أناجيل
الأب أنطوان ملكي
أحد أكبر انشغالات العالم المسيحي في هذه الأيام، هو الوثيقة التي سُميت “إنجيل يهوذا” وفيلم “شيفرة دافنشي”. فإنجيل يهوذا صار متوفراً في أغلب اللغات في العالم. أمّا الفيلم فصيته جاب الدنيا، وصار متوفراً في دور السينما وعلى أفلام وأقراص مدمّجة.
وكما بات الجميع يعرف، إن وثيقة إنجيل يهوذا قديمة وقد أجابت الكنيسة عبر آبائها على ما يرد فيها. وهي واحدة من عدد كبير من الوثائق التي سُميت أناجيل، كإنجيل بطرس وإنجيل بولس وإنجيل فيليبس وإنجيل توما، وفي وقت لاحق إنجيل برنابا. واليوم، بعد اكتشاف وثيقة إنجيل يهوذا، تمّ التركيز عليها لأسباب عديدة يصنّفها أصحاب الاختصاص بين الدعائية والسياسية والابتداعية، نظراً لارتباطها بالغنوصية. كما أننا لا نستطيع أن لا نرى فيها باباً مفتوحاً على مصراعيه ليدخل دعاة العصر الجديد (New Age) إلى هذا الحقل ويبشّروا بنظرتهم إلى السيد المسيح، وهم الذين يعترفون بتحدّرهم من الغنوصية والثيوصوفية. فيسوع عندهم معلّم حكيم “غورو” من جملة حكماء تواجدوا على هذه المسكونة في أزمنة وأماكن مختلفة، وكان لكل منهم دور قام بأدائه. أمّا ما يطرحه شيفرة دافنشي فليس خارج هذا الإطار، ولا هي أول مرة نسمعه. فمنذ بدايات القرن العشرين بدأت تظهر إلى العلن أفكار وكتب وآداب وفنون تتعرّض لبشرية السيد، وبالتالي لألوهيته سواء أدرك ذلك أصحابها أو لم يدركوا. هذا موجود اليوم في كل المجتمعات والبلدان، ومن الأمثلة اليومية في بلادنا على هذا الفكر مريم نور وما تطرحه من أقوال تتعرّض فيها للمسيح.
لقد أوصت عدد من الكنائس الأرثوذكسية، وغير الأرثوذكسية، بعدم حضور الفيلم، كما منعت عدد من الدول عرضه. إلى هذا فإن الكثيرين من المؤمنين يمتنعون عن حضوره في دور السينما لأن في حضوره، إلى جانب التجربة والتشوش الروحي اللذين يسببهما، دعم لمنتجه ومخرجه ومؤلّفه. وهذا الدعم محسوب من قبل مسوقي هذا الفيلم، إذ إنهم يتّكلون على كل فئات الناس الذين سوف يحضرونه، سواء شاهدوه بسبب الإعجاب أو بهدف النقد أو من باب الحشرية.
يتساءلون الكثير من المسيحيين عن الموقف الأفضل من فيلم شيفرة دافنشي أو من كتاب إنجيل يهوذا. طبعاً لا خوف على المؤمن الواعي لأن المغالطات واضحة وكثيرة في كلٍ من الكتاب والفيلم. لكن هذا لا ينفي أنّ من الأفضل للمؤمن أن يتلافى ما يثير التشويش في نفسه وفي فكره، خاصة من جهة فاديه. لا يشكّل هذا الفكر خطراً على المؤمنين، هذا ما يُجمع عليه الدارسون.
وهنا لا بد من أن نلفت النظر إلى أن هذه الأفكار تأتي من المجرّب الذي يبثّها أحياناً في أبناء الكنيسة، فيشوّش بصيرتهم فلا يعودوا يلاحظون أنّهم يتعرّضون للسيد في بعض ما يتوصّلون إليه في دراستهم، أو ما يعلنونه في أقوالهم، أو يتحدّثوا عنه في تعليمهم. في تاريخ الكنيسة أمثلة كثيرة على هرطقات نمت في حضن الكنيسة على يد معلمين معروفين، ضلّوا وسقطوا في حيل المجرّب فأدانت الكنيسة تعليمهم، وأسقطت عنهم صفة التعليم. فأريوس كان معلماً، وأفنوميوس كان معلماً. ومن الأمثلة الحالية عن هذا هو الكلام الذي سمعه الكثيرون عن إنجيل بولس وما بُني عليه من طعن في إنجيل المسيح، بصورة قد تكون غير مقصودة. الأفكار المنحرفة التي تنشأ في الداخل أكثر خطورة من الأفكار التي تأتي من الخارج.
فلنتذكر دائماً قول الرب يسوع “ثقوا فقد غلبتُ العالم”. فلا ندعنّ الشك يتسرّب إلى نفوسنا بل فلنسلك في الطريق التي رسمها لنا: “هذا الجنس لا يخرج إلاّ بالصلاة والصوم”. كل ما يجري من حولنا وما نسمعه، ليس ليثيرنا على هذه الفكرة أو تلك ولا ليدفعنا إلى هذا الموقف أو ذاك، بل ليحثنا على الصلاة والصوم والتوبة حتى نسلك طريق الحياة فنطهّر قلوبنا إلى أن تستنير وتستحق المشاركة في مجد صاحب المجد، كل هذا ونحن متمسكين بكنيسته التي لن تقوى عليها أبواب الجحيم.