X

بحث في التراث الأرثوذكسي

الخلاص بتواضع القلب

الأرشمندريت توما بيطار



باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

كفرناحوم، يا إخوة، هي المدينة الّتي اختار الرّبّ يسوع أن يُقيم فيها. هو وُلد في بيت لحم، ومن ثمّ، بحسب إيحاء الملاك، يوسف ومريم أخذاه، وذهبا به إلى مصر. وبعدما عادوا، سكنوا في مدينة اسمها النّاصرة. هناك، أمضى الرّبّ يسوع طفولته وشبابه، إلى أن بلغ الثّلاثين من العمر. بعد ذلك، انتقل إلى كفرناحوم، وهي مدينة صغيرة في الجليل، على ضفّةٍ من ضفاف بحيرة طبريّة. قائد المئة هو رجل عسكريّ، عنده مئة عسكريّ في أمرته، وهو إنسان رومانيّ. إذًا، لم يكن إنسانًا يهوديًّا. ولكن، يبدو أنّه كان، منذ فترة من الزّمن، يسكن في كفرناحوم، بدليل أنّه صار يعرف العديد من عادات اليهود، والعديد من أخبارهم. قائد المئة هذا لم يكن يهوديًّا، أي كان يُـفترَض به أن يكون وثنيًّا. لكنّه كان رجلاً مميّزًا. طبعًا، عندما نقول إنّه قائد مئة، فهذا يعني أنّه إنسان ذو سلطان، ومخوف الجانب، وكلمته مسموعة، وكان، عمليًّا، قائد المنطقة. ولكن، كان عنده فتًى. الفتى ليس المقصود به، كما يبدو، ابنه، إنّما خادمه المقرَّب إليه. لذلك، قال عنه: “فتاي”. إذًا، يبدو أنّه شابّ في حدود العشرين سنة، وأنّ قائد المئة كان يحبّه بسبب إخلاصه وتعلّقه به. وقع الفتى في مرض. النّصّ يقول: “فتاي مُلقًى في البيت، مخلَّعًا، معذَّبًا بعذاب شديد”. ما هو، بالضّبط، هذا المرض؟! ليس واضحًا. هل، يا ترى، كان الرّوح الشّرّير يسكنه؟! هل، يا ترى، أُصيب بحادث وتخلّع، أي “ضُربَت” رجلاه، ولم يعد بمقدوره أن يتحرّك، وأصابته أوجاع كثيرة؟! – لا نعرف بالضّبط. ولكن، نعرف أنّه كان “مُعذَّبًا بعذاب شديد”، وكان مخلّعًا، أي لا يستطيع أن يستعمل أطرافه، وربّما رجليه فقط. طبعًا، قائد المئة، لديه آذان بين اليهود، ككلّ جيش مُحتَلّ يكون عنده، عادة، عملاؤه، يكون عنده أناس منبثّون بين الشّعب، يسمعون ماذا يتكلّم الشّعب، أي كانت عنده، بمعنى من المعاني، “مخابرات”. ولكن، قائد المئة هذا لم يكن، بالضّرورة، يستعمل أسلوبًا قاسيًا في رصد أخبار اليهود. كان يبدو رفيقًا باليهود، أي كان لطيفًا في تعامله معهم.

