تفسير الصلوات العمومية حسب ترتيب الكنيسة الأرثوذكسية – 2
عن كتاب “التعزية الحقيقية في الصلوات الإلهية”
7 – تفسير ترتيب صلاة الساعة التاسعة
هذه الساعة قد خصصتها الكنيسة لتذكار موت ربنا وإلهنا يسوع المسيح الذي ذاقه بالجسد في الساعة التاسعة من النهار لأجل إعطائنا الرحمة والحق والنعمة والمجد والسكنى في ديار الرب كما يدل على هذا كله فحوى المزمور ال83 أما المزموران الآخران أي ال84 وال85 فيشيران الى الثمار الخلاصية التي حصل المؤمنون عليها بواسطة موت يسوع المسيح على الصليب الكريم أي الى التبرير من الخطيئة الجدية والنجاة من الجحيم السفلي والى علامة الصليب الكريم المعينة للمؤمنين والمخيفة لأعداء المسيح المنظورين والغير المنظورين.
8 – تفسير ترتيب صلاة المساء
لما كان المساء هو عبارة عن زمن غروب الشمس وحلول ظلام الليل وكانت أزمنة العهد القديم بالنسبة الى أزمنة العهد الجديد هي أزمنة ظلال وظلام (لو1: 79) أو كما يسميها بولس الرسول “أزمان ليل” (رو13: 12) لهذا قد رتبت الكنيسة صلاة المساء على طريقة تذكرنا بأهم حوادث العهد القديم كما هي مدونة في كتب موسى والأنبياء.
أما هذه الحوادث فهي: خلق العالم، إقامة الجدّين الأولين في فردوس النعيم، سقوطهما في الخطيئة، طردهما من الفردوس وندامتها، الوعد الإلهي بمجيء المخلص، الإيمان بالمخلص الآتي، إستعداد البشر بواسطة النبؤات والرموز لإقتبال المخلص.
فأولاً في مزمور الغروب “باركي يا نفسي الرب الخ” نسمع بأحسن بيان وأفصح لسان تاريخ خلقة العالم في ستة أيام. ثانياً عند فتح الباب الملوكي (في ليالي الآحاد والأعياد) أو إزاحة الستار عنه (في ليالي بقية الأسبوع) تتشخص أمامنا إقامة الجدّين الأولين في فردوس النعيم الذي كانت أبوابه حينئذٍ مفتوحة. ثالثاً إغلاق الباب الملوكي أو إرخاء الستار يذكرنا بإغلاق أبواب الفردوس عقيب سقوط الجدين الأولين في الخطيئة. رابعاً خروج الكاهن من الهيكل ووقوفه أمام الباب الملوكي مكشوف الراس وتلاوته أفاشين الغروب الخشوعية سراً يشخص أمامنا طرد آدم من الفردوس وبكاء أمام أبوابه التي أغلقت في وجهه. وأما تلاوة الطلبات السلامية والمزامير وترتيل “يا رب إليك صرخت الخ” فتذكرنا بندامة الجدّين الأولين وطلبهما استرجاع الغبطة التي أضاعاها بسبب المعصية. خامساً الا يصوذن أي خروج الكاهن بالمبخرة من باب الهيكل الشمالي تتقدمه شمعة شاملة ووقوفه أمام الباب الملوكي وهو مفتوح مع هتافه “الحكمة” ومن ثم تلاوة “يا نوراً بهياً الخ” يذكرنا هذا كله بالوعد الإلهي عن مجيء المخلص الذي هو حكمة إلهية ونور بهي الضياء. سادساً بروكيمنن المساء يشير الى إيمان رجال العهد القديم الأبرار بالمخلص الآتي. وسابعاً تلاوة القراءات (في ليالي الأعياد) من كتب العهد القديم توضح لنا تلك النبؤات والرموز التي كان الله يهيء العالم لاقتبال المخلص.
وأما ما بعد هذا من الطلبات الإبتهالية “لنقل جميعنا الخ” و ” لنكمل طلباتنا المسائية الخ” وهتاف المرتلين ” يا رب ارحم” ثلاثاً و “استجب يا رب” فيدل على اعترافنا أمام الله بخطايانا التي هي نتيجة الخطيئة الجدية والتماسنا العفو عنها لأجل إيماننا بالمخلص الذي أتى كما خلص رجال العهد القديم لأجل ايمانهم بالمخلص الآتي. وأخيراً تلاوة صلاة يمعان الصديق “الآن تطلق عبدك الخ” تخبرنا بإنتهاء زمن العهد الجديد بورود مخلص العالم.
