الشيطان وكيفية مواجهته – 2
الأرشمندريت باسيليوس باكويانيس
نقله إلى العربية الأب أنطوان ملكي
هذا النص هو الجزء الثاني من كتاب ” الشيطان وكيفية مواجهته” الذي سوف يُنشَر على مراحل.
2-3 رئيس هذا العالم (يوحنا 21:12)
نحن نعيش في عالم آثم يُرتَكَب فيه كل يوم ألف خطيئة وخطيئة (سرقة، أعمال سلب، قتل…)، في كل الأرض وليس في مكان واحد. حتّى أن هذه الأمور الرهيبة صارت عادية لكثرة ما تتكرّر. ولكنها ليست مستجدّة اليوم، فقد كان الأمر على هذا المنوال دوماً، منذ بداية البشرية إلى اليوم. بتعبير آخر، خلال هذه الآلاف من السنوات، منذ السقوط إلى اليوم، لم يكن هناك يوم واحد سادت فيه المحبة والعدالة والسلام ومحبة الآخرين. يبدو أن رئيس هذا العالم هو الشيطان. إنه حاكم هذا العالم! هذا ما قد يبدو، دون أن يكون هذا حقيقة الأمر.
سبب الشر
لنتذكرّن أنّ الشيطان هو مَن يزرع فكرة الشر في فكر كلّ منّا. من ثمّ، يتولى كلّ منا شخصياً إخراج الفكرة. بشكل أكثر تحديداً: يضع الشيطان في عقلنا أنّه علينا السرقة. لكننا نحن مَن يخطط المكان والزمان والطريقة والمادة التي سوف نسرقها. قد نخطط لأمر ما اليوم، ولأمر آخر غداً ولغيره في اليوم الذي يليه. إلى هذا، قد ننجز مخططاتنا ونبدأ بارتكاب السرقة، ولكن على الطريق، قد يخطر في فكرنا شيء آخر فنوقف كل عمليتنا. فنذهب إلى بيتنا لنضع مخططات جديدة. الآن، ماذا إذا باشرنا هذه المرة إلى السرقة وارتكبناها؟ أهو الشيطان الذي جعلنا نرتكبها أم نحن؟ أهو الذي وضع خططَنا، أهو فَتَح أيدينا للإمساك بشيء لا يخصّنا أم نحن مَن قام بذلك؟ نحن المسئولون عن هذه اللعبة. نحن سرقنا وليس الشيطان.
ينطبق الأمر نفسه على العمل الذي نقوم به، كما على أي أمر نعمله. نحن ننفذه. والأمر نفسه ينطبق على أصدقائنا، كما على كل الناس. بتعبير آخر، ليس الشيطان مَن يعمل الشر، بل نحن في ضعفنا. لو كان الشيطان هو مَن يعمل الشر، لكنا نحن أبرياء وما من داعٍ لمعاقبتنا. وبالتالي كنّ لنذهب إلى الفردوس مهما كانت الجرائم التي اقترفناها ووحده الشيطان يذهب إلى الجحيم.
الشيطان “الكليّ القوة”
لقد رأينا الشيطان يعذِّب الممسوسين. لكن هناك أمراً لم نعِرْه ما يكفي من الانتباه، وهو أنّه لا يعذّب ضحاياه ليلاً ونهاراً، لكن فقط في الفترات الفاصلة. في أغلب الوقائع، يتركهم ولا يزعجهم. لماذا؟ لمَ هذه الرحمة والتعاطف؟
إنه لا يتركهم بداعي الرحمة ولا بداعي التعاطف، بل بسبب الضعف. بتعبير آخر، إنّه لا يعذّب ضحاياه عندما يرغب بذلك، بل فقط عندما يسمح الله له بذلك. من دون سماح الله، لا يستطيع الشيطان أن يعذّب أحداً. قبل تعذيبه لأيوب البار، طلب الإذن من الرب (أيوب 2:2). إنه يعجز حتّى عن تعذيب الحيوانات من دون إذن السيدّ! تذكروا كيف سألته الشياطين أن يأذن لها بالدخول في قطيع الخنازير (مرقس 3:5). عندما دخلوا ركض القطيع إلى الجرف في البحر. هذا قد يبدو هلوسة!
لا يملك الشيطان أي حساب يسويه مع الخنازير، ولا مع البشر، خاصة المسيحيين منهم، لأنهم يؤمنون بالمسيح الذي هو عدوه. لكن، إذا كان الشيطان قد قضى على قطيع الخنازير بهذا الشكل الفظ، تخيّلوا كم يرغب بالقضاء على الناس! إنه يحبّ أن يدخل في كل واحد منّا، ليجعلنا نركض متهورين نحو المنحدرات وفي البحار ونسعى لهلاكنا، حتى لا يبقى ولا إنسان واحد على الأرض، خاصة من المسيحيين، ليعبد عدوه.