من هنا، لا بدّ من أن يكون قائد المئة قد سمع أنّ هناك معلِّمًا اسمه يسوع، وهذا المعلّم كانت هناك علامات سؤال عديدة حول شخصه. كان يعلّم كمَن له سلطان، وكان، في آنٍ معًا، يصنع عجائب عديدة، إذ إنّنا نعرف أنّ الرّبّ، في كفرناحوم، صنع عددًا من العجائب. وبحسب ما يقول النّصّ، قائد المئة “جاء إلى يسوع”. يسوع كان خارج كفرناحوم، ودخل إليها؛ فعرف قائد المئة؛ فما كان منه سوى أن ترك مركز القيادة، وجاء إلى يسوع؛ “فدنا إليه، وطلب منه قائلاً: يا ربّ، إنّ فتاي مُلقًى في البيت مُخلَّعًا، يُعذَّب بعذاب شديد”. لاحظوا الكلمات المستعمَلَة، لأنّ لها دلالة مهمّة. أوّلاً، “دنا إليه”، أي إنّ قائد المئة أخذ المبادرة، وجاء إلى يسوع. كان بإمكانه، باعتباره قائدًا عسكريًّا، أن يستدعي يسوعَ إليه، في مركز القيادة. لكنّه لم يفعل ذلك! جاء بنفسه إلى يسوع! “وطلب إليه قائلاً: يا ربّ، إنّ فتاي…”. عبارة “طلب إليه” لا تعني أنّه طلب إليه بأمر، بل أنّه رجا منه، عبّر عن رجائه بأن يصنع له الرّبّ يسوع خدمة. ثمّ إنّه “طلب إليه قائلاً، يا ربّ”. لقد استعمل لفظة “ربّ”. علينا أن نعرف أنّ المعلّمين في إسرائيل، في ذلك الحين، الّذين كانوا يعلّمون الشّريعة اليهوديّة، كانوا يُسمّونهم “ربّاي”، أو “ربابنة” في اللّغة العربيّة. ولكن، هنا، استعمال كلمة “ربّ” قد يشير إلى أﮐثر من كون يسوع معلّمًا، إذ، أحيانًا، كانوا يقولون للرّبّ يسوع: “يا معلّم”. “معلم” هي صفة من الصّفات الّتي كانت تُعطى للرّبّ يسوع. ولكن، هنا، استعمال كلمة “ربّ” ربّما يشير إلى كلمة “سيّد”. وكلمة “سيّد” كلمة كبيرة جدًّا، بالنّسبة إلى الرّومان. الرّومان كانوا يقولون عن الأمبراطور إنّه هو السّيّد. ولكن، هنا، أن يقول قائد المئة عن يسوع إنّه السّيّد، فطبعًا، هذا شيء لافت جدًّا. لماذا قال له: “يا ربّ”، أو “يا سيّد”؟! – أغلب الظّنّ أنّ روح الرّبّ حرّكه، ولم يقل ذلك من عنده، لأنّ كلمة “ربّ” تحمل، من ضمن المعاني الّتي تحملها، معنى الله! فإذا افترضنا أنّ روح الرّبّ حرّك قلب قائد المئة؛ فلماذا حرّكه؟! هل، يا ترى، هناك سبب واضح جعل روح الرّبّ يحرّك قلبه؟! – في الواقع، نعم. السّبب هو، بالضّبط، ما ذكرته، قبل قليل، من أنّه هو الّذي أتى إلى يسوع، وهو الّذي طلب إليه. وبعد قليل، سيقول له شيئًا مهمًّا جدًّا. سيقول له: “يا ربّ، لستُ مستحقًّا أن تدخل تحت سقفي. ولكن، قل كلمة لا غير، فيبرأ فتاي”. علامَ يدلّ ذلك؟! – هذا يدلّ على تواضع كبير. عندما يقول له: “لستُ مستحقًّا أن تدخل تحت سقفي”، فهذا يعني أنّ هذا الإنسان كان متواضعًا بشكل مميّز. ثمّ عاد وقال له “يا ربّ” مرّة ثانية! تُرى، لماذا لا يريد قائد المئة أن يدخل الرّبّ يسوع تحت سقفه؟! صحيح هو يقول هنا: “لست مستحقًّا أن تدخل تحت سقفي”، هذا من باب الاتّضاع. ولكن، هناك سبب آخر جعله يتحفّظ، وهو أنّ اليهود لا يدخلون بيوتَ الرّومان، لا يدخلون بيوتَ الأمميّين، أي غير اليهود. هذا كان محظَّرًا عليهم. ما كانوا يدخلون بيوتَ الرّومان، ولا كانوا يأﮐلون عندهم، لأنّ هذا كان يُعتَبَر نجِسًا، بالنّسبة إلى اليهود. إذًا، هذا