الاسم المسيحي
القديس غريغوريوس النيصّي
نقلها إلى العربية المطران أبيفانيوس زائد
كلّ من أراد أن يُعطى لقبَ طبيب أو خطيب، يجتهد أن يثبت لقبَه بمعرفةِ العملِ الذي انتحله، حتى لا يكونَ كاذباً بلَقَبِه. فهذا ينطبق علينا تماماً إن فهِمْنا معنى الاسم المسيحي حقيقةً ولم نُرِد أن تنطبِقَ أعمالُنا على هذه التسمية.
لقد حصلنا على اللقبِ المسيحي باشتراكِنا مع السيد يسوع المسيح، لأننا به نستحقّ الإتحادَ معه بكلّ لَقَبٍ رفيع، يدلُّ على طبيعةِ الإله الخالدة. إن جذبتَ العقدةَ الأخيرةَ من الشبكة، جذبْتَ الشبكةَ كلَّها إليك، لأن بعضَنا مرتبطٌ ببعض، كما أن اسمَ المسيح، ترتبط به أسماءُ كثيرةٌ تعبِّر عن سعادةٍ لا تُوصَف. فمَن قَبِل اسماً واحداً يتوجَّب عليه أن يقبل الأسماءَ الباقية. إنّ السيدَ يسوع المسيح، لا يكون حيث العدلُ والطهارةُ والنزاهة، فليس كلُّ مَن أخذ لنفسِه لقَبَ مسيحي، يكون مسيحياً حقيقياً، حتى يُظهِر في حياته ما يتّفق عقلياً مع هذا الاسم.
المسيحية هي التشبّه بالطبيعة الإلهية، لأنّ الإنسان قد خُلِق على مثالِ الخالِق كما تكلّم موسى بحكمةٍ عن الإنسانِ الأوّل: “فخلق اللهُ الإنسانَ على صورتِه ومثالِه على صورةِ الله خَلََقه” (تكوين27:1). فلَقَب مسيحي يدلّ على ارتفاعِ الأرضيين إلى السعادة القديمة. فإذا عاش المسيحي دون أن يعمل أعمالاً تتّفق مع اسمه، أفلا يكون هذا خطراً عليه؟ إن سؤالنا هذا يؤكّد مضمونَه المثلُ الآتي:
لنفرضْ أنّ رجلاً أعلن عن براعته في فنِّ الرسم، وأمَرَه رئيسُه أن يرسِم الملكَ ليرسل صورتَه إلى رعاياه البعيدة عنه. فإنّ هذا الفنان إذا ما وَضع رسماً مشوّهاً لا يطابق الأصل، وقال أنه رسم الملك، أفلا يحقّ لرئيسِه أن يغضب عليه، لأنّ رسمه الرديء يشوّه صورة الملك في نظر الذين لا يعرفونه؟ فإذا كانت المسيحية تمثّل الله، فالذي لا يعرف جوهرَها، يظنّ أنّ الله شبيهٌ بأعمالنا في حياتنا. فإذا رأى حياتنا مثالاً للخير يعتقد أن إلهَنا أصلُ كلِّ خير، وإن ماثل أحدَ الوحوشِ الضارية باتّباعه الشهوات وملذّات الحياة (لأنّ مَن يفسد طبيعتَه البشرية بأعمالِه الشريرةِ هو كالسِباع لا محالة) ودعا نفسَه مسيحياً، لا ريب أنّه يسبّب انتقادَ الإله الذي يعبُدُه من غير المؤمنين. ولذلك يهدد الكتاب المقدس هؤلاء بعقابٍ شديد قائلاً: “ويل لهؤلاء الذين لا يزالون يجدفون على اسمه كل يوم” (إشعيا5:52). وعلى هذا دلَّنا يسوع بقوله: “كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي هو كامل” (متى28:5). إنّ السيد يرغب في أن يكون المولودون باسمه كاملين لأنهم يرون فيه الكمال. وربَّ سائلٍ يقول: “كيف يتسنّى للتواضع البشري أن ينزع إلى الكمال الإلهي؟ إن الأوامر نفسَها تفصح عن عدم كفاءة الإنسان، فكيف يمكن الإنسان أن يتمثل بمَن هو في السموات؟ ولكنّ التفاوت في الطبيعة يبرهن عن عدم إمكان ذلك. أمّا الكتاب المقدس نفسُه فيبيِّن الفرقَ بين الطبيعةِ البشريّةِ والطبيعةِ الإلهية وإمكانِ التمثّل بها، بالأعمال الصالحة، أي بتجنّب الشرور: بالفعل والقول والفكر، وبالمحافظة على الطهارة، فإنّ بهذا يقدر الإنسان أن يتشبّه بالكمال الإلهي.
إن الطبيعة الإلهية تمسّ كلّ الكائنات، وتضبُطُ بقوّتِها الكونَ كلَّه، كما يعلّم نبي الله القائل: “إن صعدت إلى السماء فأنت هناك وإن اضطجعت في الجحيم فأنت حاضر وإن اتخذت أجنحة الصبح وسكنت أقاصي البحر فهناك أيضاً يدك تهديني ويمينك تمسكني” (مز8:138-11). ان الجبالَ بعيدة عن الشرّ، ولكن الحياة فيها لا تخلو من الرغبات الشريرة. لأن الحية (الشيطان) سبّبت الشرّ بناء على كلام الله تعالى: “على صدرك تزحفين وتراباً تأكلين طوال حياتك”. فطراز حركة السير، وكيفيّة الأكل، تدلّ بوضوح على أنّ حياة الجبال يتسرّب إليها كثيرٌ من الشرور المتنوّعة. فيجب على مَن يريد التشبّه بالآب السماوي، أن يتنزّه عن الرغبات الأرضية. كلّ مَن يقدر أن يتخلّص من الرغبات الأرضية يمكنه أن يعيش على الأرض كما لو كان في السماء. أي إذا أسرع إلى التفكير بالسماء، وكَنَز فيها أعمالَه الصالحة حسب تعليم الإنجيل: “لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والآكلة وينقب السارقون ويسرقون لكن اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا آكلة ولا ينقب السارقون ولا يسرقون” (متى19:6-20).
فلا ييأسَنّ أحدُكم من أن يدّخر ما استطاع من الكنوز في السماء. وليكن له رجاء حسب ما قيل: “إن أودعت قليلاً فسوف تأخذ الكثير باعطائك السماويات بدلا من الأرضيات، والأبدي بدلاً من الحاضر. فالخيرات الموعود بها لا يحصرها فكر ولا يعبَّر عنها بلسان وقد علّم الرسول عنها بقوله: “ولكن كما كُتب ما لم ترَه عينٌ ولا سمعت به أذن ولا خَطَر على قلب بشر ما أعدَّه الله للذين يحبونّه” (كورنثوس الأولى2:9) آمين.