئيس الدير أن يكون ساخطاً على رهبانه، أو بالنسبة لأسقف أن يكون ساخطاً على رؤساء الأديرة والرهبان. هذا له نتائج كبيرة وخطيرة بالنسبة لأولئك الذين يثيرون السخط. إنه أمر مخيف بالنسبة للأسقف أن يصل لنقطة الندم على رسامات أتمّها، ليس لأنه كان هناك موانع للرسامة، ولكن لأن أولئك المسامين يسلكون بطريقة لا تليق بإكليروس صالح. من لا يمارس الطاعة، ولكنه يمزج إرادته الشخصية بأعماله كراهب، يسمى زانياً بحق. “الذي يخلط إرادته الشخصية بوصية في السر هو رجل زانٍ” (القديس مرقس الناسك). إننا نعني بالطاعة طاعة الراهب لأبيه الروحي، وللأسقف، ولتقليد الكنيسة. ما لم تكن تلك النقاط الثلاثة المرجعية عاملة، فإنه لا توجد طاعة. الطاعة للأب الروحي بدون الطاعة للأسقف (في مسائل لا تشكل تعدياً على ناموس الله وقوانين الكنيسة)، وبدون طاعة لتقليد الكنيسة لا تكون طاعة أصلية ولكنها تكون طاعة زائفة، لا تختلف عن الطاعة التي يقدمها أتباع الديانات الشرقية لمعلميهم. القوانين المقدسة، مثل القانون الرابع والثامن من المجمع المسكوني الرابع، تختص بطاعة الرهبان والآباء الروحيين لأسقفهم.
5) التقدم الدائم نحو الكمال: الرهبان الصالحون الذين يبدؤون بالطاعة والفضائل الافتتاحية الأخرى يتقدمون بغير انقطاع ويصعدون روحياً باستمرار، كما هو موصوف في كتاب “فيلوكاليا القديسين اليقظين”. الذي وضعه القديس ثيوفان الراهب سلماً دقيقاً للنعم الإلهية. الصلاة النقية الخالية من كل التصورات والخيالات المنغمسة في الملذات تؤدي إلى حرارة القلب، والقوة المقدسة، والدموع المنفجرة من القلب، والسلام من الأفكار، وتطهير النوس، ومعاينة الأسرار السماوية، والتنوير الإلهي، واستنارة القلب والكمال. هذه مسيرة مستمرة للصعود الروحي، وهي تظهر كيف أن الراهب الحقيقي يتقدم من الفضيلة العملية إلى التنوير الإلهي ومعاينة الله.