الإنسان، قائد المئة، بقوله ما قال، أظهر أنّه إنسان رقيق، ولا يحبّ أن يحرج أحدًا. ما أراد أن يحرج يسوع. لهذا السّبب، لم يشأ ليسوع أن يدخل تحت سقفه. وبما أنّه كان إنسانًا متواضع القلب، فقد نطق بكلام جميل جدًّا: “لست مستحقًّا أن تدخل تحت سقفي”! إذًا، كلّ هذا الّذي ذكرنا يشير إلى تواضع قائد المئة. تواضع الإنسان، عادة، يستدعي نعمة الله عليه، ويستدعي روح الله عليه. كلّ إنسان، إذا ما اتّضع، فإنّ الله يكون قريبًا منه. إذا سأل كلّ واحد منّا، مثلاً: “ماذا عليّ أن أعمل حتّى يأتي إليّ الرّبّ؟! ماذا عليّ أن أعمل حتّى تحلّ نعمة الله عليّ وعلى بيتي؟!”، فالجواب، بالضّبط، موجود هنا! الجواب: تصرّف، يا إنسان، بتواضع قلب! اعتبر نفسك كأنّك لا شيء، كأنّك غير مستحقّ لحسن معاملة الآخرين لك. إذا ما سلكتَ في تواضع قلب، فإنّ الرّبّ الإله، إذ ذاك، سيكون قريبًا منك. إذًا، نستطيع أن نقول إنّ قائد المئة، بسبب تواضعه، تحرّك قلبه بنعمة من روح الرّبّ القدّوس، وعبّر عن إيمان مدهش، مذهل! والرّبّ يسوع المسيح شهد لذلك، لأنّه “تعجّب وقال للّذين يتبعونه: الحقّ أقول لكم، إنّي لم أجد إيمانًا بمقدار هذا ولا في إسرائيل”. إسرائيل كان يُفترَض به أن يكون مثالاً في التّواضع لشعوب الأرض. ولكن، بكلّ أسف، إسرائيل، الّذي حظي بنِعَم كثيرة من عند الله، كان القيّمون على الشّريعة فيه، إلى حدّ بعيد، متكبّرين ومرائين. طبعًا، كان هناك أيضًا أناس طيّبون ومؤمنون. ولكن، الرّبّ يسوع أراد أن يعطي قائدَ المئة هذا مثالاً لليهود، حتّى يتعلّموا أنّ ما يقرّبهم إليه هو تواضعهم، وليس شيئًا آخر. وكان أن أعطى الرّبّ يسوع قائد المئة ما أراد؛ “فشُفي فتاه في تلك السّاعة”. هذا بالنّسبة إلى قائد المئة.
هل يمكننا أن نعمّم القول في شأن عمل تواضع القلب على الشّعوب الّتي لا تعرف المسيح؟! قائد المئة، لأنّه كان متواضعًا؛ آمن، وعرف يسوع؛ فأعطاه الرّبّ يسوع بركة عظيمة. هل شعوب الأرض أيضًا يتعامل معها الرّبّ الإله بهذه الطّريقة؟! – الجواب: نعم، لأنّ الرّبّ يسوع قال: “إنّ كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب”، والمقصود بهم الأمميّون، أي غير اليهود. “سيأتون من المشارق والمغارب، ويتّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السّموات”. إذًا، سيكون لهم مكان في ملكوت السّموات. وإبراهيم وإسحق ويعقوب هم الآباء القدّيسون. “أمّا بنو الملكوت، فيُلقَون في الظّلمة البرّانيّـة”. مَن هم بنو الملكوت؟! – هم اليهود أنفسهم، الّذين كان يُفترَض أن يكونوا أوّل المخلَّصين، لكنّهم هم الّذين صلبوا الرّبّ يسوع، هم الّذين تآمروا عليه، هم الّذين أهانوه، هم الّذين ضربوه، هم الّذين بصقوا عليه، وهم، في النّـتيجة، مَن حكموا على أنفسهم بالظّلمة البرّانيّة. لذلك، قال يسوع في شأنهم: “بنو الملكوت يُلقون في الظّلمة البرّانيّة”. إذًا، بالنّسبة إلى شعوب الأرض، كلّها مدعوّة إلى أن تؤمن بالرّبّ يسوع. أحيانًا، بعضنا يتساءل: ما مصير النّاس الّذين لا يؤمنون بالرّبّ يسوع؟! هل، يا ترى، هؤلاء النّاس يلقيهم الرّبّ في جهنّم لأنّهم لم يتسنَّ لهم أن