مزايا تلاميذ الرّبّ
الأرشمندريت توما بيطار
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
تلاميذ الرّبّ يسوع مساكين، وجياع، وباكون! أوّلاً، هم مساكين لأنّهم فقراء، بالنّسبة إلى ما في هذا الدّهر. هم فقراء لأنّهم لا يطلبون شيئًا، ولا يريدون شيئًا، ولا يتمسّكون بشي،ء في هذا الدّهر. يكفيهم أن يأكلوا كفافهم، وأن يشربوا، وأن يكون لهم لباس بسيط، على ما قال الرّسول بولس: “وإن كان لنا قوت وكسوة، فلنكتفِ بهما”. تلميذ الرّبّ يسوع فقير، لأنّه يطلب الغنى السّماويّ. مستحيل أن يكتنز الإنسان الغنى الأرضيّ، وأن يكون له كنز سماويّ، في أن واحد. هذا ليس معناه أنّ الأغنياء لا يخلصون. ولكن، على الأغنياء أن يتصرّفوا كفقراء، لا كأغنياء! عليهم أن يكونوا شركاء، في ما عندهم، مع المحتاجين. لهذا السّبب، على كلّ إنسان، إذا رغب في أن يتبع الرّبّ يسوع، أن يسلك في الفقر. والفقر ليس أبدًا موضوع مال: أن يكون لنا مال أو لا يكون لنا. الفقر، بالدّرجة الأولى، أن يجعل الإنسان كلّ ما لديه، من دون استثناء، عند قدمي الرّبّ يسوع، ولا يطلب شيئًا لنفسه، إلاّ ما هو ضروريّ لحاجة الجسد. إذًا، الفقر موقف روحيّ.
وبالإضافة إلى الفقر، المطلوب أيضًا أن يكون الإنسان في الجوع، أن يصوم، ألاّ يشبع من شيء، في هذا الدّهر. إذا أكل، عليه أن ينتبه لكي يبقى جائعًا؛ وإذا شرب، عليه أن ينتبه لكي يبقى عطشًا. علينا، إذا أردنا أن نتبع الرّبّ يسوع، ألاّ نأخذ شيئًا بكفاية، في هذا الدّهر. نحتاج دائمًا إلى أن ينقصنا شيء ممّا نحتاج إليه هنا. هذا جوع إراديّ؛ وهذا، بالتّالي، جوع مبارك، لأنّنا نعبّر به عن كون حياتنا ليست ممّا نأكل وممّا نشرب. وفي آن معًا، نعبّر عن توقنا، وشوقنا، وسعينا لأن نمتلئئ من الخبز السّماويّ، من الرّبّ يسوع. الرّبّ يسوع هو الخبز الحقّ. نحن نحتاج إلى أن نتملأ منه، ومنه وحده. المهمّ أن يطلب الواحد منّا الرّبّ يسوع في كلّ حال، أن يكون جائعًا إليه، جائعًا إلى حضوره، جائعًا إلى محبّته، جائعًا إلى حنانه، جائعًا إلى كلمته، جائعًا إلى وصاياه! “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله”.
وإلى ذلك أيضًا، نحتاج إلى أن تكون لدينا دائمًا دمعة داخليّة، ودمعة خارجيّة، إذا منحنا إيّاها الرّبّ الإله. نبكي على أنفسنا، ونبكي على العالم، لأنّنا مُقصّرون من جهة محبّة الله. الرّبّ الإله أحبّنا وأعطانا كلّ شيء، أعطانا نفسه، ونحن دائمًا نقابله بالكثير من الإعراض. المسيح دائمًا مجروح! مجروح في محبّته، لأنّه يمدّ نفسه إلى كلّ واحد، فيما كلّ واحد يطلب ما لنفسه! لهذا السّبب، نحتاج إلى أن نبكي على قساوة قلوبنا، وعلى قساوة قلوب العالمين. وهذا يأتي من غصب النّفس على الوصيّة الإلهيّة، من معرفة الله بصورة متنامية. كلّما عرفناه، عرفنا أنّنا لا نعرفه، كما ينبغي لنا أن نعرفه. كلّما عرفناه، ألفينا أنفسنا قساة الرّقاب والقلوب، من جهة محبّته. وهذا كلّه يجعلنا في غصّة، والغصّة في حاجة إلى أن تستحيل دمعة داخليّة دائمة، ودمعة خارجيّة أيضًا. لذلك، الّذين لا يبكون لا يكون لهم نصيب في الملكوت.
في نهاية المطاف، الإنسان المؤمن، متى عرف الله، هو الإنسان الّذي يبكي. بإزاء محبّة الله، ليس لنا سوى أن نذرف الدّمع، أن نردّد مع الرّسول بطرس: “اخرج، يا ربّ، من سفينتي، فإنّني إنسان خاطئ”! كلّما عرف الإنسان نفسه أنّه خاطئ، عرف الله؛ وكلّما عرف الله، وجد نفسه غير مستحقّ له؛ وكلّما وجد نفسه غير مستحقّ له، كان مستعدًّا لأن يذرف الدّمع على نفسه وعلى كلّ العالم. الدّمع هو الّذي يوحّد الإنسان، لا بالله فقط، بل بالعالم كلّه. كيف يمكننا أن نتّحد بالنّاس؟! – بهذه المحبّة المجروحة. الرّبّ يسوع اتّحد بنا بمحبّته المجروحة. ويسوع بكى! بكى على لعازر، بكى على البشريّة! ونحن أيضًا في حاجة إلى أن نبكي حتّى تتحقّق وحدتنا مع الله، وحتّى نصير والعالم أجمع واحدًا. بالدّموع، في الحقيقة، نقدّم البشريّة إلى الله. في نهاية المطاف، قربان القلب هو البكاء! هو القربان الّذي يحبّه الرّبّ يسوع، لأنّه يعبّر تعبيرًا نقيًّا صافيًا عن المحبّة الصّادقة الكاملة الّتي في القلب. متى بلغ الإنسان مرحلة ذرف الدّمع، بشكل متواصل، على نفسه والعالم؛ إذ ذاك، في الحقيقة، يكون على عتبات الكمال الإنجيليّ. والرّبّ الإله يعزّيه. البكاء، في نهاية المطاف، هو بكاء مُفرِح، بكاء معزٍّ، ولو كان في بدايته بكاء مرًّا. ولكن، بعد ذلك، يفرح الإنسان بأن يبكي، لأنّه بهذا البكاء يدخل في محبّة الله، ويُدخل الآخرين إلى ذاته، إلى حياته، إلى رحمته، إلى قلبه. بالدّمع، يصير الكلّ واحدًا.
القدّيسون عرفوا، أوّلاً وقبل كلّ شيء، أن يفتقروا ليغتنوا بالغنى السّماويّ. وعرفوا أيضًا أن يجوعوا ليتسنّى لهم أن يشبعوا من كلمة الله. وأخيرًا، قدّموا، بالدّمع، أنفسهم فتقدّسوا وصاروا لنا معلّمين وشهودًا لمحبّة الله الفاعلة في البشريّة. فالمجد لله على ما أعطى، وعلى ما يُعطي في كلّ حين
آمين.
عظة في يوم الجمعة 4 كانون الأوّل 2009 حول لو6: 17- 23.