بعض من أقوال القدّيس سمعان السّتوديتي
الأب الرّوحي للقدّيس سمعان اللاهوتي الحديث
إعداد راهبات دير مار يعقوب الفارسي المقطّع – دده – الكورة
ها هوذا القدّيس سمعان السّتوديتي الأميّ من حيث الثّقافة، يغنينا ببعض النّصائح الجليلة، والتّوجيهات المفيدة والمساعِدة لحياتنا الرّهبانيّة. إنّها ليست عقائد بحدّ ذاتها، لكنّها شبه قواعد، أو بالأحرى خواطر روحيّة مختبَرة، نستطيع أن ندعوها وصفات طبيّة نافعة للنّفس. إنّ هدف التّقيّد بهذه الوصفات الرّوحيّة الدّقيقة هو البلوغ إلى حالة النّعمة.
يشبّه القدّيس سمعان السّتوديتي النّعمة الإلهيّة بنور يخترق شعاعه النّفس البشريّة ويضيئها كما يضيء القمر ظلمة الليل. لكنّه يحذّر أيضاً من إمكانيّة رؤية النّور بخداع من الشّيطان بقصد إبعادنا عن الصّلاة فيقول: “إذا ظهر لك وأنت تصلّي نور لا يعبّر عنه، وامتلأت نفسك فرحاً إلهيّاً ورغبة جامحة لعمل الصّلاح، وإذا سالت دموعك توبة وتخشّعاً، فاعلم أنّ النّعمة الإلهيّة تزورك”.
تعتبر دموع التّوبة الدّليل الواضح والأكيد لحلول النّعمة الإلهيّة في النّفس. لا نستطيع إدراك الصّلاة الحقيقيّة بدون الدّموع. وكما يجب أن تكون الصّلاة غير منقطعة، كذلك هي الحال بالنّسبة إلى الدّموع، أي يجب أن تكن مستمرّة “لأنّ الصّلاة التي تصحبها الدّموع، تعلّمك على الأقلّ وجوب استمراريّة الصّلاة”.
لا يبرّر التّعب الجسدي الاختصار من الصّلاة إذ يقول: “اثبت وتشدّد في صلاة القلايّة. صلّ بدموع وتوجّع قلب على خطاياك. لا تلتفت إلى تعبك الجسديّ وتسترخِ في صلاتك، لأنّه من الأفضل إنهاك الجسد بجهاد الصّلاة من أن نمتنع عنها، الأمر الذي يسبّب لنا خسارة روحيّة فادحة”.
لا ينبغي، ولا بأيّ حال من الأحوال، التّقدّم إلى المناولة المقدّسة دون أن نسكب دموع التّوبة على خطايانا، وبالتّالي على عدم استحقاقنا لتناول القدسات.
لكي يثبت الرّاهب في حياة النّسك، لا بدّ له من أن يتّخذ بعض الاحتياطات والإجراءات الدّقيقة في علاقاته مع القريب، سواء كان في العالم أو في الدّير. أمّا بالنّسبة للذين في العالم من أهل وأصدقاء… يجب أن يقتنع الرّاهب نهائيّاً بأنه قد مات عنهم. أمّا بالنّسبة للذين يعيشون معه في الدّير، يشاطرونه حياة التّوحّد، فعلى الرّاهب المجاهد أن يعتبرهم كغرباء، وبالأخصّ إذا كانت لديه معرفة سابقة بهم قبل دخوله حياة الرّهبنة.
وتظهر هنا جليّاً دقّة توجيه السّتوديتي حول كيفيّة تحاشي الدّالّة أو الوقوع في المجد الباطل إذ يقول: “لا تعقد حديثاً بدالّة وإلفة مع رئيس الدّير. ولا تكن لك صداقة خاصّة مع أحد، ولا علاقات شخصيّة مع أشخاص معروفين أو مشهورين. إذ بمقدار ما يبتعد الرّاهب عن الآخرين، واضعاً حدوداً بينه وبينهم في التّعامل، بمقدار ما يحميه هذا من الوقوع في فخ الافتخار والعجب”. ويذهب القدّيس إلى أبعد من هذا إذ يحذّر من الدّالّة حتّى في دخول القلاية فيقول: “لا تدخل قلاية أيّ من الإخوة ما عدا قلاية الرّئيس، وهذا أيضاً يجب أن يكون عند الضّرورة”.
