X

بحث في التراث الأرثوذكسي

موهبة البصيرة لدى القدّيس باناغي باسياس

نقلته إلى العربية راهبات دير مار يعقوب، دده، الكورة

1 – احترام الأهل

كان اندراوس شابّاً نزقاً في يفاعته، فلم يحتمل ذات مرّة ملاحظة أبدتها له أمّه فغضب وضربها ضرباً موجعاً ثم تركها تبكي وامتطى صهوة جواده ورحل. فالتقى في طريقه بالقدّيس باناغي باسياس فترجل عن حصانه وضرب مطانيّة للقدّيس قائلاً: “باركني يا سيّد”. وأمّا القدّيس فلم يقبل سجدته بل قال له: “انتبه إلى أمّك، انتبه إلى أمّك، ملعونة اليد التي تضرب ذويها. لا تواصل مسيرك بل عد سريعاً واسأل صفح أمّك ثم انطلق إلى حيث تريد”.

بقي اندراوس منذهلاً وشعر بحزن عميق فعاد أدراجه نادماً فوجد أمّه ما زالت تبكلي. فأخبرها بما جرى له وسألها الغفران. وأمّا هي فبقيت مضطربة حزينة مدّة ثلاثة أيّام لم تستطع خلالها الصّفح عن ولدها. فاضطر اندراوس إلى الانتظار حتى صفحت عنه أمّه ثم عاد ثانية في طريقه. وأيضاً صادف القدّيس من جديد فقال له:
– سامحني يا سيّدي القديس.
– فباركه ذاك قائلاً: مبارك الرّبّ الإله. لا تُحزن قلب والدتك بعد الآن
ثم باركه وانطلق كلّ في سبيله.

2 – الرّئيسة المستقبلة

وُلد لرجل أربعة بنات الواحدة تلو الأخرى فحزن الوالد جدّاً وراح يتبرم ويشكو إذ لم يشأ أن يكون أباً لأربعة بنات، ولكي يعرب عن غضبه طفق يهين امرأته ويسيء معاملتها ويزعجها بالكلام والتّصرّف.

وذات يوم أرادت الأمّ أن تأخذ بناتها الأربع إلى القدّيس باسياس ليباركهنّ. ولمّا وصلت وجدت جمعاً كثيراً من النّاس حول القدّيس، فاضطرت إلى الانتظار ريثما يأتي دورها. وبعد عدة ساعات من الانتظار تقدّمت الأمّ قائلة للأب: لقد أتيتك يا أبي ببناتي الأربع لتباركهن. وهكذا قدّمت له الأولى فباركها قائلاً: “أهلاً بديونيسينا”.وقال للثانية عندما أتى دورها: ” أهلاً بجورجينا”. وكذا قال للثالثة: “أهلا باسبيرينا”. أي أنّه تنبّأ باسم عائلات أزواجهن المستقبليّة. وأمّا الرّابعة فلمّا تقدّمت صمت الأب ولم يجب بشيء. فخافت الأم وقالت له: “ما بالك لا تتكلّم أيّها الأب، لعلّها ستموت؟” وأمّا هو فركع أمام الرّابعة قائلاً: “باركيني أيّتها الأم”. ثم ما لبث أن نزع عن شعرها ما كانت تزيّنه به مضيفاً: ” لست بحاجة إلى هذه الزّينة”.
وفعلاً فبعد سنوات تزوّجت الثلاث إلى نفس العائلات التي سبق القدّيس فأسماها، وأمّا الرّابعة فغدت رئيسة دير تحت اسم افجانيا.

3 – الزّوجة الحكيمة

عمّد القدّيس باناغيس باسياس إحدى الفتيات المدعوّات روبينا. هذه تزوّجت من رجل قاس فظّ حوّل حياتها إلى جحيم.