9 – تفسير ترتيب صلاة النوم
إن صلاة النوم المعروفة بالكبرى مؤلفة من ثلاثة أجزاء الأول منها يبتدىء بالمزمور الرابع “إذ دعوت استجبت لي الخ” وينتهي بإفشين باسيليوس الكبير “يا رب يا رب يا من أنقذتنا الخ” وهو يتضمن أولاً تفكر الإنسان قبل نومه بما أتاه في نهاره من الأفكار والأعمال: “والذي تقولونه في قلوبكم تندموا عليه في مضاجعكم” (مز4: 4) “أحمّ في كل ليلة سريري وبدموعي أبلّ فراشي” (مز6: 6). ثانياً تسليمه نفسه للعناية الإلهية “إليك يا رب رفعت نفسي إلهي عليك توكلت” (مز24: 1) “في يديك أستودع روحي” (مز30: 5) “فلا تخشَ من خوفٍ ليلي ولا من سهم يطير في النهار ولا من أمر يسلك في الظلمة. لأنه يوصي ملائكته بك ليحفظوك في جميع طرقك” (مز90: 5 و 11) وثالثاً طلبه من الله ألاّ يتركه ينام نوم الخطيئة بل أن يقيمه من النوم سالماً ليسلك في طريق وصاياه “أنر عينيّ لئلا أنام الى الموت” (مز12: 3) “أنظر الى تواضعي وتعبي واغفر جميع خطاياي” (مز24: 18). وهذه الأمور الثلاثة تتضمنها أيضاً الطروباريات والأفاشين الموجودة في هذا الجزء.
الثاني يبتدىء من المزمور الخمسين وينتهي بالأفشين “أيها السيد الإله الضابط الكل الخ”. ولما كان النوم يذكر الإنسان بالموت لهذا يتضمن هذا الجزء إظهار التوبة والندامة مع طلب الرحمة والمغفرة كما يظهر هذا جلياً من المزمورَين ال50 وال101 ومن صلاة منسى والطروباريات “ارحمنا يا رب ارحمنا الخ” وتوابعها ومن أفشين الختام.
الثالث يبتدىء من المزمور ال69 وينتهي بأفاشين السيد والسيدة. ولما كان الوقت الذي تكمل فيه صلاة النوم تعتبره الكنيسة وقت نزول المسيح الى الجحيم وإنقاذه نفوس الأبرار والصدّيقين المنتظرين حضور المخلص. لهذا يتألف الجزء الثالث أولاً من مزمورَين (69 و 102) يتضمنان أقوالاً نبوية عن نزول المسيح الى الجحيم وتخليصه نفوس الصدّيقين. وثانياً من تمجيدات وتشكرات (المجدلة والقانون) تُظهر بها الكنيسة فرحها وشكرها لله الذي غلب الموت وأباد الجحيم. وأخيراً تُختم صلاة النوم كلها بأفاشين إبتهالية لوالدة الإله الفائقة القداسة ولإبنها ربنا وإلهنا يسوع المسيح.
فهذه هي صلاة النوم المعروفة بالكبرى التي تتمم في جميع أيام الصوم الكبير المقدّس ما عدا السبوت والآحاد. وأما في باقي أيام السنة فتصير تلاوة صلاة النوم المعروفة بالصغرى لأنها مختصرة من الأولى. فمن الجزء الأول يوجد فيها دستور الإيمان فقط. ومن الجزء الثاني المزمور الخمسون. وأما الجزء الثالث فيوجد بكامله.
تفسير خدمة القداس الإلهي
إن خدمة القداس الإلهي أجلّ وأهمّ سائر الخدم الكنائسية التي مرّ ذكرها. وبما أنها موضوعة لذكر ربنا وإلهنا يسوع المسيح حسبما هو نفسه له المجد قد أمرنا (لو22: 19و 1كو11: 24 – 25) لهذا قد عنيت الكنيسة في ترتيب خدمته على نسق يذكرنا أو بشخص أمامنا حياة مخلصنا على الأرض كلها أي منذ ولادته حتى صعوده الى السماء.
