الأيقونة
ميلاد ديب جبارة
مقدمة:
أيقونة كلمة يونانية Icon ومعناها صورة ,رسم, شبه… الأيقونة ليست لوحة جامدة – رغم تكوينه من مادة جامدة – بل هي تعليم حي شامل,تعليم إلهي.
ويعرف الآباء الأيقونة بقولهم :
+الأيقونة هي معجم لاهوتي يحوي بداخله كل التعاليم التي يمكن من خلالها أن نتعلم العبادة والصلاة والعقيدة.
++الأيقونة تنقل المؤمن عبر لحظات قليلة إلى زمن بعيد.
ولادة الأيقونة
كان المسيحيون الأوائل يقيمون الصلاة في بيوتهم ثم كثر عددهم فكان لا بد من إشارات ورموز للتفاهم بين بعضهم فاتخذوا رموزاً هي التالية:
- رسموا الطاووس رمزاً للخلود
- رسموا الحمامة رمزاً للروح القدس
- رسموا السمكة لأن حروفها الأولى باليونانية تعني (يسوع المسيح ابن الله المخلص)
وعندما أخذت الكنيسة حريتها بعد مرسوم ميلانو صارت أغلب أيقوناتها عن السيد له المجد (كالسيد على العرش والسيد ذا الوجه المشرق) وحاولوا الاستفادة منها تعليمياًُ لكن بعض المسيحيين خافوا أن يتخذ هذا الإكرام شكل عبادة وثنية وكان لليهود دور في هذه المعارضة, لكن إكرام الأيقونات تقدم وكان مصحوباً بإكرام ذخائر القديسين والشهداء الذين وضعت في صناديق خاصة عليها رسمٌ للقديس, فانتقلت قداسة هذه الذخائر إلى الصور.
ترتبط الأيقونة بالأرثوذكسية ارتباطا وثيقاً, لأنها عقيدة أساسية من عقائد الكنيسة الأرثوذكسية, الأيقونة من العناصر الأساسية في العبادة لأنها تنقل لنا البشارة التي أعنها الله لنا. “الأيقونة كتاب مقدس ملون” “الأيقونة نافذة على الأبدية” وهذا ما معناه أنها تضعنا أمام الشخص المرسوم وتدخلنا في حوار معه, كما ويشعر الناظر إلها أنه ينظر إلى إله, لا إلى إنسان عادي…ينظر إلى شخص لا إلى رسم فهي تحرك كل كيانه وروحه وليس أحاسيسه ومشاعره فقط كما في اللوحات اللاتينية.!!
حرب الأيقونات
استمرت حرب الأيقونات 120عاماً, وتأثرت بأفكار يهودية وإسلامية ولم تأت من أفكار خارجية بل وداخلية أيضاً فبعض المسيحيين كان لهم موقف متزمت من الأيقونات وعدوها كرواسب وثنية كالإمبراطورين ليون الثالث وليون الخامس اللذان حرَّكا حرب الأيقونات واضطهدوا المؤمنين وسُفكت دماء عديدة من أجل الإيمان القويم, وانقسمت هذه الحرب إلى قسمين:
1. من (726-780م) حين هاجم ليون الثالث الأيقونات واستمرت حتى أوقفت الإمبراطورة إيريني أعمال الاضطهاد وأيَّد المجمع المسكوني السابع وأصدر قراراً بوجوب الإبقاء على الأيقونات وتكريمها.
2. من (815-843) حين شنَّ ليون الخامس هجوماً عنيفاً على الأيقونات فردته الإمبراطورة ثيودورا فعُدَّ هذا الانتصار نهائياً ويعيد له في الأحد الأول من الصوم (أحد الأرثوذكسية)
ما قاله الهراطقة[1]:
– الله حرَّم في وصاياه رسماً له لأنه لم يُرَ ولا يُرى.
– إن إكرام الأيقونات لا يجوز لأنه حينئذٍ يعبد الناس المادة.
رد الكنيسة الأرثوذكسية الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية :
+ أننا عندما نرسم المسيح نفعل ذلك لا لكي نرسم فقط بل لكي نرسم ذواتنا من خلاله.
+ إننا نكرم المسيح والقديسين لذلك فنحن لا نكرم المادة (الخشب-الحجارة) بل الكائن المرسوم فيها.
+ إن المواد في المسيحية لها معنى ولها رموز وتفيد في تقرُّبنا من الله الحيّ.
المدافعين عن الأيقونات:
القديس يوحنا الدمشقي ومن أبرز ما قاله:
« لا يمكن رسم الله الذي لا يدرك, وغير المحدود, أما الآن وقد ظهر الله بالجسد وعاش بين البشر, فأنا أرسم الله الذي تراه العين فأنا لا أعبد المادة بل خالق المادة الذي استحال مادة لأجلي».
