لماذا أنا؟
“ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله”، (لوقا62:9)
ماريَّــا قبارة
بعد أن تتالت عليه ظروف صعبة من مرضٍ ومشاكل اجتماعية ثم وفيات، تذمر إلى الله بقوله: “لماذا أنا؟”
في الحياة تناقضات كثيرة ومصاعب جمّة وتجارب تمرّ على كلّ إنسان، ولا بدّ من مواجهتها بثقة وإيمان أن الرب أمين وهو من يعرف قدرتنا على تجاوز أزماتنا، أما نحن فما علينا إلاّ أن نترك الزمن يعالج المواقف الصعبة، ونلق على الرب همنا وهو يعيننا
وإذا تأملنا في ردود أفعالنا تجاه التجارب والأمور الحياتية التي تمرّ مع من حولنا نجد أننا نتطلّع إلى الناجحين منهم والمتميزين ونرغب أن نكون مثلهم ونطالب الرب بذلك غافلين أنهم أيضاً سيمرون بتجارب وصعاب. ونلقي الإرشاد على من يمرّ بأزمة قائلين: “هذا قصد الله ليجعلك نموذجاً للآخرين، وهذه حكمته”، أما في بيوت قلوبنا الداخلية لا نجدّ إلاّ الإدانة التي تحلل شخصية هذا الإنسان لنعرف أسباب مروره بهذه التجارب القاسية، ونبعد أنفسنا كأن لنا صفات تميزنا وتجعلنا بعيدين عن احتمال الوقوع في نفس تلك الظروف
ولماذا أكون متذمراً بما يمرّ معي من تجارب وأحزان؟ لماذا لا أكون أنا المثال والنموذج عن طريق هذه التجارب والصبر في المرض والموت؟ لماذا لا أقول: “ها أنا يارب إن قلبي مستعدٌ لتجعلني كما تريد وتقيمني أينما تريد”؟
وجلّ ما وهبنا إياه الله لهكذا أمور صعبة هو النسيان؛ العملية العقلية المقصودة؛ ولا يعني أبدا تجاهل الأمور والأشخاص، بل انتقاء ما ينفع من هذا الماضي الذي مرّ معنا. ونسيان الماضي وسيلة للتقدم للأمام، وبقدر ما ننسى نتقدم. “ليس احدٌ يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله” (لوقا62:9). ففي كلّ مرحلة جديدة علينا في الحياة أن ننسى ما هو وراء من تجارب وأحزان وصعاب لنمتدّ إلى ما هو أمام
لم ينهِ الرب عن الحزن الطبيعي، فالمسيح نفسه قد بكى. ولكنهّ سألنا ألاّ نحزن بشكل مفرط، ونهانا عن التذمر. فعلينا أن نرى لطف الله ومحبته في أيّ مصيبة ونتبعها بالشكر له
إنّ التجارب والصعاب ليست مؤذية بحدّ ذاتها، ولكن سوء تصرفنا وردود أفعالنا السيئة هي التي تؤذينا. إنّ المشاكل والصعاب لا مفرّ منها وإذا جلسنا واهتممنا بأنها سيئة وفيها نهاية حياتنا لن نستريح ولن نشعر بسلام الله، بل علينا أن نستغلها للنضج والنمو، فلها فائدتها في التعمق بالعلاقة مع الله ومع الآخرين ومع أنفسنا، فهي أداة الله في تشكيل شخصيتنا ونموها
إنّ نفوسنا تصغر أمام المشكلات والأزمات، ولكننا في هذه جميعها لنا رجاء وعزاء. فالرجاء سلسلة غير منظورة مربوطة بشاطئ الحياة الأبدية، ونحن نمسك بها الآن وكلما جذبنا هذه السلسلة كلما تحرّك القارب، فلنمسك بها بشدة لأنها لا تخيب الأمل والرجاء