ومع هذا، دائماً وفي كل العصور، عاش الناس ومن بينهم المسيحيون. إذاً، سيد الكلّ يضبط الشيطان مضيقاً عليه. في هذه الحال، مَن هو سيد هذا العالم الفعلي؟
الله صالح
كون الله يضبط كلّ قوة الشيطان، يعني أنّه هو كلي القدرة، وبالتالي أكثر قوة من الشيطان. وعليه، إنه قادر على عمل أشياء مدهشة في أي وقت: أن يجعل الأرض ترتجف لساعات بنظرة والعالم كله يسجد له كإله وسيد، أن يجمّد اللص الماضي ليسرق، ومثله القاتل وغيرهما، حتى يبيد الشر من الأرض مرة وللأبد. الله قادر على جعل العالم فردوساً أرضياً. لكن الله لا يعمل ذلك مع أنه قادر، إلا إنه لا يريد. فيما الشيطان يريد ولا يقدر! لا يريد الله ذلك لأنه إله صالح، يريد عمل الصلاح بحرية لا تحت الضغط، لذا يترك كل شيء لنا.
2-4 دعوة للشيطان
إذا أردتم أن تدعوا أحد المعارف إلى عرس أو معمودية أو غيرها، ترسلون له دعوة. فالدعوة هي طريقة لإظهار رغبتكم بحضور هذا الشخص المحدد. تُرسَل الدعوات أيضاً للشيطان.
الألعاب، التعاويذ والحلى: تعاويذ الحظ
هناك “اختصاصيون” يصنّعون تعاويذ الحظ مع دعوات للشيطان. الناس، من غير أن يخامرهم شعور بوجود شيء، يلبسونها وفي جهلهم يدعون الشيطان إلى نفوسهم. ينتمي إلى هذه الفئة الأشياء المصنوعة من عظام الوطواط، حدوة الحصان والنجمة المخمّسة (ذات الخمسة رؤوس)، وغيرها.
الألعاب، التعاويذ والحلى: الألعاب
أخبرت ملكة السحر الأسود السابقة، دورين مارفين، استناداً إلى خبرتها، أن بعض الألعاب، مثل لوحة (ouija)، تشكّل خطراً استثنائياً على الأولاد. شون سيلر، وهو من عبدة الشيطان سابقاً، يتحدّث أيضاً، استناداً إلى خبرات، عن وجود حلى وألعاب يعتبرها الناس غير مؤذية، فيما هي للأسف عكس ذلك. هذا أمر يستحق التوقف عنده، إذ لدينا اعتراف شخصين سبق أن عملا للشيطان يتحدّثان عن أن الألعاب ليست كلها ما تبدو عليه.
قبل بعض السنوات، زار أحد الأثينيين الهند، وحمل معه تذكاراً لأحد أصدقائه إحدى الألعاب المحلية. وفي أحد الأيام، فيما كان هذا الصديق يتفرّس في هذه اللعبة بفضول، صدر عنها فجأةً صوت غريب وظهر الشيطان نفسه أمام الرجل!
الألعاب، التعاويذ والحلى: المجوهرات
يخبر شون سيلّر أن خلف كل صنم معبود في الهند يتخفّى أحد الشياطين. ما هو الصليب؟ إنه مجرّد مادة (خشب، معدن، إلخ) لا حياة فيها ولها شكل محدد. لكنه شكل يطرد الشيطان. الصنم، على المنوال نفسه، هو شيء لا حياة فيه وله شكل محدد. وكما أن شكل الصليب يطرد الشيطان، كذلك شكل الصنم يجذبه. لذا، المجوهرات التي لها أشكال الأصنام تستدعي الشيطان.
بعض النساء المزهوات، رغبة منهن في خلق “جو”، يزينّ بيوتهن بكل أنواع الأشياء ذات الأصول المجهولة. كيف لهنّ أن يكنّ أكيدات من أنهنّ لا يستدعين الشيطان إلى بيوتهن؟ القديس يوحنا الذهبي الفم واضح جداً حيال هذا الأمر: “… إذا زيّنتَ بيتك بطريقة مختلفة (أي غير مسيحية)، توجّه الدعوة للشيطان ورفقته”.