يعرفوه؟! – لا، أبدًا! هذا غير صحيح! والجواب أيضًا موجود هنا، في إنجيل اليوم. إذا كان قائد المئة قد نال حظوة عند الرّبّ يسوع بسبب تواضعه الكبير؛ فكلّ إنسان، في الحقيقة، كائنًا مَن كان، وأينما كان، ينال حظوة عند الله، إذا كان متواضع القلب. التّواضع أمر عظيم جدًّا، لأنّ ميل الإنسان التّلقائيّ هو إلى الاستكبار. النّاس يهمّهم كثيرًا أن يتباهوا بأنفسهم، وأن يتكلّموا على ذواتهم، وأن يعتبروا أنفسهم أفضل من سواهم، وأن يدينوا الآخرين حتّى يظهروا كأنّهم أفضل من غيرهم!… هذا هو الميل التّلقائيّ عند كلّ البشريّة. فإذا انوجد قوم، هنا وهناك وهنالك، يميلون بالأحرى إلى تواضع القلب، ولا يستغلّون سلطانهم، ويتعاملون مع الآخرين برفق ورقّـة، ويحترمون النّاس، ويجعلون أنفسهم في خدمة النّاس، ويعتبرون أنفسهم كأنّهم لا شيء، كأنّهم خدّام، ويتصرّفون بتواضع قلب؛ فبصورة تلقائيّة، روح الرّبّ يتحرّك في اتّجاههم. أهمّيّة تواضع القلب أنّ الإنسان، عندما يكون متواضع القلب، يشبه الإنسان الّذي كان أعمًى فأبصر. إذا رأينا إنسانًا أعمًى العينين، لا يرى شيئًا، لا يرى النّور؛ فهذا الإنسان يعيش في ظلمة مُطبِقة. الإنسان المتكبّر، الّذي يبحث دائمًا عن كرامة نفسه، ويدين الآخرين، ويعتبر نفسه أفضل من غيره هو إنسان أعمًى. ولكن، إذا كان يريد أن ينعم بنعمة البصر، فعليه أن يتّضع بالمعنى الّذي ذكرت. إذا تواضع الإنسان، فعين القلب، إذ ذاك، تنفتح، لأنّ القلب، بلغة الكتاب، يُقال عنه إنّه العين؛ فإذا انفتح القلب، فهذا يعني أنّ الإنسان صار بإمكانه أن يُبصر نور الله. هذه هي القيمة العظيمة للتّواضع: أنّه يساعد الإنسان على البصر، على استعادة البصر. يصير بإمكانه أن يرى، وأن يعاين الحقّ، في هذه الدّنيا. هناك أناس كثيرون لا يعرفون أن يميّزوا بين الحقّ والباطل. أمّا الإنسان المتواضع، فهو مستعدّ دائمًا لأن يقول عن الحقّ إنّه الحقّ، وعن الباطل إنّه الباطل، بغضّ النّظر عن مصلحته الشّخصيّة. الإنسان المتواضع القلب يشهد للحقّ، حتّى لو لم يكن الأمر في صالحه هو شخصيًّا، ولا يقبل أن يكون كاذبًا، أو مرائيًا. لهذا السّبب، التّواضع مرتبط بالشّهادة للحقّ. وطالما التّواضع مرتبط بالشّهادة للحقّ، فهو مرتبط بالله، لأنّ الله، في نهاية المطاف، هو الحقّ. هو قال عن نفسه: “أنا هو الحقّ”. إذًا، الإنسان المتواضع يصير قريبًا جدًّا من الله، ولا نعرف كيف يأتي الرّبّ إليه. ولكن، بإمكاننا أن نؤكّد أنّ الرّبّ الإله يأتي إليه! لأنّ الله هو إله القلوب، هو علاّم القلوب، وهو يريد لجميع النّاس، إذا أمكن، أن يخلصوا؛ فأينما كانوا – هنا، أو في الصّين، أو في أمريكا، أو في روسيا، أو في أزربيجان، أو في أيّ مكان، وحتّى لو لم يسمعوا بآذانهم الخارجيّة بيسوع المسيح – إذا سلكوا بتواضع قلب، وكانوا شهودًا للحقّ في الموضع الّذي هم فيه؛ فإنّ الرّبّ الإله ينير قلوبهم، ويأتي إليهم بطريقة لا نعرفها. أحيانًا نعرف، إذ هناك قصص، في السّنكسار، عن حياة القدّيسين، تدلّ على أنّ الرّبّ يأتي إلى النّاس الّذين يشتاقون إليه، الّذين يرغبون فيه، الّذين يتمنّون أن يتعرّفوا إليه!