القديس ثيودوروس الستوديني ومن أبرز ما قال:
« من حيث أنه ولد من الآب غير القابل للوصف, فلا يمكن أن يكون للمسيح صور, أما من حيث انه ولد من أم عذراء, قابلة للوصف, فله صور تطابق صورة أمه قابلة الوصف».
الفن البيزنطي
ملامح القديسين في الأيقونات
– الوجه: يميل إلى الكستنائي الغامق.
– العينين: وترسم واسعة مفتوحة لأنها رأت أعمال الخالق وبواسطتها تمت معرفة الناموس الروحي.
– الأذن: وترسم كبيرة للدلالة على حسن سماع تعاليم الرب.
– الأنف: أكبر من الطبيعي ومنساب بشكل طويل ورفيع ويرمز إلى أنه لم يعد يقوم بوظيفته بل صار يستنشق الرائحة الذكية الروحية.
– الطول: النفس العذرية ويرمز إلى ارتقاء النفس والروح نحو خالقها.
– الهالة: وترمز إلى المجد الإلهي الذي يغمر القديس والنور الصادر من القديسين وهي تحيط بالرأس لأنه مركز الروح والفكر والفهم.[2]
– المعدة النافرة: وترمز إلى الألم.
ومن ميزات الفن البيزنطي أنه لا يهتم كثيراً بإظهار الشكل الحقيقي للقديس بل يحاول أن يقترب من ملامحه الشخصية ويهتم بصورته الخالدة فهو يحاول أن يرسم القديس لا بشكله العالمي بل بالأبدي.
الأيقونة في اللاهوت الأرثوذكسي
في العهد القديم, لم يكن الله قد ظهر للعيون, بل كان يظهر بأفعاله وأقواله وقيادته لمسيرة الشعب المختار إلى أرض الميعاد
لذلك حرمت الوصايا العشر صنع أي رسم أو منحوت لله بسبب الخوف من الوقوع في الوثنية فالوثنية هي تصنيم وتأليه لأهواء البشر, الوثنية عبادة إله نحن خلقناه ولكن إله الكتاب هو إله يكشف لنا ذاته كما هو وليس كما نظنه ونريده. فبعد تجسد المسيح (الله الرب ظهر لنا) صار ممكناً أن نرسم للابن أيقونة لأننت قد رأيناه و”وجدناه” (يوحنا 45:1), لذلك بالرسم الأرثوذكسي لا يحبذ رسم الآب أما الروح فنجده فقط بشكل حمامة(المعمودية) أو ألسنة نارية (العنصرة). الأيقونة هي وساطة بمنى أداة تصلنا بالله الذي نغيِّبه عن كل ساعاتنا فتأتي الأيقونة لتضعنا في حضرته وتذكرنا بقوله : “ها أنذا واقفٌ على الباب أقرع” وبواسطتها يصير الله في وسط حياتنا ويتخلل كل أعمالنا.
هذا هو انتصار الأرثوذكسية برفع الأيقونات فالأرثوذكسية هي استقامة الرأي والرأي هو الموقف في الحياة وليست المعلومات أي استقامة المسلكية فنعرف الحق فيما نسلك وفيما نسعى إليه.
يُعرف المسيحي بأنه أرثوذكسي إذا كان موقفه صحيح والموقف الصحيح هو باختصار طلب رؤية وجه يسوع. وهذا هو من نسعى إليه ومن نشتهي رؤياه, وحين ارتفعت صور المسيح وقديسيه عالياً في المجمع المسكوني السابع ارتفع معها هذا الهدف واضحاً وما أيقوناتنا التي في منازلنا وكنائسنا إلّا دفعُ هذا الهدف إلى مساره الصحيح.
رؤية الأيقونة, رؤية المسيح يجب أن تترافق مع طهارة القلب لأنه “طوبى لأنقياء القلوب فإنهم يعاينون الله” لذلك طهارتنا تجعلنا نرى الأيقونة فعلاً.ورؤية الأيقونة تعفف فينا المسلك وهذا هو الإكرام والسجود الحقيقي للأيقونات.
المراجع:
– دمشق ولاهوت الأيقونة / اسبيرو جبور
– الأيقونة / الميتروبوليت سابا اسبر
– الأيقونة / مقال جورج بغدان / العربية العدد السابع 2003
– عظات أحد الأرثوذكسية 1997-1998-1999 /الأرشمندريت بولس يازجي
[1] المهرطق هو كل إنسان ابتدع أشياء غير معروفة في الدين
[2] الهالة في الفن البيزنطي ليست دائرة مادية تعلو هامة القديس بل كرة تحيط برأس القديس بكامله لأنها ليست شيئاً مكانياً بل حالة دائمة.