وذات يوم بينما كانت عائلة اسبيرو أخي روبينا تتناول طعام الغذاء، إذا فجأة يوافيهم القدّيس ويتوجّه إلى اسبيرو قائلاً: “أما زلت جالساً!! لقد ضرب في هذه اللحظة روبينا زوجها بقساوة وكسر لها يدها ومزّق أكاليل زواجهما إلى قطع مبعثرة”. قال هذا ثم غادرهم سريعاً.
جرت هذه الحادثة في قرية تبعد عن قرية اسبيرو مسافة بعيدة، ولكن اسبيرو كان يعرف مدى قداسة الأب باسياس لذا لم يستغرب ما قاله بل توجّع قلبه كثيراً على حالة أخته. فقام لوقته وشدّ على حصانه قاصداً منزل شقيقته. وما أن رأته تلك حتى استقبلته بفرح قائلة:
– كيف يحصل هذا يا أخي أن تأتيني في ساعة الظهيرة هذه وقد اشتدّ الحرّ كثيراً سيّما ونحن في شهر تمّوز.
– أين هو زوجك؟
– لقد تأخر كثيراً هذه الليلة في إتمام أعماله. لذلك خرج الآن ليروّح عن نفسه قليلاً مع أحد أصدقائه.
– وماذا حصل ليدك؟
– إنّ الحملان عندما تريد أن تخرج من الحظيرة فإنها تثب بقوّة، لذا فقد صدمتني إحداها وأوقعتني أرضاً فكسرت يدي. ولكن هذا لا يهمّ. تعال لتستريح قليلاً.
وعندما دخلا معاً إلى المنزل نظر اسبيرو إلى الحائط وسأل أخته:
– أين إكليك زواجك يا روبينا؟ إني لا أراه.
– لقد أنزلته لكي أنظّفه.
لقد حاولت المرأة أن تخفي عن أخيها تصرّف زوجها السّيّء ولم تشأ إخباره بالحقيقة، وأمّا هو فقال لها: “هيّا يا أختي، هيّا بنا لنرحل لأنّ زوجك رجل قاس وهو يعذّبك. لقد أتيتك الآن لأنّ عرّابك الأب باسياس كشف لي حقيقة حالك بما له من بصيرة نافذة، فهيّا إذن معي لأن حياتك هنا ستكون استشهاداً متواصلاً.”
وأمّا روبينا، تلك المرأة الحكيمة التي كانت تواجه صعوبات الحياة الزوجيّة برجولة فقد قال لأخيها: “يجب علينا أن نحتمل كلّ ما يسمح به الله”. وعندما سمع اسبيرو كلامها هذا عاد أدراجه تاركاً أخته لعناية الله وقد تحقق صدق بصيرة القدّيس.

4 – الأكاديمي مارينوس يرولانوس

مرض يوحنا يرولانوس في حداثته مرضاً ثقيلاً وتحمّل من جرّاء هذا المرض الكثير. ولمّا لم يجد أي تحسم ملموس في اليونان قرّر السّفر إلى الخارج. ولكن حتى هناك يئس الأطبّاء من شفائه، فعاد قانطاً يائساً مرة أخرى إلى بلاده لكي يمضي فيها ما تبقّى له من عمر.

وفي هذه الفترة العصيبة بالذّات زاره نسيبه الأب باناغيس باسياس ونصحه بأن يتزوّج بإحدى قريباته المعروفة بتعقّلها وحشمتها. فراح يوحنّا يصف للأب حالته الرّاهنة ويأس الأطبّاء من شفائه قائلاً:
– أتراني، يا أبي، أقترب من الموت وتنصحني بالزّواج؟
– كلا لن تموت، وسوف أزوّجك أنا بيدي، وستُرزق أيضاً أولاداً.
وفعلاً، فبعد فترة زمنية قصيرة تزوّج يوحنّا من الفتاة سيريسيا التي سبق الأب وقال عنها، ولقد أقام حفلة الزّفاف القدّيس باناغيس نفسه.
رُزق الزّوجان عدّة أولاد من بينهم كان مارينوس يرولانوس. وعندما وُلد مارينوس وقف القدّيس باسياس فوق سريره وباركه ثم تنبّأ قائلاً: ” إنه رجل كبير جدّاً، عظيم جدّاً”.
فتوسّلت الأم لكي يبارك الأب أيضاً بقيّة الأولاد فباركهم الأب ولكنّه عاد فدلّ على مارينوس قائلاً: “فقط هذا عظيم”.
وفعلاً فقد تربّع مارينوس بعد ذلك على قمّة الطّبّ في عصره وأصبح عضواً لأكاديميّة الطّبّ في أثينا.

admin:
Related Post