أمّا بالنّسبة للاعتراف وكشف الأفكار، فينصح أن يقوم الرّاهب أوّلاً باعتراف شامل وكامل عن كلّ ما جرى في حياته أمام الأب الرّئيس. ثم يضيف: “عليك بعد ذلك أن تودعه كلّ أفكارك اليوميّة، وتسمع إرشاداته وكأنّها صادرة من فم الله عينه. لكن انتبه واحذر من أن تثق بأب آخر في الوقت نفسه كائناً من يكون”.
إذا كان يجب علينا اعتبار كلّ رجال الدّين الحسني العبادة بمثابة قدّيسين، فكم وكم بالأحرى وجب أن يكون اعتبارنا للأب الرّئيس. فكن إذن أميناً لأبيك، معتبراً إيّاه قدّيساً مهما كانت تصرّفاته.
من اللائق أن يتوجّه جميع الرّهبان للاعتراف وكشف الأفكار لدى الرّئيس. ولكن، وبما أن البعض لا يرغبون هذا، إمّا لجهلهم الرّوحيّ أو لعدم ثقتهم بالرّئيس، فعليهم والحالة هذه ألا ينضووا تحت طاعة رئيس آخر، لئلا يحقّقوا بذلك إيحاءات العدوّ الذي يوسوس لهم بأنّهم عبء ثقيل يرهق كاهل الرّئيس، أو إنّ الرّئيس يكشف أسرارهم للآخرين. وهكذا يضعون حاجزاً حديديّاً يمنعهم من لقائه باستمرار، فيميلون إلى تعليم أب آخر. إنّ الشّيطان يعلم حقّ العلم بأنّ علاقتنا الوطيدة برئيسنا، تمدّنا بدفع وزخم روحيّ كبير. وبالعكس إذا أهملنا الاعتراف الدّائم وكشف الأفكار المستمرّ، فإنّنا سوف نقع ولا ريب في فخ اليأس. أمّا إذا طلبنا نصح أب آخر، وهذا أمر غير مسموح به إجمالاً حتّى ولو كان هذا الأب من الدّير نفسه، فإنّنا سوف نقع تحت حكم دينونة الله القاسية لفقدنا الثّقة بأبينا. وسوف يرتاب بنا الأب الجديد الذي توجهّنا إليه ويشكّ في صدق نوايانا وجديّتنا معه. وهكذا نعتاد التّنقّل من أب لآخر، غير كافّين البتّة عن التّفتيش عن حبساء أو عاموديّين أو متوحّدين جدد لنذهب إليهم ونعترف لهم. وبعدها نفقد ثقتنا بالجميع دون أن نحرز أيّ تقدّم ملموس في حياتنا الرّوحيّة. والأسوأ من هذا كلّه، إنّنا نجلب على أنفسنا لعنة لا بركة. لهذا السّبب انتبه أيّها الأخ، وابقَ أميناً حتّى الموت لرئيسك الذي اعترفت له منذ البداية. لا تشكّ ولا تعثر به أبداً حتّى ولو رأيته يرتكب فعل الزّنى. وبهذا فقط تصون إناء نفسك من كلّ ضرر. لكن كما سبقنا وقلنا، إذا تركته وذهبت إلى أب غيره، فسوف تسبّب شكوكاً ومعاثر كثيرة لك وللآخرين، وسوف تفتح لذاتك طرق الضّلال. فيا ربّ أنقذنا من ضعف الإيمان هذا ومن كلّ سعي باطل واحفظنا بنعمتك الإلهية آمين.