X

بحث في التراث الأرثوذكسي

“رابح النفوس حكيم” (أمثال:30:11)

ماريَّــــا قبارة

إنّ الخطيئة الخفية تضرُّ فاعلها فقط، أما الخطيئة العلنية فتضرُّ كثيرين لأنها مشاهدة ومسموعة. والخطيئة في الخفاء خطيئة واحدة أما التي تصير جهاراً فتكون خطيئة ذات ألف ضعف بسبب الذين ينظرونها ويسمعونها، فلا ينالهم منها إلاّ الضرر والعثرة.

وتنتشر خطيئة العثرات وتتفشى بين المؤمنين بسهولة، لان المثال الرديء وخاصة من الكهنة ورجال الكنيسة يعثر منه المرء ويبطل به تبكيت الضمير
تجسّم العثرة الخطيئة كثيراً فـ “الويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة” (مت7:18). والويل لذلك الكاهن الذي وضعه الله على منارة الباب الملوكي لكي ينير بنور أعماله الفاضلة جميع الذين في كنيسته أما هو فبظلام أعماله وكلامه يعثر جميع الإخوة الذين أؤتمن عليهم. فلا تبرير للعثرة بأية حجة رعائية كانت أم ائتمانية. الويل لأولئك الكهنة والمربين الذين أسلمهم الله أمر رعاية أبنائه حسناً وأما هم فبدلاً من أن يؤدبوا بالمثال والقدوة الحسنة يدهورونهم ويعثرونهم بالتشهير وغيره في مهاوي الهلاك.
وإن كان التواضع المملوء حباً هو مدخل الملكوت فإن هذا التواضع يقوم على نفس منفتحة وواضحة. وإن شعر الكاهن أن ابناً له قد اخطأ، ففي محبة صادقة وشخصية يذهب إليه ويعاتبه منفرداً حتى إذ يسمع منه يربح اخاً. يذهب إليه حاملاً فكر المسيح لكي يقتنيه بالمحبة للمسيح كعضوٍ في جسده. يذهب إليه منفرداً حتى لا يتحول العتاب صراخاً أو نوعاً من التشهير ولكي يعطيه فرصة لمراجعة نفسه بلا عناد. يذهب إليه ليحمله للتوبة إلى الله.
يقول الذهبي الفم: “إن أخطأ أخوك إليك، فابحث عنه سراً لتصلح خطأه خفية. أما إن أردت توبيخه أمام الجميع فأنت لا تكون راعياً لأمره بل فاشياً للسرّ ومعثراً آخرين”
وفي العثرات التي يرتكبها الكاهن بحق إخوته والمؤمنين يحاسب عليها أمام ربه. لذا فعلى الكاهن الراعي أولاً أن يدقق جيداً في كل لفظ يقوله وفي كلّ تصرف يصدر منه. وما الكهنوت يا إخوتي إلاّ سلاح ذو حدين: قد يكون بركة وهذا للتقديس، أو عثرة للغير! وعليه ألاّ يتحدث أو يعظ عن فضيلة روحية يطلبها من رعيته وهو لا ينفذها في حياته! وأن يحترس في الوعظ في الأمر ذاته أكثر “فلا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم” (يع1:3)
لا تحتمل الكنيسة عدم الحكمة في الكلام أو التصرف. ومن فم الكاهن تخرج الشريعة، “فبكلامك تبرر وبكلامك تدان”، ولا تنسى أبداً أن الكهنوت يفرض عليك قيوداً في الكلام. فكلام الكاهن لغة الملح وليس لغة العالم بكلامه الرديء.
القلب الممتلئ بالمحبة يترفق بالخطاة ويشفق عليهم ويراعي ظروفهم ولا يحتقرهم أو يشهر بهم بل يقف إلى جانبهم. ومشاعر المحبة من أنبل المشاعر وسبباً لجذب الآخرين. فلا فائدة بذهابنا لخدمة القديسين. نحن نخدم الجميع بل نخدم الخطاة أولاً من اجل المحبة التي تردد دوماً نشيدها الخاص “ومعك لا أريد شيئاً” وبها نقدم جواباً لدى منبر المسيح المرهوب “الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد” (يو17:12)

admin:
Related Post