مَن نتبع؟
القديس ديمتري روستوف
نقلها إلى العربية المطران أبيفانيوس زائد
“وفيما يسوع مجتاز من هناك تبعه أعميان يصيحان ويقولان: ارحمنا يا ابن داود” (متى9: 27). كأن الكنيسة المقدسة أيها الأخوة بإيرادها، في الإنجيل، قصة الأعميين، تثبت الذنب علينا. فالأعميان، حرما جسدياً من نعمة البصر، وروحياً من نور المعمودية. ومع هذا فمن تبعا، وفي أثر من سارا، وممن سألا الرحمة عند الحاجة؟ الأعميان، في الإنجيل اليوم يتبعان المسيح. وأما نحن الحاصلين على العيون الجسدية الصحيحة والمتنورين بمعمودية المسيح، من نتبع، وفي أثر من نسير؟
إن السيد يسوع المسيح أتى من السماء ليفعل الخير؛ أما نحن فلا نكاد نفعل غير الشر. إن إله الإنسان أتى كي يقيم الأموات، ولكن، يوجد بيننا أناس يميتون الأحياء. لقد أتى الفادي الإلهي واحتمل الجوع والعطش وكلّ فاقة، أما نحن فنريد أن يتوفّر لنا كلّ شيء. فيا للعار! إننا نؤمن بالإنجيل القائل: طوبى للمساكين، طوبى للحزانى، وفي الوقت نفسه نجمع الثروة ونهتمّ للملذات الدنيوية كلها! يا له من تباين مخجل في نفسك! إنك تحترم المسيح وتكره تواضعه وتخاف من صليبه. إنه لعار أن يفضّل العبد على سيده! لا يليق بك أن تزيّن أعضاء الجسد تحت رأس كلل بشوك. فكُنْ واحداً من اثنين: إما مسيحياً وهمياً، واعترف جهاراً بأنّ الله الإنسان قد أخطأ باختياره الفاقة والعار والآلام؛ وإما أعمى البصيرة، واعترف صراحةً بذلك، وبأنّك قد تحوّلت عن المخلّص.
إذن! أنت مخطئ في طموحك إلى جمع الثروة، وفي اندفاعك إلى الملّذات والمجد العالي. أفلا يجب أن نلتجئ إلى السيد يسوع المسيح في وقت الأحزان والحاجة؟ ألسنا نسأله تعالى الرحمة والمساعدة؟ وإذا اختلس الأشرار مقتنيات أحد منكم فإلى مَن يشكو ظلامته؟ أيسرع إلى الله أم إلى الشيطان شاكياً مَن ظلمه؟ ثقوا بأنّ مثل هذا الإنسان مسيحي بالاسم فقط، أمّا بالحقيقة فهو وثني لأنه لا يؤمن بالله بل بالشيطان. هو بالاسم عبد للمسيح، وبالفعل يطيع الشيطان. هو حيّ اسمياً، أما فعليّاً فهو مائت حسب قول القديس الرسول: “لأنه ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون” (رومية 6:9)، بل يجوز أن يُقال فينا: ليس جميع الذين من المسيح مسيحيين، لأن الكثيرين يحملون اسم المسيح فقط، أما حياتهم فغير مسيحية، ولا يتبعون السيد المسيح مطلقاً.
لقد عاش المسيح على الأرض وديعاً زاهداً قنوعاً طاهراً. أمّا نحن فالكثيرون منا ويا للأسف يصرفون عمرهم في الملذات الجسدية والخصام والحسد. لقد شتم المسيح المخلص ولم يقابل بالمثل، احتمل الآلام وصلى من أجل أعدائه. أمّا نحن فبالعكس، نشتم من يباركنا لا من يشتمنا، ونبذل الجهد لننتقم من القريب ولا نصغي لصوت السيد: “إن لم تغفروا للناس فابوكم أيضاً لا يغفر لكم زلاتكم” (متى 15:6) لم ينطق المسيح بكلام فارغ. أمّا نحن فلم نفتر عن ذلك. ندين الآخرين، وننمُّ القريب، لا نرحم شرفاً، ولا سمعة حسنة، ولا سعادة، فيتمّ فينا قول الله: “حلوقهم قبور مفتحة” (مز 10:5) لا نفكّر بأن إثم دينونة القريب والنميمة عظيم بمقدار إثم السرقة واختلاس مال الغير، ناسين أنّ الإنسان سيؤدّي حساباً للسيد يوم الدينونة الرهيبة عن كل كلمة بطالة. إن السيد المسيح كان متواضعاً ومطيعاً. أمّا نحن أيها الأخوة فكيف نتشبّه بآلام السيد؟ إننا نرغب في أن نكون مع السيد على ثابور وليس على الجلجلة. نرغب أن نتزيّن مع ابن الله بإكليل الملك في السماء، لا أن نشاطره إكليل الشوك على الأرض. نريد أن نتبع الله الإنسان حتى كسر الخبز فقط لكي لا نسمع قوله: “من لا يحمل صليبه ويتبعني فلن يستحقني” (متى 38:10). فما هي الأدلة التي تثبت أنك مسيحي؟ أهي المكان أو اللباس أو الطعام أو الأعمال؟ إنها ليست بالمكان لأن المكان المسيحي الحقيقي بيت السيد، أما نحن فنرغب أن نقضي الوقت في البطالة وحضور الحفلات. ولا باللباس، لأننا لا نرتدي ثوباً بسيطاً كما ارتدى المسيح بل نجتهد في انتقاء الملابس الفاخرة. وليس بأقوالنا، لأنه يلذّ لنا أن نحلف باطلاً وندين القريب، وكثيراً ما نتلفّظ بالكلام البذيء. ولا بالطعام، لأنه أجدر بنا أن نُحسب من تلاميذ أبقراط لا من أتباع السيد المسيح لاندفاعنا فقط إلى المآكل اللذيذة والامتلاء منها. ولا بالأعمال، لأن أعمالنا ملأى بالخداع والسيئات.
فإذا كنا أيها الأخوة نحمل الاسم المسيحي ونحن كالتينة غير المثمرة في الإنجيل التي لم يكن عليها إلا الورق، فلنحذر حتى لا تقع علينا تلك اللعنة التي وقعت عليها. ويجب علينا، لنكون مسيحيين أن نترك كل عمل يرضي الشيطان، ونتبع السيد يسوع كما تبعه الأعمى في الإنجيل. لنتبعه وحده في التواضع والوداعة والقناعة والفاقة والحلم والطهارة، لأنه كان قدوة لنا فلنسِرْ في أثره. نؤمن بالمسيح المخلص حسب تعاليم الكنيسة الأرثوذكسية، ولنحفظ وصاياه فينير أعيننا ونصبح قادرين أن نرى الخالق على الأرض وفي الخلائق كلها، وهكذا نلتذّ برؤية وجه الآب السماوي في ملكوته الأبدي آمين.