التأمّل
حتّى التأمّل الذي يمارسه معلمو ومناصرو العصر الجديد هو دعوة للشيطان. فهم يتواصلون معه من خلال “صلواتهم” وتركيزهم. على سبيل المثال، أخبرتني إحدى الفتيات في خريف 1989، بأنها ضُللت من قِبَل مجموعة من الشبان الذين يتبعون أحد المعلمين. وفي إحدى المرات أجرَت اختباراً، فيما كانت أرجلهم متشابكة وهم يمسكون بأيدي بعضهم البعض غارقين في التأمّل، كان معها العهد الجديد وراحت تردد الصلاة الربية بصمت وتوبة وندم. النتيجة كانت أن كل أفراد المجموعة عجزوا عن التركيز والتامّل. غضب قائد المجموعة وطردها. العهد الجديد والصلاة الربية قد مزّقا الدعوة التي كانوا يوجهونها إلى الشيطان بتأملهم.
اللغة البذيئة والتجديف
يعلّم القديس يوحنا الذهبي الفم أن اللغة البذيئة هي شكل آخر من استدعاء الشيطان: “اللغة البذيئة تلطّخ السمعة وتدعو الشياطين”. الأغاني ذات الكلمات الملتبسة وبعض أنواع الموسيقى هي دعوات للشيطان. إذا قلت لأحد ما بأن يذهب إلى “الجحيم”، يكون كلامك بمثابة توجيه الدعوة للشيطان.
أخبرني أحد سكان أخائية أنّ له ابنة متزوجة تعيش قرب عاصمة المقاطعة باترا. في إحدى المرات فقدت أعصابها وصرخت بابنها بأن يمضي إلى الشيطان. وما أن أنهت عبارتها حتى ظهر إبليس في البيت فوراً، بشكل مخلوق ذي جسد رجل من الخصر وما دون، بينما من فوق كان له شكل تيس أسود ذي قرنين، وفم مفتوح! وفي حادثة أخرى أن أحد الرجال غضب من ابنه كثيراً ولعنه قائلاً: “فليدخل الشيطان فيك”، وفجأة ظهر الشيطان أمامه قائلاً: “لقد استدعيتني وها قد حضرت”.
الفضول: قراءة كتب السحر
في زمان القديس ديونيسيوس الأولمبي، عاش في فاريا مسيحي متعلّم. في أحد الأيام، وصل إلى يديه أحد كتب السحر ومن باب الفضول قرأ بعض الاستدعاءات للشيطان. النتيجة كانت أنه في تلك الليلة رأى، كما في حلم، شيطاناً عملاقاً. “لقد أتيتُ لأنك استدعيتني”، تعالَ إذن واسجد أمامي، إذا أردتَ مني أن أخدمك”. فأجاب المسيحي مرعوباً: “أسجد أمام إلهي فقط وإياه وحده أعبد”. فقال له الشيطان غاضباً: “إن لم تكن تريد السجود لي، لماذا دعوتني؟”، وراح يضرب ضحيته بقساوة. استيقظ المسيحي وهو يعرق عرقاً بارداً وأحسّ بألم لا يُحتَمَل في وجهه. فراح يصرخ ويبكي. من ثمّ صارت حالته تتدهور فقد كان وجهه مملوءاً بالكدمات حتى أن عينيه كانتا مغلقتان. لكنه في النهاية شفي بصلوات القديس ديونيسيوس الأولمبي.
الفضول: الاختبار
جرت القصة التالية في السنة 1998 في إحدى المدن الكبيرة. سمعت أحدى الطالبات الثانويات أن بمقدورها استدعاء الشيطان إلى منزلها إذا أضاءت شمعة وقيّدت الكتاب المقدس بحبل ودلّته مقلوباً ورددت بعض “الصلوات”. فإذا راح الكتاب يتأرجح من الخلف إلى الأمام، يكون هذا إشارة بأن الشيطان في الطريق. ما أن أقامت الفتاة ذات الست عشر سنة “الشعائر” كما هو موصوف، وإذ بالكتاب المعلّق يتأرجح والطاولة ترشح دماً وفجأة ظهر الشيطان.
السحر
كل أنواع السحر، مهما بدَت “بريئة” و”غير مؤذية” (كالتعاويذ وغيرها)، هي استدعاءات للشيطان. في أحد الكتب التي تروي عجائب السيدة العذراء (الإيكوسيفينيسّا)، قصة امرأة لجأت إلى إحدى “السيدات الطيّبات” طالبةً إن تعيد زوجها، الذي كان يخونها، إلى رشده. فقرأت المرأة عليها بعض التعاويذ وأعطتها تسع حمّص لتضعها في المنزل. نفّذت المرأة التعيسة ما طلبت منها المرأة “الطيّبة”. فبدأت تحلم برجل ذي ملامح شنيعة يردد على مسامعها “سوف أقتلك”. إلى أن عادت إلى رشدها ولجأت إلى الكنيسة وشُفيَت بشفاعة والدة الإله.