من أخبار القدّيس يوحنّا كرونستادت
إعداد راهبات دير القديس يعقوب المقطّع – دده، الكورة
1- الأستاذ الكسندروف
تأخّر يوماً الأستاذ ألكسندروف عن حضور البراكليسي التي كان يقيمها القدّيس يوحنّا كرونستادت في أحد المنازل. فبقي في الغرفة المجاورة ينتظر. وعندما بدأ الحاضرون يقبّلون الصّليب في نهاية البراكليسي، التفت القدّيس صوب باب الغرفة المجاورة قائلاً: “لماذا لا يأتي أيضاً حضرة الأستاذ؟” وعندما اقترب هذا الأخير ليقبّل الصليب قال له القدّيس: “أتخاف الصّليب؟ ولماذا؟ فها أنت سريعاً سوف تقدّمه للآخرين لكي يقبّلوه”.
وبعد فترة وجيزة أصبح الأستاذ راهباً ثم مديراً لأكاديميّة قازان اللاهوتيّة. ومن ثمّ سيم بعد ذلك أسقفاً. منذ ذلك اليوم آمن ألكسندروف بالقوّة الإلهيّة الكائنة في القدّيس.
2- القدّيس يشفي بواسطة المناولة من سلّ الحنجرة
اعتاد القدّيس يوحنّا كرونشتادت أن يشفي الكثيرين بواسطة نعمة المناولة الإلهيّة:
تعرّض أحد معارف الأستاذ الجامعيّ سيمانوفسكي لداء السلّ الذي أصاب بلعومه بشكل خطير، فكانت الجراح تغطّي البلعوم كلّه ممّا أدّى إلى اختفاء الصوت كليّاً، وجعل الجميع يعتقدون بأن العليل سوف لا يحيا أكثر من عشرة أيّام. فما كان من الأهل إلاّ أن أبرقوا إلى الأب يوحنّا يلتمسون قدومه إليهم، فوصل بعد خمسة أيّام. وما إن رأى حالة المريض حتّى بادرهم بسؤاله: “لماذا لم تعلموني بأنّ حالته خطيرة لكنت أحضرت معي بعضاّ من المناولة المقدّسة.” ولمّا كان المريض في حالة النّزع الأخير راح ينظر بتوسّل إلى الأب، فاستدار هذا نحوه وقال: “أتؤمن أنّي أستطيع أن أساعدك بقوّة الله؟” فأبدى المريض الموافقة بحركة من رأسه. عندها نفخ الأب في فم المريض بشكل صليب ثلاث دفعات، ثم تطّلع إلى الطاولة الصّغيرة قرب سرير المريض حيث كانت قد تكدّست أدوية مختلفة، وضربها بقوّة فوقعت بعض الزجاجات أرضاً وتكسّرت. ثم قال: “ارمِ هذه الزّجاجات كلّها إنّها لا تفيد شيئاً. تعال إلى كرونستادت لأناولك القدسات الإلهيّة. إنّي أنتظرك.”
وعند المساء حضر الأستاذ سيمانوفسكي لعيادة المريض، ولمّا أُخبر بأنّه في صباح اليوم التّالي سوف يقصدون كرونستادت، قال سيمانوفسكي بأنّ المريض سوف يموت في الطّريق. ولكنّ المريض كان يثق جدّاً بالقدّيس يوحنّا فأصرّ على الذّهاب إليه.
بقي هناك يومين حيث ناوله القدّيس الأسرار الإلهيّة. وعند عودته إلى البيت، ذُهل الأستاذ لأنّ الجراح كانت قد التأمت كلّها غير أنّ الصّوت بقي ضعيفاً، فاعترف عندئذ سيمانوفسكي أمام الجميع قائلاً: “إنّها ظاهرة غريبة. حقّاً إنّها معجزة.” وهكذا عاش المريض المحتضر بعدها خمساً وعشرين سنةً أخرى.
3- القدّيس يشفي بواسطة المناولة تلوّث الدّم
تعرّضت عام 1884 الأميرة يوسوبوفا إلى تلوّث دمها بعد وضع مبكّر لوليدها، وكان الطّبيب بوتكين يعالجها. وفيما كانت ساهرة في إحدى الليالي راح اسم الأب يوحنّا كرونستادت يطرق ذهنها بشكل ملحّ. وفي الصّباح أعلنت لأبيها عن رغبتها في رؤيته. فقال لها أبوها: “وأنا ايضاً كنت أرى في منامي طيلة ليلة أمس الأب يوحنّا، وكم أتمنّى لو ندعوه إلى هنا ليباركنا ويصلّي لنا”.