أما ترتيب هذه الخدمة الأصلي فقد وضعه الرسل الأطهار أنفسهم وبقي محفوظاً بالتسليم الى الجيل الرابع بعد المسيح حينما دونه أبوا الكنيسة العظيمان القديسان باسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم وأضافا إليه بعض أفاشين وطلبات من تأليفهما. فدَعيت خدمة القداس المدونة من القديس الأول بقداس باسيليوس الكبير وأما المدونة من القديس الثاني فدُعيت بقداس يوحنا الذهبي الفم وهي مختصرة من الأولى. ثم عينت الكنيسة أن تُتمم الأولى في أيام مخصوصة فقط . وأما الثانية ففي سائر أيام السنة ما عدا يومي الأربعاء والجمعة في كل مدة الصوم الكبير التي تُتمم فيها خدمة قداس القدسات السابق تقديسها المعروف بقداس البروجزماني للقديس غريغوريوس الذيالوغس.
وإذ علمتَ هذا فاعلم الآن أن خدمة القداس الإلهي مؤلفة من ثلاثة أقسام وهي: التقدمة، قداس الموعوظين وقداس المؤمنين. وهاك تفسير كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة على حدة.
أولاً: التقدمة
إن هذا القسم من خدمة القداس الإلهي يُدعى تقدمة من تقديم القرابين الإلهية من طرف المؤمنين الى الكاهن لكي يتمم بها الذبيحة الغير الدموية. ولهذا قد غلبت عندنا تسمية هذا القسم بالذبيحة. وعليه فالمراد هنا من التقدمة أو الذبيحة تحضير مادة سرّ الشكر (التي هي الخبز والخمر) من الكاهن. وهذا القسم مرتب على نسق يذكرنا من الجهة الواحدة بظروف ميلاد مخلصنا يسوع المسيح ومن الجهة الأخرى بظروف آلامه وصلبه وموته.
فأولاً: إحضار خبزة التقدمة المعروفة بالمقدمة الى المذبح يشير الى مجيء مريم البتول الى المغارة لتلد المسيح. ثم إخراج الحمل من المقدّمة يشير الى ولادة المسيح من العذراء مريم. ولهذا فالمذبح يشير الى المغارة والصينية الى المذود النجم الى ذلك النجم الذي ظهر في المشرق وجاء بالمجوس الى بيت لحم ليسجدوا للمولود ملك اليهود أي ليسوع المسيح. والأغطية تشير الى القُمط التي قمطت بها مريم ابنها يسوع. أما الكاس والمبخرة والبخور فتشير الى الذهب واللبان والمرّ أي الى الهدايا التي قدمها المجوس للمخلص المولود. وأما الصلوات التي يقولها الكاهن وقت تتميم الذبيحة فتشير الى تسبيح الملائكة وسجود رعاة بيت لحم ومجوس المشرق للمولود مخلص العالم.
وثانياً: بما أن يسوع المسيح بحسب تحديد الله الأزلي كان منذ الولادة حمل الله المقدّم ذاته ضحية عن خطايا العالم وبالتالي كانت ولادته بدء دخوله في طريق الصليب لهذا فالأشياء نفسها المستعملة في خدمة تقدمة الذبيحة مع تذكيرها إيانا بحوادث ولادة المخلص تذكرنا أيضاً بحوادث آلامه وموته لبصلبي ودفنه. فعندما يقطع الكاهن المقدمة من جهاتها الأربع ليخرج منها الحمل يقول الأقوال النبوية “مثل الخروف الخ” والبقية اشارة الى نبؤات الأنبياء عن السر الخلاصي. وبقطعه الحمل شكل صليب برسم صلب المخلص. وبطعنه إياه بالحربة يشير الى طعن جنب المخلص وهو مائت على الصليب.وبوضعه خمراً وماء في الكاس يشير الى خروج الدم والماء من جنب المخلص. وبوضعه جزء السيدة عن يمين الحمل يشير الى المقام الأول الذي لها عند ابنها. وبوضعه تسعة أجزاء القديسين عن يسار الحمل يشير الى أنهم هم أيضاً ذوو مقام عند المخلص. وعدد هذه الأجزاء تسعة على عدد الطغمات الملائكية التسع. وأما أجزاء الأحياء والأموات فيضعها تحت قدميّ الحمل لأنها تقدم استعطافاً واستغفاراًعنهم فلهم مقام الطالب والمتضرع. ثم أن المذبح يشير الى الجلجلة التي صلب عليها المخلص. والأغطية تشير الى السباني التي لفّ بها يوسف ونيقوديموس جسد المسيح الطاهر بعد تنزيلها إياه من على الصليب الكريم. والبخور يشير الى الطيب الذي مُسح به جسد المسيح حين دفنه. والمائدة ترسم القبر المقدس. وأما التبخير حول المائدة وفي الهيكل والكنيسة عند نهاية الذبيحة فيشير الى انتشار الرائحة الزكية الروحانية بالروح القدس في كل العالم بواسطة سر التجسد الإلهي.
