حول رسالة أحد الابن الشاطر
الأب أنطوان ملكي
“كلّ الأشياء تحلّ لي لكن ليس كلّ الأشياء توافق، كلّ الأشياء تحلّ لي لكن لا يتسلط عليّ شيء.” هذه الآيات هي القاعدة المسيحية للسلوك، إنّها قانون المسيحية. نحن لا نتعاطى مع الأشياء بمجرّد تصنيفها “حرام وحلال”، فالحَلال هو ما يبني الإنسان ويثبّته في المسيح. ألاّ يتسلّط عليّ شيء أمر مرتبط بحريّتي، إذ عندما يتسلّط عليّ أيّ شيء أصير عبداً له، بينما أنا عبد للمسيح فقط وهو يمنحني حرية أبناء الله. كلام الرسول كان محرَّكاً بالدرجة الأولى برغبته في أن يبعِد الكورنثيين عن الزنا، لكن الآية تنطبق على كلّ شيء في أيامنا: الطعام، اللباس، المال، الرياضة، التلفزيون، العلوم، العادات، العمل…
لكن كيف أميّز بين ما يحلّ وما لا يحلّ، بين ما ينفع وما لا ينفع. بالدرجة الأولى، الروح القدس يرشدني لما يوافق ويبني. من ثمّ عليّ أن أسأل نفسي في مواجهة أي موضوع: هل هذا الأمر يوافقني كابن لله؟ لو كان المسيح مكاني أكان سيختار ما أختاره؟ هل يبنيني هذا الخيار ويزداد به ثباتي في المسيح وحبّي له وقربي منه؟ هل يعرّضني هذا الخيار لأن أكون عبداً لعادة ما (سيجارة، فنجدان قهوة…)؟ أنا صرت حراً لأنّ المسيح حررني، ولكن حريتي تضبطها قواعد روحية بالدرجة الأولى وأخلاقية بالدرجة الثانية، وليس شعاري الحرية لأجل الحرية. هدف حريتي الأول هو أن أختار ما هو خير وأرفض ما هو شرير.
يختم الرسول هذا النص من الرسالة بقوله “مجّدوا الله في أجسادكم”. نحن نعرف أنّ أجسادنا هي هياكل الله. وقد شرح لنا الرسول كيف أنّ الزنا هو إساءة إلى هذا الهيكل، وبالتالي لصاحبه، أي الله. فالبعد عن الخطية بالجسد وحفظه طاهراً، لا يحفظه كهيكل لله وحسب بل يمجّد الله فيه. الجيد يمجّد الله حين يكون منضبطاً، خادماً لله وللجميع بكل طاقاته، متعبّداً، محتملاً للآلام بشكر، غير مكتئب في الضيقات، صائماً، غير ساعٍ وراء ملذات الدنيا. عندما يكون الجسد خادماً يشابه سيده الذي أتي ليَخْدِمْ لا ليُخْدَمْ. الله أعطانا جسده طعاماً ودورنا أن نعطيه جسدنا هيكلاً لهُ. ويتابع الرسول: “وفي أرواحكم”. نحن نمجّد الله بأرواحنا بالالتصاق به وبالسلوك خاضعين للروح القدس. هذا يستدعي أولاً ألاّ نقاوم صوته حتى لا ينطفئ، بل أن نتجاوب معهُ فنمتلئ من نعمته.
نحن نمجّد الله عندما نخضع أجسادنا لأرواحنا ونخضع أرواحنا للروح القدس. هذا يكون بأن نبتعد عن كلّ سلوك رديء، خصوصاً الزنا، كما أنّه يتحقق بأن نحرص علي الاتحاد بالله، وذلك بالبعد عن كلّ ما يفقدنا نقاوتنا ويدنّس أفكارنا، وبأن نسلك إيجابياً بعمل الِبر والبعد عن خطايا الروح، كالكبرياء والشك والحقد.
ترتّب الكنيسة هذه الرسالة في أحد الابن الشاطر لتهيئنا للتريودي الذي يدخلنا إلى الصوم الكبير حيث نختبر حريتنا بشكل أكثر قوة: فنحن نصوم فيما يمكننا أن نأكل، ونحن نكثّف صلواتنا فيما قد يريحنا ألا نأتي إلى الكنيسة، ونحن نزيد من الإحسانات فيما الأوفر علينا هو أن نحفظ قرشنا الأبيض. إنّ التزامنا بالصوم هو دليل على حريتنا التي نضعها بتصرّف المسيح، وهو إثبات على أننا نعرف ما الذي يحلّ لكننا نختار ما يوافق.