وعندما أتى الأب ووضع يده على رأس المريضة، شعرت الأميرة للحال بخفّة في رأسها غير معتادة (إذ كانت تشعر دوماً بثقل في الرّأس). فركع الأب أمام إحدى الأيقونات في الغرفة، وبدأ يصلّي. وعندما أراد الذّهاب قال مؤكّداً: “إنّها لن تموت”، على الرّغم من أنّ كلّ الأطبّاء يئسوا من حالتها، ولم يبقَ لديهم ثمّة رجاء في حياتها. وأثناء ذهابه تقابل مع الطّبيب الذي قال له: “ساعدنا”. لقد تناهت هذه الكلمة إلى سماع من كان حوله فنالهم عجب مذهل من قول الطّبيب هذا. (وتجدر الإشارة هنا أنّ الطّبيب لم يكن على درجة كبيرة من الإيمان).
في الزّيارة الأولى حاول الأب تهدئة المريضة، ولكن لم يطرأ أيّ تغيير على سير المرض. في الزّيارة الثّانية ضغط الأب على المريضة لكي تتناول القدسات، فاقترب منها قائلاً: “إنّ موتنا وحياتنا هما بين يديّ الله. ولكن علينا نحن أن نستعدّ لحياة جديدة بواسطة الأسرار المقدّسة الإلهيّة”. فأجابت الأميرة بأنّها تستعدّ لتتناول في عيد الفصح المقدّس المقبل. وللوقت راح الأب يصرّ عليها ألا تؤجّل، وإنْ كان الفصح قريباً، وأبدى استعداده لإحضار القدسات في الحال إن وافقت.
ما إن تناولت المريضة الأسرار الإلهيّة بفرح حتّى نامت ستّ ساعات متوالية، وعندما استفاقت كانت صحيحة كلّيّاً.
ولمّا رأى الطّبيب بوتكين هذا التّغير المفاجئ، بقي ساعات طويلة صامتاً متفكّراً، ثمّ ما لبثت أن انحدرت دمعتان على خدّيه فهمس قائلاً: “ليس لنا الفضل نحن البشر بهذا الشّفاء”.
وبعد أسبوع استطاعت الأميرة أن تنهض من فراشها وأن تمشي دون مساعدة أحد. لقد تركت هذه الأعجوبة أثراً عميقاً في نفسها وفي نفس الطّبيب.
4- القدّيس يشفي بالماء المقدّس: إيفان عازف القيثارة
أقام الموسيقار سلافيانسكي وفرقته، ببركة الأب يوحنّا كرونستادت، حفلة موسيقيّة في كرونستادت، وجاءت الحفلة باهرة النّجاح. لهذه أراد الأب يوحنّا أن يشترك هذا الموسيقار مع فرقته في القدّاس الإلهي صبيحة الغد. وأيضاً كان التّرتيل رائعاً حتّى أن القدّيس دعاهم للمرّة الثانية للاشتراك. وفي هذه المرّة حصل الشّفاء للضّرير إيفان:”.
فبعد الذّبيحة الإلهيّة تقدّم الموسيقار سلافيانسكي من الأب يوحنّا، طالباً منه أن يبارك له عائلته وفرقته الموسيقيّة. فأقام الأب خدمة الماء المقدّس، واقترب الجميع ليقبّلوا الصّليب الكريم. فقاد الموسيقار إيفان الأعمى بيده ليقبّل بدوره الصّليب المقدّس. فسأله الأب:
– منذ متى وأنت كفيف؟
– منذ حداثتي. فقد أصبت بمرض اليرقان فكانت النتيجة أن فقدت بصري.
– إنّه أمر غير مهمّ. قال هذا الأب مازحاً، ثم أضاف وأنا أيضاً تعرّضت للمرض نفسه وها إنّي لا أسمع الآن جيّداً. ولكن دعنا الآن نصلّي إلى الله العليّ.
وبقوله هذا وضع في يده قليلاً من الماء المقدّس، وغسل به عيني إيفان ثلاث مرّات، ثمّ داعبه وباركه قائلاً: “سوف يرحمك السّيّد المسيح. اذهب الآن وليكن الرّبّ معك دوماً”.
وعند المساء، وقبل البدء بالحفلة المزمعة إقامتها، دخل الصّبيّ الذي كان يساعد إيفان القاعة الخاصّة بتزيين الموسيقيّين وهو يقول لقائد الفرقة: “إنّ إيفان يبصر”. فردّ القائد: “يا لهذا الهذيان! كيف يبصر، أحضرْه إلى هنا”. فجاء إيفان وكلّه فرح يصرخ: “إنّي أرى، نعم بالحقيقة أبصر الأشياء وكأنّي موجود داخل ضباب”.
وهنا اعترف قائد الفرقة قائلاً: “لم يكن هناك مجال للشّكّ. نعم، كان يقف أمامنا مفتوح العينين يبتسم سعيداً”. ومنذ ذلك الوقت بدأ إيفان يتحسّن شيئاً فشيئاً، حتى صار يرى كلّ شيء جليّاً، ويذهب أينما أراد دون مساعدة أحد، فيما كان قبلاً مطأطأ الرّأس مغمض العينين. وها هو الآن يقدّم أجمل الأغاني وأحلاها.