المسيحية هي الحق وليست ديناً
كريس بانسكو
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
ليست المسيحية مجرّد دين. الإيمان المسيحي يجسّد أكثر حقائق هذه الحياة أهمية وهي المتعلّقة بالوجود البشري والتي كشفها الله لموسى وأنبياء العهد القديم. ظهر ملء تلك الحقيقة كاملاً في ولادة يسوع المسيح ابن الله، وحياته ومعجزاته وصلبه وموته وقيامته. يشرح الأب توماس هوبكو بأنّه “تحقيق كل الأديان في بحثها عن الحقيقة الإلهية والمعنى البشري الموحى به من ناموس الله مكتوباً على قلوب البشر”.
إلهنا هو إله كل الكون وكل الحياة. ناموسه وحكمته يضبطان كل الخليقة وكل الأمور المنظورة وغير المنظورة. لهذا السبب، القديس يوحنا الإنجيلي أعلن بقوة الحقيقة التي هزّت أساسات هذا العالم: “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ” (يوحنا 1:1-5).
يجسّد الكتاب المقدّس أكثر المبادئ أهمية والدروس اللازمة لنا لنحيا في شركة كاملة مع الله والبشر الاخرين، وبالنهاية نصير خدّام أمينين لعالمنا. الإيمان المسيحي هو دليل الإرشادات الكامل لفكرنا وروحنا وهو الذي يسمح لنا بأن نكون فعلياً بشراً، مخلوقات في تناغم مع خالقنا. من خلال الإيمان ومحبة الله اللذين يثبتهما العمل الفاعل لاتّباع كلمته وإرادته، نتحرّك نحو الألوهية التي للمسيح بطبيعته وبالتالي نحو الحياة الأبدية. هكذا تكتشف البشرية الحقيقة وتجد السعادة الحقيقية، وتحيا حياتها إلى الملء. “فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ” (يوحنا 10:10)…
تجسّد المسيحية الحكمة العابرة للزمن وتعلنها، وتعكس حقيقة الله وتثبّتها مع نواميسه التي تحيا في قلوبنا وتظهر من خلال الكون كله… بهذا المعنى، إنجيل الله بيسوع هو نهاية كل الأديان كتركيبات بشرية، مهما بلغت في صلاحها ورغبتها في التعاطي مع أسرار الحياة وفهم طرق الله أو الآلهة والمخلوقات في عالم مختَرَق من الشيطان ومربوط بالموت. الإيمان والحياة المسيحيان، كما يشهد لهما الإنجيل الرسولي وحياة القديسين وتعاليمهم، ينتمي إلى “خليقة جديدة” (غلاطية 15:6 و2كورنثوس 17:6). إنه لا ينتمي إلى “هذا الدهر” ذي الهيئة الزائلة (1كورنثوس 31:7). إنه “من فوق” ويقودنا دائماً نحو ما هو أبعد. ليس هو من البشر، وهو يتخطى التاريخ البشري. ليس هو عكس الطبيعة والعقل، بل يتجاوزهما. هو يكشف الطبيعة الأصلية وغاية الأشياء، يعلن مصيرها المطلَق، وينير العقول والقلوب البشرية إلى “معرفة الحق”، معرفة الله وكل الأمور التي فيه. وهكذا، الإيمان والحياة المسيحيان هما عطية الله من الحق الإلهي والنور والحكمة والقدرة المعطاة للمخلوقات على أعلى قدر ممكن من الاكتمال والكمال، ضمن ظروف الكون الفاسد.
عندما يفهم المسيحيون إنجيل المسيح على انه كتاب أحد أديان الجنس البشري العديدة، حتى ولو كان الأول والأعظم والأفضل، لا يعود الإنجيل ما هو عليه. يصير نتاجاً للبشرية الخاطئة في شكلها الساقط لا غير: صالح، صحيح وجميل بعدة أوجه، إلا إنه غير كامل وخدّاع بشكل خطير. وهكذا، يصير مشوهاً بشكل لا يمكن تلافيه، ويتحوّل إلى ميثولوجيا إيديولوجية، يُستَعمَل لتعزيز ما هو بشري محض والدفاع عنه، وبشكل لا مفرّ منه للدفاع عن الخطأة والمجتمعات الخاطئة التي تستعمله لهذا السبب البائس. إن الأمر هو على هذا الشكل سواء كان الدين المسيحي أصولياً وطائفياً، أو نسبياً وشاملاً، ناظراً لنفسه على لأنه ليس أفضل ولا أسوأ، بل بشكل أساسي غير مختلف عن أي دين آخر.
تعلن المسيحية أن الإنسان مخلوق ليكون أبدياً ويعيش في شركة مع الله وتناغم مع كل الخليقة. بالرغم من عصياننا وانفصالنا المؤقت عن الخالق، نحتفظ في قلوبنا وفكرنا ببصمة الألوهية والرغبة باكتشاف الحقيقة، وتمييز المعنى وإيجاد الله. وكما قال سي آس لويس “صمّم الله الآلة البشرية لتسير عليه. فهو نفسه الوقود الذي صُممت نفوسنا لتحرقه، أو الطعام الذي صُممت نفوسنا لتغتذي منه. ما من آخر. لذا ليس جيداً أن نسأل الله عن السعادة على طريقتنا من دون الاكتراث للدين (المسيحية). لا يستطيع الله أن يعطينا السعادة والسلام بمعزل عن ذاته، لأنها ليست موجودة هناك، ولا يوجد سعادة وسلام من دونه”.