X

بحث في التراث الأرثوذكسي

ما مشكلة الروحانية؟

فريديريكا ماثيو غرين

مقولة “الروحانية” غير مُستَحَبَّة إذ تبدو خارجية جداً واختيارية. الروحانية، كمفهوم، ليست موجودة في الألف الأول ولا في أي مكان في الأرثوذكسية. قد يمكنني القول بأن ما يعنيه الناس اليوم بالروحانية هو ما سمّاه الرسول بولس “الحياة في المسيح”.

الحياة في المسيح تحوّلٌ يُفتَرض بكل مسيحي أن يختبره، لأننا كلنا “مشاركون في الطبيعة الإلهية” (2بطرس 4:1). عملية المشاركة في حياة المسيح وتهذيب ذواتنا، سعياً إلى استيعاب هذه الحياة، تؤثّر في نفوسنا وأجسادنا. إذ ينتشر نوره فينا كالنار الممتدة في قنديل من الفحم إلى أن نصير حاملي المسيح إلى العالم. هذا عنصر أساسي جداً وجوهري للحياة في المسيح. لذا، استخراجه من إطاره ورفعه كملصق يبدو نوعاً من إماتته.
لم يتكلّم المسيحيون الأوائل عن “الروحانية”، ولا عن اختلافاتها المتعلّقة بهذا النوع من الشخصية أو ذاك، أو بهذه الخلفية القومية، أو الجنس. هذا ليس غير نافع وحسب، بل وأرى استحالة وضع هذه التقسيمات. كل واحد منا يشترك في نور المسيح نفسه، لذا بمعنى ما، الروحانية هي نفسها للجميع، لأن المسيح واحد. لكن لكون كل منا كائناً بشرياً خلقه الله فريداً، فهو يبثّ ذلك النور بشكل مختلف قليلاً عن أي قديس آخر. وبالرغم من أن وحدة المسيح تعني أن هناك إمكانية وجود “روحانية” واحدة فقط، إلا أن هناك روحانيات كثيرة. بمعنى آخر، هناك مليارات من الروحانيات على عدد الناس الذي عاشوا ويعيشون. لكن يمكن أن نتصوّر أن بين هذه المليارات يوجد أنماط تتخذها هذه المجموعة أو تلك، وقد تكون بلا معنى، كمثل محبة التسوّق التي تميّز حضارتنا.
الأمر الأكثر إزعاجاً في “الروحانية” المعاصرة هو قابلية النرجسية التي فيها. التركيز على الروحانية بدل الربّ يجعلك تتوقف في منتصف الطريق وتفكّر بنفسك. وهذا يوخّر تقدمك بشكل جليّ، وقد يتحوّل إلى إغراء للاستهلاكية: كأن تقول في ذاتك: “لم تنجح هذه الطريقة في التركيز على الصلاة، لذا سوف أجرّب تلك الطريقة في التأمل!” وقد يكون شركاً لتزيين النفس، كأن تفترض بأنك أسمى من غيرك لكونك روحانياً، وبالتالي أنت أكثر “تشويقاً” أو “عمقاً”. ما قد يبدو أنه انشغال طوعي بالأمور الروحية قد يكون مجرد تورط بنظام تجميلي جديد.
هنا يمكن القول كما في قصة القمح والزوان التي رواها السيد المسيح: “إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هذَا”. إنها استراتيجية يتّبعها الشرير فيأخذ الاندفاع الجيد ويقلبه إلى تعلّق بالذات. إن عبارة “الروحانية” مزعجة لأنها تحوّل الأمر السامي الذي لا ينبغي ملاحظته إلى أمر مادي. عندما تبالغ في اهتمامك بتنفسك يعني أنّ في تنفسك أمر خاطئ. ينبغي أن يكون تركيزنا مقصوراً على جمال السيّد الأخّاذ، وما يحركنا إلى الأمام هو توقنا إليه. لذا ينبغي ألاّ نطلب تحسين الروحانية ولا حتى حياة الصلاة. بل أن نسعى إلى السيد يسوع المسيح ونسمّر عليه أعيننا.

admin:
Related Post