البابا في لبنان
الأب أنطوان ملكي
قد يوحي عنوان هذه العجالة بأنها خبر إعلامي، لكن الأكيد أنها ليست كذلك، بل هي محاولة للفت النظر إلى بعض الأمور بمناسبة زيارة بابا روما إلى لبنان. فالخبر حول هذه الزيارة صار الجميع، كباراً وصغاراً، يعرفونه من الأخبار والدعايات والتحضيرات. فالرجل هو رئيس الكثلكة في العالم، بالإضافة إلى كونه رئيس دولة الفاتيكان التي، مع كونها أصغر الدول، تمثّل بالنسبة للكثيرين من العاملين في الدبلوماسية العالمية رمزاً للمحافظة على الأخلاق والقيَم في ميدان السياسة الذي يفتقد هذه الأمور. من جهتنا نحن، هل الأمر مهم لنا؟ نعم، بالطبع هو مهم. فالبابا هو رئيس جماعة مسيحية نحن نصلّي ونعمل ونحاور بهدف استعادتها إلى الوحدة في كنيسة المسيح، وهذا أمر وإن خضع لدبلوماسية البعض، إلا إن كثيرين، في بلادنا كما في كل العالم، يقاربونه بصدق ومحبة ورجاء بأن تأتي الوحدة، وفي أيامنا. من جهة أخرى، زيارة البابا مهمة لإخوة لنا في هذا المجتمع، يتطلّع الكثيرون منهم بصدق إلى أن تكون فرصة للتعبير عن إيمانهم ورجائهم وثباتهم في هذه الأرض. ونحن من إيماننا بشركتنا الاجتماعية والإنسانية معهم، ومن تطلعنا إلى الوحدة الحقيقية، نهتمّ لهذه الزيارة.
من هنا لا بدّ من لفت النظر إلى بعض الأمور حتّى لا تطغى العاطفة البشرية على العقل، ولا يلتهم الإعلام المعرفة، ولا تخفي القشور اللب النافع، فننتهي إلى الخسارة بدل الربح. فنحن، كهنة أو علمانيين، قد نُدعى إلى المشاركة في بعض النشاطات ضمن إطار الاحتفاء بهذا الزائر المهم، ومن هنا نرجو أن تكون هذه المشاركة مساهمة في التقارب بين الإخوة، من دون تخطٍ لأي فَرق أو خلط لأي تمايز. فما يجمعنا بالكاثوليك هو التسلسل الرسولي الواحد والأصل الواحد، والشركة التي دامت الألفية الأولى كلها. أمّا الاختلاف معهم فهو عقائدي، ولا يستطيع أحد أن ينكر تأثيره على تطور كل من الجماعتين ونظرة كل منهما إلى الأرض والسماء والدولة والعلاقات الاجتماعية بين الناس وغيرها. وهذا الاختلاف لا ينفي وجود الكثير من القضايا التي تشكّل حقلاً مشتركاً للشهادة المشتركة في هذا الزمن الدهري ذي التجارب الكثيرة. لذا، مقاربة هذه القضايا لا تكون بفكر دنيوي لا يرى في الجماعات المسيحية في الشرق إلا أقليات عليها أن تتقارب لتحتمي ببعضها، ولا بفكر ذمّي يرى أن على الجماعات المسيحية أن تسترضي أحداً ليحميها، ولا بفكر تبسيطي يكرر أنّ الاختلاف العقائدي هو مجرد خلاف بين كهنة طامعين بكراسٍ دنيوية. إن مقاربة الأمور المشتركة تكون بفكر واثق من أنّ المعونة هي من عند الله خالق السماء والأرض، وهو الوحيد الذي يحمي ولا حاجة للمؤمن أن يسترضي أحداً غيره، وأنّ هذه المقاربة تؤدّي إلى الخير عندما تكون بفكر ثابت في سعيه إلى الوحدة الحقيقية التي تقوم على حلّ الاختلافات لا على تخطيها، لأنها بطبيعتها اختلافات عقائدية تمسّ الإيمان، وليست اختلافات حضارية أو ثقافية أو اجتماعية. فتوحيد العيد لا يخلق وحدة حقيقية، والاشتراك العشوائي بالأسرار هنا وهناك لا يخلق وحدة، بل اللياقة والترتيب هما يهيئان الأرضية للقلب المتخشّع مصحوباً بالفكر المستنير الذي يبحث عن الوحدة ويجدها. عسى أن تكون هذه الزيارة فرصة يبرهن فيها جميع مسيحيي لبنان أن صلاتهم للوحدة تنبع من قلب خاشع وفكر مستنير، يسمعها الرب فيبارك ويعين.