X

بحث في التراث الأرثوذكسي

عظة حول المرأة السامرية

الميتروبوليت أنطون (بلوم) مطران سوروز


نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

لم يعطِنا الكتاب المقدّس اسم المرأة السامرية. لكن تقليد الكنيسة يتذكّرها ويسمّيها بالبونانية فوتيني، وبالروسية سفاتلانا، وفي السلتية فيونا وفي اللاتينية كلار، وبالعربية منيرة. كل الأسماء تتحدّث عن شيء واحد: النور.

بعد أن التقت بالسيد يسوع المسيج صارت نوراً مضيئاً للعالم، نوراً ينير الذين يلتقونها. كل قديس مُعطى لنا كمثال، لكننا لا نستطيع أن نحاكي تماماً الطرق التي سلكوا فيها بحياتهم. لا يمكننا أن نعيد دوماً الطريق الذي سلكوه من الأرض إلى السماء. لكن يمكننا أن نتعلّم من كلّ منهم أمرين. الأول هو أنّنا بنعمة الله نستطيع أن نحقق ما يبدو بشرياً مستحيلاً، أي أن نصير شخصاً على صورة الله ومثاله، أي أن نكون – في هذا العالم، عالم الظلام والمأساة التي في قوة الكذب- كلمة حق، رمز رجاءٍ، واليقين بأنّ الله يغلب فقط إذا أعطيناه السلطان على نفوسنا. إذ إن لم يتوطّد ملكوت الله في داخلنا، إن لم يُتوَّج الله في عقولنا وقلوبنا، كنارٍ تبيد كلّ ما لا يليق بنفوسنا وبه، لا يمكننا أن ننشر النور الإلهي من حولنا.
الأمر الثاني الذي يعلّمنا إياه القديسون هو أن نفهم الرسالة التي تحملها أسماؤهم. والمرأة السامرية التي نذكرها اليوم تتحدّث عن النور. قال المسيح أنّه هو نور العالم، النور الذي ينير كل إنسان. ونحن مدعوون إلى أن نقدّم لهذا النور المسكن في نفوسنا وعقولنا وقلوبنا، بالواقع في كلّ داخلنا. هذا حتّى تتحقق كلمة المسيح وتكمُل فينا ومن خلالنا “فليُضِئْ نورُكُمْ هكَذا قُدّامَ النَّاسِ، لكَيْ يَرَوْا أعمالكُمُ الحَسَنَةَ، ويُمَجّدوا أباكُمُ الَّذي في السَّماواتِ.”
فقط برؤية أعمالنا وطريقة عيشنا يؤمن الناس بأنّ النور هو نور الله. ليس بكلماتنا إلا إذا كانت كلمات الحق وذات قوة كقوة كلمات الرسل، أي من المسيح فعلياً. ولنفكّر، كل واحد منّا، بمعنى اسمه والطريقة التي يُدعى بها.
لم تأتِ المرأة السامرية إلى البئر لهدف روحي، بل أتت كعادتها اليومية لجلب الماء، والتقت بالمسيح. كلٌ واحد منّا قد يلتقي إلهنا عند أيّ منعطف في حياتنا، حتى عندما ننهمك بأعمالنا البيتية، إذا ما كانت قلوبنا مضبوطة في الاتّجاه الصحيح، إذا كنّأ مستعدّين لتقبّل رسالة، لنستمع، لنسأل أسئلة؛ بالواقع لنسأل أسئلة! فالمرأة السامرية سألت سؤالاً للمسيح ووما سمعته تخطّى سؤالها حتّى أنّها تعرّفَت فيه إلى نبي، ولاحقاً المسيح مخلّص العالم.
لكن لا ينبغي أن يُوضَع النور تحت المكيال. إذ اكتشفت السامرية أن النور أتى وهو في العالم، وأنّ كلمة الحقيقة الإلهية تدوّي بين الناس، وأن الله بيننا، تركت وراءها كل اهتماماتها وركضت لتشارك مع الآخرين فرح وعجبَ ما اكتشفته. لقد جلبت مواطنيها إلى المسيح. أخبرتهم أولاً سبب إيمانها، ومن ثمّ جلبتهم إليه ربّما بسبب الفضول أو بسبب قوة الكلمات المقنِعَة والتغيّر الذي جرى فيها. فرأوا بأنفسهم وقالوا لها أنهم لم يعودوا يؤمنون بسبب ما قالته بل هم قد رأوا وسمعوا. وهذا ما تعلّمه المرأة السامرية لنا جميعاً: أن نكون منفتحين في كلّ لحظة من الحياة، حتّى عندما انشغالنا بأبسط الأمور، لنتلقّى الكلمة الإلهية، لنستنير بالنور الإلهي، لنتنقّى بطهارته، لنستقبله في أعماق نفوسنا، نرحّب به بكلّ حياتنا، حتّى أن الذين يرون ما صرنا إليه يؤمنون بأن النور أتى في العالم.
لنصلِّ إلى المرأة السامرية أن تعلّمنا وتقودنا وتأتي بنا إلى المسيح بالطريقة التي هي أتت بها، وأن نخدمه بالطريقة التي خدمته، فهي كانت الخلاص لكلّ من كان حولها. ولتكن بركات الرب عليكم، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

admin:
Related Post