ثانياً: قداس الموعوظين
إن هذا القسم الثاني من خدمة القداس الإلهي يبتدىء بقول الكاهن “مباركة مملكة الآب والإبن والروح القدس الخ” وينتهي عندما ينادي الشماس قائلاً “أيها الموعوظون اخرجوا”. أما الحوادث التي يذكرنا بها هذا القسم من حياة المخلص على الأرض فهي التي جرت من ولادته لحين وقت آلامه.
فالطلبات السلامية والأنديفونات تذكرنا بذلك الوقت الذي كان يسوع المسيح عائشاً فيه في مصر ومن ثم في الناصرة مخفياً مجده الإلهي عن أعين البشر. أعني ذلك الوقت الذي غاب فيه المخلص عن أعين البشر بعدما كانوا شاهدوا حين ولادته آيات ظهوره العجيبة فتركهم في حيرة ينتظرون بالصلوات والطلبات ظهوره الإلهي. أما التبيكا أي الرسوم فتشير الى نبؤات الأنبياء الراسمة تجسد ابن الله ولهذا تُختم الطروبارية “يا كلمة الله الإبن الوحيد الخ”. وأما المكارزمي أي التطويبات فتشير الى ظهور المخلص وتعليمه في أورشليم ولهذا حين ترتيل “المجد” و “الآن” من هذه التطويبات يصير الايصوذن أي الدخول بعد الخروج من الهيكل بالإنجيل إشارة الى خروج المخلص من أورشليم للكرازة ببشارة الملكوت في كل اليهودية والجليل. أما الشمعة التي تتقدم الإنجيل في هذا الايصوذن فتشير الى يوحنا السابق والصابغ الذي كان يبشر العالم بإتيان المخلص بعده الذي هو النور الحقيقي الذي ينير ويقدس كل إنسان آتٍ الى العالم والذي تعليمه أي الإنجيل هو “حكمة” إلهية. ثم أن ترتيل الايصوذيكون “هلموا لنسجد ونركع الخ” مع الطروباريات والقناديق يشير الى فرح البشر بقبول الإنجيل وإيمانهم بالمخلص. بعده يُرتل التسبيح الملائكي “قدوس الله الخ” إشارة الى أن البشر لمّا تعلموا سرّ الثالوث الأقدس بواسطة الإنجيل مجدوا الله بنغمة واحدة مع الملائكة إذا أصبحوا معهم رعية واحدة للراعي الواحد ربنا وإلهنا يسوع المسيح. ثم تصير تلاوة الرسائل إشارة إلى إرسال المسيح تلاميذه ليكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. ولهذا حين تلاوتها يبخر الكاهن كل الهيكل والاكليروس والشعب إشارة الى انتشار رائحة الإنجيل الزكية في كل العالم بواسطة الرسل الأطهار. وأما تلاوة الإنجيل فتحقق لنا تعليم مخلصنا نفسه وتوضح لنا أعماله العجيبة التي ظهر بها مجده الإلهي لكا العالم.
وهذا القسم كما أنه يُفتتح بالطلبات السلامية أي بطلب السلام بين الله والبشر بواسطة مغفرة خطاياهم وبين الكنائس المنفصلة بعضها عن بعض وبين الرؤساء والمرؤوسين من روحيين وزمنيين وبين عموم أفراد البشر لكي يقضي الجميع حياة سلامية مطمئنة وهادئة متمتعين بخيرات الله الأرضية وبعيدين عن كل الأحزان والشدائد والنوائب كذلك يُختتم بالطلبات الإبتهالية “لنقل جميعنا الخ” إظهاراً لشكرنا على عظم مراحم محبته للبشر وإيماننا الحار بكلمته الأزلية ربنا وإلهنا يسوع المسيح الذي اقتبل أن يتجسد لأجل خلاصنا.
ثالثاً: قداس المؤمنين
بعدما يقول الشماس “أيها الموعوظون أخرجوا” ينادي المؤمنين بأن يلبثوا واقفين في الكنيسة حتى نهاية القداس الإلهي بقوله “يا جميع المؤمنين أيضاً وأيضاً بسلام الى الى الرب نطلب”. وهذا هوبدء قداس المؤمنين الذي هو مرتب على نسق يذكرنا بأهم الحوادث التي جرت في آخر أيام المخلص على الأرض أي بآلامه وموته ودفنه ونزوله الى الجحيم وقيامته من الأموات وصعود الى السماء.
