“أقسَم الرب ولن يندم،أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق”
(مز4:110)
ماريَّا قبارة
“إنّ الكاهن البتول في الرعية يعمل بدقة واهتمام كبيرين، ويفكر بتجرد أكثر من الكاهن المتزوج”: جملةٌ سمعتها من شاب يسعى للكهنوت واتخاذ قرار البتولية.
تمعنت كثيراً في معاني هذه الجملة و تساءلت في أعماق قلبي هل هناك في الليتورجية الكنسية وفي السيامات الخاصة للكهنة أفشينٌ خاصٌ للعمل والخدمة يعطى ويزاد بنعمة الروح القدس للكاهن البتول؟ وهل خدمة سيامة الكاهن البتول تختلف عمّا هو للكاهن المتأهّل؟؟
الكاهن البتول من أين جاء، ونحن خير من يعلم من التقليد الشريف أنّ الرسل جميعاً كانوا متزوجين عدا واحداً وهو “يوحنا الحيبب”، ونعلم أيضاً أنّ رتبة “الأرشمندريت” هي رتبة رئاسة الدير. ففي الكنيسة الروسية مُنع بقانون رسمي أن يكون كاهن الرعية بتولاً، أمّا في اليونان فكلّ كاهن بتول يسجّل في ديرٍ، أمّا عن كهنة متبتلين في الرعايا وبلا ترهّب فهذا شيء جديد في مسيرة التاريخ الأرثوذكسي. ومن التقليد أيضاً نعرف أنّه حتى الأسقف كان متزوجاً، ولكن لأسباب تدبيرية في الكنيسة ولتخفيف الاهتمامات جرت العادة: أن يُنتخب الأسقف من مصاف الرهبان والأخير يُحضِر معه بعضاً من إخوته الرهبان للأسقفية وببركة من رئيس الدير للمحافظة على جو الرهبنة التي كان فيها على أن يساعدوه في إدارة الأسقفية دون التدخل المباشر في الرعايا.
والأسقف كلمة مأخوذة عن اليونانية معناها الذي يراقب ويرعى شؤون الناس، ولم يكونوا آنئذ يميزون الأسقف من الكاهن، وصار الأسقف رئيساً للكهنة في وقت لاحق (1تيمو2:3)
أما اليوم فترى أنّ هناك مشاكل رعائية يسببها إلى حدّ ما الكهنة المتبتلين وكثرتهم في المطرانيات، وبحسب الآباء القدّيسين، البتولية أمرٌ يحدد معناه بحسب طريقة عيشه. فأنت ترى الكاهن البتول ومنذ اتخاذه قرار العزوبية مندفعاً على أساس عدم اهتمامه بأمورٍ قد تشغله عن خدمته وهنا أسأله: “هل حقاً لا تنشغل بأمورٍ خاصة بمستقبلك؟؟ هل حقاً لا تزجّ نفسَك في أتون يحرقك أنت ومن حولك؟؟”. وأنت نفسك أيّها الكاهن البتول، من وقت إطلاق يدك، تتصرف أحياناً كأنك مطران ويحتف بك دون ضابط لأمورك في كلّ ظهور لك في كنائس الرعايا. وأما الكلام أن الكاهن المتزوج ينشغل بعائلته ولا يخدم كالعازب في حقل الرب فهذا، ومن خلال ما نراه ونعيشه، لا فارق فيه بين الاثنين ولم يتداول في تراثنا.
ونرى في هذا الموضوع أيضاً أن البنات الروحيات، ومن باب الاعتراف وإلى حدّ يدعو للتساؤل والحيرة ! -دون الشباب الذين يغيبون في هذا الأمر-، يخترن الكاهن البتول كأبٍ معرّف، وهنا تبدأ المقارنات التافهة، فتنعت اللواتي من هم تحت طاعة أبٍ كاهن متزوج بأنّ أباهنّ يُنظر إليه بدونية أمام ذاك الكاهن البتول الذي في المطرانية، وكم الأمر يبدو سخيفاً ومخجلاً للحديث عندما يكون الكهنة المتزوجين والمتبتلين بالثقافة اللاهوتية نفسها ولهم رتب جامعية متقاربة.
أما عن إطلاق يد الكاهن البتول في الرعايا فيجب أنّ يُحدّ ويتابَع، فمهمته ليست الرعايا وإنما الإعانة والإدارة، وعمله ينحصر في الأمور الخارجية في الكنيسة أمّا الداخلية فبحسب التوجيه. فمواهب الروح “ترجمة، تعليم، اعتراف، وعظ، مواهب شفاء….” يتحلّى بها كلا الكاهنين؛ البتول والمتزوج. وكم حسنٌ اليوم أن يلبس الكاهن المتأهل صليباً بعد خدمة محددة من السنوات، عملٌ بسيط في الظاهر لكنّه عميق وجدير بالاهتمام في الداخل، فبه يُضبط الواحد البتول ويقوّى الآخر المتزوج. فالنعمة الإلهية هي ذاتها للاثنين وكلّ المظاهر الخارجية الأخرى الاختيارية هي أمور إدارية تنظيمية وتدبيرية وليست نعماً ومواهب منسكبة على الواحد دون الآخر.