الكنيسة بحسب المتقدّم في الكهنة يوحنا رومانيدس
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
عن محاضرة مسجّلة في صف العقائد في جامعة تسالونيكي، 1972
الكنيسة هي جسد المسيح المكوّن من كل المؤمنين به، ومن الذين يشتركون في القيامة الأولى وهم مخطوبون إليه بالروح، ومن الذين تذوّقوا التألّه. الكنيسة، لكونها المملكة والمجد المستور في الله والذي فيه يقيم الله مع كلمته وروحه، موجودة حتى قبل الخَلق. بمشيئة الله خُلقت الدهور كما القوات السماوية والأرواح غير المتجسدة أو الملائكة، ومن ثمّ الزمان والعالم الذي خُلق فيه الإنسان موحداً في نفسه القوة النوسية التي للملائكة مع العقل والجسد البشري.
الكنيسة منظورة وغير منظورة في آن واحد؛ بتعبير آخر، إنها مكوّنة من المُدرَجين على الأرض وأولئك الذين في السماء، أي الذين انتصروا في مجد الله.
يسود بين البروتستانت الرأي بأن الكنيسة غير منظورة فقط، فيما أسرار المعمودية والإفخارستيا هي مجرّد أعمال رمزية، وأن الله وحده يعرف أعضاء الكنيسة الحقيقيين. من جهة أخرى، تشدد الكنيسة الأرثوذكسية على الوجه المنظور للكنيسة التي لا خلاص خارجها. الكنيسة، كونها جسد المسيح، هي مسكن مجد الله غير المخلوق. من المستحيل فصل المسيح عن الكنيسة، أو فصلها عنه. في البابوية والبروتستانتية الفرق واضح بين جسد المسيح والكنيسة، أي أن بإمكان الإنسان أن يشترك في جسد المسيح من دون أن يكون عضواً في الكنيسة البابوية. هذا مستحيل في الأرثوذكسية.
بحسب الكالفينيين، المسيح بعد صعوده، سكن في المساء وبالتالي، مستحيل أن يتحوّل الخبز والخمر إلى جسد ودم فعليين للمسيح… فغياب المسيح كليّ وكامل… والأمر على نفس الأهمية تقريباً في الكنيسة البابوية، لأنه يُنظَر إلى المسيح على أنه غائب لكنه ينزل من السماوات ويصير حاضراً من خلال صلوات الكاهن. هذا يعني أن المسيح غائب في الكنيسة. أعضاء الكنيسة هم، كما أشرنا سابقاً، أولئك الذين اعترفوا بخطوبة الروح والممجدين.
عندما أشار القدَماء إلى أن جسد المسيح هو الكنيسة وأن المسيح هو رأسها، لم يعنوا أن المسيح توزّع جسدياً في كل العالم وأنّ، على سبيل المثال، رأسه في روما، فيما إحدى يديه في الشرق والأخرى في الغرب، بل أن كلّ المسيح موجود في كل واحدة من الكنائس بأعضائها، أي القديسون والمؤمنون والكون. بهذه الطريقة، بحسب تعليم الآباء، عندما نقيم القداس الإلهي، لا يكون المسيح موجوداً وحسب بل أيضاً القديسون ومسيحيو العالم كله. عندما نأخذ كسرة صغيرة من الخبز الإلهي، نستقبل كل المسيح في داخلنا. عندما يجتمع المسيحيون معاً لسبب واحد، كل الكنيسة تكون مجتمعة معهم، وليس فقط قسم منها. هذا هو السبب الذي جعل، في التقليد الآبائي، تسمية الهيكل في الدير بـ”الجامعة Katholikon ” منتشرة وسائدة.
التألّه هو غاية كل المؤمنين، الهدف النهائي لكل واحد. لهذا على المسيحي أن يتقدّم “من مجد إلى مجد”. بتعبير آخر، على العبد أن يصير عاملاً أجيراً من ثمّ ابناً لله وعضواً أميناً للمسيح. يستحيل وجود خلاص خارج الكنيسة. المسيح يمنح النعمة الخلاصية لكل الشعوب. عندما يخلص أحدهم خارج الكنيسة المنظورة فذلك لأن المسيح خلّصه، وليس “الفرع” الديني الذي ينتمي إليه. بالتالي لا يتحقق خلاصه في “الكنيسة” التي ينتمي إليها لأن الكنيسة التي تخلّص واحدة وهي المسيح.
حيث لا توجد العقيدة الأرثوذكسية، لا تكون الكنيسة في موقع إبداء الرأي في سلطة الأسرار. بحسب الاباء، لا تنفصل العقيدة الأرثوذكسية مطلقاً عن الروحانية. حيث يوجد عقيدة خاطئة توجد روحانية غير صحيحة، والعكس صحيح. كثيرون يفصلون بين التقوى والعقيدة وهذا خطأ. قول المسيح: “كونوا كاملين كما أن أباكم كامل…” يعني أنّ على الإنسان أن يتآلف مع معنى الكمال. معيار صحة الأسرار عندنا نحن الأرثوذكسيين هو العقيدة الأرثوذكسية، بينما لغير الأرثوذكس، هو التسلسل الرسولي. بالنسبة للتقليد الأرثوذكسي، لا يكفي تقفّي أثر سيامة أحدهم حتى وصولها إلى الرسل، بل ينبغي تملّك العقيدة الأرثوذكسية. التقوى والعقيدة هما هوية واحدة ولا يمكن فصلهما. حيثما يوجد تعليم مستقيم، هناك عمل مستقيم. “أرثوذكسي” تعني: أ) مجد مستقيم و ب) عمل قويم. الكنيسة الأرضية العاملة على الأرض هي الكنيسة الأرثوذكسية. العقيدة الأرثوذكسية والتعليم الروحي هما نفس الأمر لأن العقيدة توجَد وتأتي من الإنجيل نفسه.