شجرة الميلاد المنحنية
إعداد راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطّع
قيل إنّه غُرست في حقلٍ أشجارُ عيد الميلاد، فجاءت حمامة تسأل الأشجار شجرة شجرة إن كانت تستضيفها لكي تقيم عشّاً بين أغصانها لتحتضن بيضها. وكانت بعض الأشجار تعتذر بأنّها مغروسة حديثاً، وترغب أن تنمو سريعاً، فلا تريد أن يُقام بين أغصانها عشّ يدوم فترة طويلة يمثّل ثقلاً على الأغصان الحديثة والعاجزة عن احتمالها. والبعض اعتذر بأنّ وجود العشّ يفسد منظرها ويفقدها جمالها، فلا يقتنيها أحد ويزيّنها بالأنوار وأنواع الزينة الثمينة في عيد الميلاد المجيد.
بين كلّ الأشجار وُجدت شجرة واحدة صغيرة نادت الحمامة وسألتها عن طلبها ورحّبت بها. فرحت الحمامة بالشجرة المتميّزة بمحبّة إضافة الغرباء، والتي لا تطلب ما لنفسها بل ما هو للآخرين. فسألتها الحمامة: “وما هي طلبتك مقابل هذه الضيافة الكريمة؟” فأجابت الشجرة: “وجودك بين أغصاني هو أجرتي، فإنّك إذ تجدين دفئاً وتحتضنين البيض ليغدو حماماً صغيراً، هذا يفرّحني تماماً. أرجو أن تقبلي هذه الدعوة، فإنّني أجد راحتي في راحة الآخرين”. وبفرح شديد قبلت الحمامة الدعوة، وبدأت تجمع القشّ وتقيم عشّها بين أغصان شجرة عيد الميلاد الحديثة.
جاء الشتاء قارصاً جدّاً، فأحنت الشجرة الجزء العلويّ في حنوّ نحو العشّ لتحمي الحمامة وبيضها من موجة البرد الشديد. وبقيت الشجرة تنحني بكلّ طاقتها، وتلتفّ حول العشّ حتى فقس البيض، وكبر الحمام الصغير وطار. فحاولت الشجرة أن ترفع الجزء العلويّ منها لتكون مستقيمة، لكن بعد هذه الفترة الطويلة من الانحناء لم يكن ممكناً أن تفعل ذلك، فبقيت منحنية.
وقبل أيّام من عيد الميلاد جاء التجّار ليقطعوا أشجار العيد الخضراء ويبيعونها كي يزيّنها المسيحيّون استقبالاً للعيد. وكان كلّ تاجر يرفض شراء الشجرة المنحنية حتّى كادت أن تصير وحيدة في الحقل كلّه. تألّمت الشجرة جدّاً بسبب هذا الرفض، فإنّه سوف يأتي العيد وتتزيّن كلّ الأشجار زميلاتها أمّا هي فستبقى في العيد بلا زينة وبدأت تسائل نفسها: ترى هل أخطأت حين انحنيت لأحمي الحمامة وبيضها وفي ما بعد صغارها؟ فأتت الإجابة قويّة في داخلها: الحبّ الذي قدّمته هو الزينة التي تفرّح قلب مولود المزود. إنّني لن أندم قطّ على عمل محبّة صنعته.
وبعد أيّام قليلة جاء مؤمن كان قد اشترى بيتاً حديثاً، ويريد أن يغرس شجرة في الحديقة الأماميّة. مرّ الرجل وزوجته بالحقل، فوجدا الحقل قد فرغ من الأشجار، ولم يبق سوى هذه الشجرة المنحنية. أُعجبا بها فاشترياها، واقتلعاها من جذورها، وغرساها في الحديقة الأماميّة للمنزل الجديد. وقبل العيد بيومين قام الرجل بتزيين الشجرة، ففرحت وتهلّلت. وإذ مرّ العيد جفّت كلّ الأشجار المقطوعة، وأُلقيت بين النفايات إذ أراد الجميع التخلّص منها. أمّا الشجرة المنحنية، فبدأت جذورها تدبّ في الأرض الجديدة، وصارت تنمو على الدوام، وشرع صاحبها يزيّنها في كلّ عيد للميلاد وفي كلّ مناسبة سعيدة