إذًا، كلّ شعوب الأرض هي برسم الخلاص. والرّبّ الإله لا يحرم أحدًا إطلاقًا. لا تظنّوا أبدًا أنّ الرّبّ متّكل علينا كلّيًّا حتّى نبلّغ رسالة الخلاص إلى كلّ العالم! لا! الرّبّ كلّفنا، وقال لنا: “اذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والرّوح القدس”. ولكن، ليس هذا بالمعنى الحصريّ للكلمة. هو يعمل معنا. روح الرّبّ يعمل معنا بصورة دائمة. وحيثما نقصّر نحن، فإنّ روح الرّبّ يملأ كلّ نقص. لهذا السّبب، كلّ شعوب الأرض لها أن تخلص. ولكن، عليها، أوّلاً، أن تسلك في تواضع القلب، وأن تشهد للحقّ. الفيلسوف اليونانيّ سقراط، مثلاً، رفض أن يشهد للباطل، وتمسّك بالحقّ، في زمانه، على طريقته. طبعًا، في زمانه، لم يكن يسوع قد جاء بعد. فكان أن قُتل سقراط، لأنّه تمسّك بالحقّ الّذي رآه. لهذا السّبب، في كنيستنا، في بعض المناطق، على الأقلّ، هناك ميل لاعتبار سقراط أحد القدّيسين الّذين سبقوا مجيء الرّبّ يسوع المسيح. إذًا، الرّبّ بذر بذور الحقّ في كلّ الأرض. وكلّ النّاس قادرون على أن يعرفوا الحقّ. وكلّ مَن يشهد للحقّ لا يمكنه، إطلاقًا، أن يقول عن الرّبّ يسوع سوءًا! الشّهادة للحقّ تجعل الإنسان مائلاً، بصورة تلقائيّـة، إلى الرّبّ يسوع، وإلى الشّهادة للرّبّ يسوع. لذلك، ترون، اليوم، مثلاً، بين المسلمين، أنّ العديد منهم يؤمنون بالرّبّ يسوع على طريقتهم. في صيدنايا، يأتي كثير من النّاس المسلمين، ويطلبون من والدة الإله ومن الرّبّ يسوع أن يشفياهم من أمراضهم ومن عللهم. وإذا تكلّمنا على المسلمين، فبإمكاننا أن نتكلّم على أيّ شعب من شعوب الأرض. لا يمكننا، إطلاقًا، أن نقول عن شعب ما إنّ الرّبّ الإله قد حرمه بالكامل من معرفة الحقّ والشّهادة له.
إذًا، بذور الحقّ مبذورة في كلّ الأرض. ونحن، طبعًا، كمسيحيّين، إذا كنّا قد عرفنا الرّبّ يسوع، فعلينا أن نشهد له. ولكن، علينا أن نعرف، في آن معًا، أنّ الرّبّ الإله عنده طرق نحن لا نعرفها، وهو بهذه الطّرق لا يترك إنسانًا واحدًا، في الدّنيا، إلاّ يعطيه فرصة للخلاص، فرصة لمعرفة الحقّ، فرصة للتّواضع. ولكن، طالما كان الإنسان مستسلمًا لكبريائه ومحبّته لذاته، ومعتدًّا بفكره ورأيه، ولا يبالي بكلمة الله، ولا بالحقّ، ولا بالتّواضع؛ فبطبيعة الحال، هذا الإنسان ليس الله هو الّذي يحرمه الخلاص، بل هو يحرم نفسه، بسبب موقفه من الحقّ، وبسبب عدم تواضعه. إذًا، ما دام الأمر كذلك، فسبيلنا، أوّلاً، أن نفرح بأنّ الرّبّ الإله يريد حقًّا أن يخلّص جميع النّاس، لو أمكن. وفي آن معًا، علينا أن ندرك أنّنا مشاركون لله في هذا العمل العظيم، الّذي هو أن نتعامل مع النّاس بتواضع قلب، وأن نشهد للحقّ، وأن نشهد للرّبّ يسوع. نحن مُطالبون بذلك؛ فإذا ما فعلناه، إذا ما سلكنا فيه، فإنّ الرّبّ الإله يُقيم فينا، ويجعلنا من أبنائه. والمهمّ للإنسان، أوّلاً وأخيرًا، أن يصير ابنًا لله. آمين.

عظة في الأحد 20 حزيران 2010، حول متّى8: 5- 13.

admin:
Related Post