الحياة الاجتماعيّة عند القدّيس سمعان اللاّهوتيّ الحديث
إعداد راهبات دير مار يعقوب الفارسي المقطّع، دده – الكورة
عن كتاب سيرة القدّيس سمعان بالفرنسيّة
لم تكن اهتمامات القدّيس سمعان بطابعها الأخلاقيّ والتربويّ والروحيّ، تنحصر بالأمور الديريّة فقط، بالرغم من اعتزاله النهائيّ للعالم وطبيعة حياته التوحّديّة. بل طالت اهتماماته حياة العلمانيّين والمجتمع بشكل عامّ.
انتقد سمعان، وبشدّة، النظام الاجتماعيّ المؤسّس على الثروات الماديّة، مرتكزاً في انتقاده هذا على مبادئ تطبيق الوصايا الإنجيليّة، مقتفياً بذلك النهج الروحيّ الذي اختطّه القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم. لقد أدان القدّيس سمعان، في تعاليمه، مؤسّسات القطاع الخاصّ وتملّك الأراضي، وبشكل عامّ قنية الأموال كمصدر للاّمساواة الاجتملاعيّة ولآلام الفقراء. ويقول: “إنّ الأموال والخيرات الموجودة في العالم تخصّ الجميع كما هو الحال بالنسبة للنور والهواء الذي نستنشقه. كلّ الأشياء خُلقت من أجل الكلّ، لكي يستفيد ويتنعّم بها الجميع. أمّا بالنسبة للأملاك، أي الأراضي، فهي ليست ملكاً خاصّاً لأحد. لكنّ الطمع المستبدّ بالإنسان جزّأ خيرات هذه الأرض بطريقة وأخرى على خدّامه والخاضعين له، وأغلق عليها داخل الأسوار، وأحاطها بأبراج ومزاليج منيعة، محرِّماً على الآخرين التمتّع بخيرات السيّد الإله، ومستأثراً بها، ظانّاً بأنّها لا تشكّل أيّ ضرر لأيّ كان، ناسياً أنّ الذي يخدم هذا الهوى، أي الطمع، يصبح ليس فقط سيّداً على الأملاك والخيرات المخبّأة في الأهراءات، ولكنّه يصير عبداً وحارساً شرّيراً لها”.
كما يدين القدّيس، بقساوة، ظلم المجتمع وجوره قائلاً: “لقد أوحى لنا الشيطان بأن نقتطع لنفوسنا أملاكاً، ونختصّ لذواتنا أراضٍ، وندّخر أموالاً تجعلنا مستحقّين القصاص الأبدي والدينونة: ندان، أوّلاً، لفقدنا الرحمة تجاه القريب. وثانياً، لأنّنا وضعنا رجاءنا على الخيرات الماديّة المذخورة وليس على الله. هذا الإنسان يحاسب كمذنب كونه مسؤولاً، في وقت من الأوقات، عمّن فقدوا حياتهم بسبب الجوع أو العطش، في حين كان يستطيع إطعامهم ولم يطعمهم، خافياً حصّة الفقراء، تاركاً إيّاهم يموتون من الجوع والبرد. لقد ظهر قاتلاً لأخيه الإنسان أكثر من مرّة مَن كان باستطاعته إعالة الكثيرين”.
إنّ القدّيس سمعان ليس مصلحاً اجتماعيّاً، ولا هو يطرح حلولاً محسوسة لتحسين حياة البشر الماديّة على الأرض، فضلاً عن أنّ الفقر، بحدّ ذاته، لا يعتبر شيئاً بالنسبة إليه، بل هو، على العكس، يساعد المؤمن على السلوك وفق تعاليم السيّد مقتدياً به إذ يقول: “من أجلك صار الله إنساناً وفقيراً، فعليك، بالمقابل، أنت، أيضاً، الذي تؤمن به أن تصير فقيراً من أجله. هو فقير بحسب الطبيعة البشريّة، وأنت فقير بحسب الألوهيّة. افتقر السيّد لكي تغتني أنت، ولكي يجعلك مشاركاً له في خيرات النعمة الإلهيّة. لهذا السبب اتّخذ جسداً لكيما يكون لك الشركة في ألوهيّته”. ثمّ يضيف: “من المؤكّد أنّه جيّد ومفيد أن يوزّع الإنسان ثروته على الفقراء. كذلك يجب أن يعلم من ترك العالم وكلّ مافيه حبّاً بالله أنّ هذا، وحده أيضاً، لا يكفيه لكي يكون كاملاً في عينيّ الله من دون الصبر على التجارب”.
يُظهر القدّيس سمعان في تعاليمه موقفه تجاه كبار هذا العالم مقارناً بين الملك الأرضيّ والملك السماويّ فيقول: “نعم، في المفهوم البشريّ الكلّ، تقريباً، يطرح جانباً، وباشمئزاز، الضعفاء والفقراء والمساكين، حتّى إنّ الملك الأرضيّ لا يحتمل رؤيتهم، والأغنياء ينظرون إليهم باستخفاف واستهزاء دون أيّ اعتبار أو أهميّة. مرافقتُهم تبدو غير مستحبّة، وغير مرغوبة من أحد. ولكنّ الله الذي تخدمه القوّات الملائكيّة بأعداد لا تحصى، والذي يحمل الكلّ بكلمة قوّته، والذي لا يستطيع أحد أن يصمد أمام عظمته، لم يأنف من أن يكون أباً وصديقاً وأخاً لهؤلاء المرذولين من الجميع”.
ويصرّح القدّيس سمعان بأنّ كلّ الجهود البشريّة التي جرت في مختلف المجتمعات من أجل إحلال السلام فيها، هي قابلة للفشل إذا لم تتوافق مع مشيئة الله أي مع إتمام وصاياه، ومعلا حياة مسيحيّة حقيقيّة فيقول: “كيف يمكن أن يكون مسالماً ذاك الذي أصبح غريباً عن الله، ولا يسمع الصوت القائل: أنتم رسالة المسيح، فتصالحوا مع الله على الأرض. كلّ من يتخطّى الوصايا الإلهيّة يُعتبر مقاوماً لله، وهو، ولو حقّق السلام بين الناس، يبقى عدواً لله، لأنّه لم يطبّقه بحسب مرضاته. فإذا كان هذا الإنسان هو نفسه عدوّاً لله، فيكون، بالتالي، أولئك الذين تصالحوا فيما بينهم، بواسطته، أعداء لله أيضاً”.
نستطيع أن نستنتج بأنّ موقف القدّيس تجاه العالم وواقعه يبقى دائماً الموقف المسيحيّ الغير المزيّف، الغير المشوّه، مخصِّصاً كلّ شيء لله ولإرادته. لم يكن القدّيس أبداً لا مبالياً تجاه ما يجري في العالم بالرغم من أنّه راهب، محقّقاً بذلك أنّ الراهب، ولو ابتعد عن العالم جسديّاً إلاّ أنّه يحمل همومه في صلاته. كان القدّيس واثقاً بأنّه لكي يتغلّب الإنسان على شروره عليه أن يغلب، أوّلاً، الخطيئة الموجودة داخله، وأن يرفض كلّ ما يمكن أن يبعده عن الله.