مواهبنا
حليم شربك
لم يخلق الله إنساناً بلا موهبة، لكن المشكلة لدى الكثير منا هذه الأيام أننا لا نشعر بمواهبنا فنعتقد لا بل نثق بأن لا موهبة لدينا، وما ذلك إخوتي إلا لأن قلوبنا قد بلغت من القسوة حدّ التحجّر، فعندما نقسّي رقابنا ونغلظ قلوبنا عن معرفة الله عندئذ تعمى عيوننا عن رؤية عطاياه الغزيرة.
المواهب يا إخوتي قد أُعطيت لنا نِعَماً من لدن أبي الأنوار، لكنها بشكل أساسي وسائل لنسبح ونمجد بها إلهنا الكلي الرأفة. يقول الأسقف يوحنا (يازجي) أسقف الحصن: “إنها لعطية كبرى من الخالق للمخلوق أنه جعله كائناً هيمنولوجياً(أي مسبحاً). ومن قبيل الشكر وعرفان الجميل أن ننمي هذه الموهبة وأن نصقلها ونوجهها الوجهة الصحيحة موظفين إياها في العبادة الإلهية.” (من مقدمة كتابه: مبادئ الموسيقى البيزنطية) فلنخرج يا إخوتي من نطاق “الهواية” و “ملء وقت الفراغ” إلى شكل أسمى وهو ” الموهبة” التي أُعطيت لكل منا، لأننا ما دمنا ننظر -كلٌّ إلى موهبته- نظرة ملء أوقات الفراغ فلن نتمكن من صقلها بالشكل الذي يليق بأن نقدمها لله. مواهبنا مسؤولية وصقلها واجب علينا.
من أبسط قواعد الذوق في التعامل بين الناس أن من يقدم لك شيئاً، يفترض أن تقدم له شيئاً –من باب الذوق وليس واحدة مقابل واحدة- فما بالك إذاً بموضوع المواهب، مواهبنا لا فضل لنا فيها فهي لله ومن الله أُعطِيَت لنا من واسع رحمته وفيض محبته، أفَلا يحق علينا أن نقدمها له ذبيحة تسبيح (إن لم يكن من باب التعبّد فليكن من باب الذوق)؟
(1) يقول رسول الأمم بولس الرسول:”هكذا أنتم أيضاً إذ أنكم غيورون للمواهب الروحية اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزدادوا”(1كورنثوس12:14) الأمر ذاته يطلبه منا السيد في مثل الوزنات عندما يرينا أنا الذي طمر وزنته ولم يتاجر بها تؤخذ منه وتعطى للذي تاجر بوزنته، هذا المثل أيضاً يطمئننا إلى أن الله لا يحمِّل أحداً فوق طاقته، فالأول أعطاه خمس وزنات والثاني وزنتين والأخير وزنة واحدة.
لاحظوا ما يقوله الرسول: لأجل بنيان الكنيسة اطلبوا أن تزدادوا، كلنا نتحدث بانفعال عن ضعفات كنيستنا (ولا أعني بذلك الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، لأن كنيستنا عروس لا عيب فيها، إنما أعني ضعفات الأعضاء الذين يمثلون الكنيسة) وكلنا نقسم بحماس أن لو كان الأمر بيدنا لكان الوضع أفضل بكثير و…..إلخ. من الأكيد أن من يتحدثون هكذا (وما أكثرهم) لم يسمعوا ما يقوله لهم الشيخ باييسيوس الآثوسي:”إذا كنت تهتم بإصلاح الكنيسة، أصلح نفسك أولاً وللتو يكون جزء من الكنيسة قد انصلح لأننا جميعاً أعضاء في جسد الكنيسة التي رأسها المسيح.”
في ختام حديثي عن المواهب لا يمكنني أن أنسى غصّة قلبي عندما أرى آخرين يبذلون من وقتهم وجهدهم الشيء الكثير بغية أن يكونوا كفؤاً لانتمائهم ذاك، مع محبتي واحترامي للجميع لكن لا يوجد انتماء أسمى من انتمائنا لكنيستنا، ولا أحد قدّم لأتباعه ما قدمه لنا سيدنا وإلهنا وأبونا، ومع ذلك نرى الأغلبية العظمى بيننا غارقين في التهاون شامخين في التكبر..
اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزدادوا متذكرين أن التي لك مما لك نحن نقدمها لك.