فأولاً الايصوذن الكبير المعروف بدورة القداس يرسم اتيان المخلص الى الآلام الطوعية. ثانياً وضع القرابين المقدسة على المائدة وتغطيتها بالستر الكبير يشير الى تنزيل جسد الرب عن الصليب ووضعه في القبر وانحداره الى الجحيم ولهذا يقول الكاهن الطروباريات “ان يوسف المتقي أحدر جسدك الخ” و “لقد كنتَ في القبر بالجسد وفي الجحيم بالروح الخ” و “أيها المسيح إن قبرك الخ” ثالثاً غلق الباب الملوكي والستار يشير الى دحرجة الحجر ووضع الختم على باب القبر وضبطه بالحرّاس. وأما تبخير القرابين فيشير الى حنوط يوسف ونيقوديموس وطيوب النسوة. رابعاً فتح ستار الباب الملوكي عند تلاوة دستور الإيمان يشير الى هرَب الحرّاس. ورفرفة الستر الكبير على القرابين تشير الى الزلزلة التي حدثت حين قيامة المخلص. ولما يصل قارىء دستور الإيمان الى قوله “وقام في اليوم الثالث” يُطوى الستر ويوضع على جانب المائدة إشارة الى دحرجة الحجر عن باب القبر من ملاك الرب. خامساً صلاة استحالة الخبز والخمر الى جسد الرب الطاهر ودمه الكريم مع مع كل ما يتقدمها ويتبعها من الأقوال والتراتيل والطلبات حتى انتهاء الكاهن والشماس من تناول الأسرار المقدّسة – هذا كله يرسم عشاء يسوع المسيح السري مع تلاميذه. سادساً رفع الجسد الطاهر من الكاهن عند هتافه “القدسات للقديسين” (أي مناولة الأسرار الطاهرة لا تجوزالا للمؤمنين المطهرين بالتوبة والإعتراف) يشير الى قيامة المخلص من الأموات. سابعاً وضع الجسد في الكأس يعني أن المسيح قد قام بكليته جسداً حياً. ووضع الماء الحارّ يُقصد به جعل الدم المقدّس حاراً كما هو الدم الحي. ثم أن الكاهن بعد انتهائه من تناول الأسرار الطاهرة يضع أجزاء الأحياء والأموات في الكاس لتحصل على نعمة من ملامستها دم المخلص. ثامناً فتح الباب الملوكي وعرض الكاس على الشعب يشيران الى ظهور المخلص لتلاميذه بعد القيامة. تاسعاً يبارك الكاهن الشعب قائلاً: “خلص يا الله شعبك وبارك ميراثك” إشارة الى مباركة المسيح تلاميذه على جبل الزيتون قبل صعوده الى السماء. ولهذا تُرتل الطروبارية “قد نظرنا النور الحقيقي الخ” إظهاراً لفرح المؤمنين بالبركات الروحية التي نالوها بواسطة سر التجسد الإلهي إذ عرفوا به الإيمان الحق وهو السجود للثالوث الغير المنقسم. عاشراً وأخيراً يعرض الكاهن الكاس ثانية على الشعب ثم حالاً يخفيها عن أبصارهم داخل الهيكل على المذبح إشارة الى صعود الرب الى السماء أمام تلاميذه وهم واقفون في جبل الزيتون ينظرون الى السحابة التي أخذته عن أعينهم. أما قول الكاهن نحو الشعب “كل حين الخ” فيشير الى وعد المخلص حين صعوده بأنه سيكون مع المؤمنين به كل الأيام الى انقضاء الدهر آمين.
أما ما بعد هذا من الصلوات والطلبات فهو شكر لله تعالى الذي أهلنا لتناول الأسرار الطاهرة المحيية. ثم يتلو هذا الشكر إعطاء الرخصة من الكاهن للشعب لكي يخرجوا من الكنيسة بسلام بعد أن يقرأ على مسامعهم خارج الهيكل الأفشين المعروف بأفشين وراء المنبر إشارة الى أن المسيح بعد تتميمه سر التدبير الخلاصي اتحد بشعبه ولهذا يخرج الكاهن ويساوي الشعب في الموقف حين تلاوته هذا الأفشين.