فيما يختصّ بصوم الأربعاء والجمعة
مختارات من كتاب “دليل الاعتراف”
القديس نيقوديموس الأثوسي
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
يحدد القانون التاسع والستون من قوانين الرسل أنّه ينبغي عزل كلّ رئيس أو كاهن أو شمّاس أو قارئ أو مرتّل لا يصوم الصوم الكبير وأيام الأربعاء والجمعة. وإذا لم يصم العلماني في هذه الأيام (إلا إذا لم يكن قادراً على الصوم لمرض جسدي)، فليُحرَم. أترَون كيف أنّ الرسل اعتبروا صوم الأربعاء والجمعة مثل الصوم الكبر؟ لهذا، كما يتكوّن الصوم الكبير من أكل الأطعمة الناشفة، أي مرة واحدة في اليوم عند الساعة التاسعة، من دون خمر ولا زيت، كذلك ينبغي أن يكون صوم الأربعاء والجمعة على المنوال نفسه. يقول القديس أبيفانيوس: “نحن نصوم الأربعاء والجمعة إلى الساعة التاسعة”. ومثله، فيلوستورغيوس يقول أن صوم الأربعاء والجمعة هو في عدم تناول أي طعام إلى المساء. القديس بنديكتوس (القانون 41) أيضاً يحدد أن صوم الأربعاء والجمعة هو إلى الساعة التاسعة. ويحرّم بلسامون أكل المَحار في الأربعاء والجمعة تماماً كما في الصوم الكبير. إذاً، فلنتوقّفْ عن التفكير من غير إدراك بأنّ صوم الأربعاء والجمعة ليس توجيهاً رسولياً، إذ لاحِظوا أن الرسل في قوانينهم يعدّون هذا الصوم إلى جانب الصوم الكبير، وفي القوانين الرسولية يعدّونه مع الأسبوع العظيم، قائلين “على الإنسان أن يصوم الأسبوع العظيم والأربعاء والجمعة”. ولكن لمَاذا عليّ أن أقول أن هذا القانون هو فقط من الرسل؟ إنّه قانون من المسيح نفسه، على ما يقول الرسل في الفصل الرابع عشر من الكتاب الرابع في القوانين: “هو (أي المسيح) أمرَنا أن نصوم الأربعاء والجمعة”. وهكذا نحن نصوم هذين اليومين بحسب الشهيد بطرس (القانون 15): “يوم الأربعاء لأن في هذا اليوم التأم مجمع اليهود ليخونوا السيّد، والجمعة لأن فيه احتمل الموت لأجل خلاصنا”. ويقول إيرنيموس الإلهي الكلام نفسه.
وبما أن الصوم الكبير مساوٍ لصوم الأربعاء والجمعة، يتبع ذلك أن حلّ الصوم عند المرضى والضعفاء هو كما في الصوم الكبير. لهذا السبب، كما يسمح القانون 8 والقانون 10 للقديس تيموثاوس للمرأة الحاملة بأن تأخذ حاجتها من الخمر والطعام، فهذا ينطبق أيضاً على صوم الأربعاء والجمعة. والأمر نفسه يسري مع الضعفاء من استمرار المرض، أي أنّه مسموح لهم تناول الزيت والخمر خلال هذه الفترات الصيامية. هكذا يقول إيرونيموس الإلهي: “لا يُكسَر صوم الأربعاء والجمعة إلا للضرورة القصوى”. ومثله يرى أوغسطين.
لكن بما أنّ محبي الجسد يشتهون أن يأكلوا ويكسروا أصوام الأربعيني والأربعاء والجمعة، أو يدّعون المرض (دون أن يكونوا مرضى)، أو إذا كانوا مرضى فيقولون أن الزيت والخمر لا يكفيان لحملهما في مرضهما، بسبب هذه الذرائع، ينبغي بالأب الروحي أو الرئيس ألاّ يصدّق أقوال الذين يدّعون هذه الأمور، بل عليه أن يسأل طبيباً مختبَراً يخاف الله عن حالتهم، وعلى أساس نصيحته يسمح للمريض بحلّ الصوم.
علينا أن ننتبه إلى ما يلي، وهو أنّه على غرار الامتناع عن الأكل في الأربعاء والجمعة والصوم الكبير، كذلك ينبغي أن يكون امتناعٌ عن ملذات الجسد. لهذا السبب لا يمكن إقامة الأعراس في هذه الأيام، فبولس الإلهي يأمر بأن يمتنع الأزواج عن بعضهما في فترات الصلاة والصوم: “لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ، إِلَى حِينٍ، لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ” (1كورنثوس 5:7). ويستشهد الذهبي الفم القديس بقول يوئيل: “قَدِّسُوا صَوْمًا… لِيَخْرُجِ الْعَرِيسُ مِنْ مِخْدَعِهِ وَالْعَرُوسُ مِنْ حَجَلَتِهَا.” (يوئيل 15:2-16)، ليقول أنّه حتى المتزوجين حديثاً، الذين رغبتهم قوية وشبابهم نشيط وتطلُّبُهم مستفيض، ينبغي أن يمتنعوا عن بعضهم خلال فترات الصوم والصلاة. فبأي قدر إذاً على الأزواج الآخرين، الذين ليس لهم هذا الاندفاع الجسداني، أن يمتنعوا عن اللقاء؟ لهذا، يقول بلسامون أن الأزواج الذين لا يمارسون ضبط النفس خلال الصوم الكبير لا يتناولون في الفصح وينبغي أن يعاقَبوا ليتوبوا. على المنوال نفسه، الأزواج الذين يقيمون اللقاء أيام الأربعاء والجمعة ينبغي إصلاحهم بعقوبة التوبة.
أما في ما يختصّ بصوم الإثنين، فمع كونه وارد في قوانين الرهبان، إلا أنّ كثيرين ممّن في العالم، وبخاصة النساء، يلتزمون به. جدير بالذكر وبالثقة هو قول بعض الحكماء حول صوم الإثنين: “قال ربنا إن لم يزد برّنا عن برّ الكتبة والفريسيين” (متى 20:5)، فلن ندخل ملكوت السماوات. وبما أن الفريسيين كانوا يصومون يومين في الأسبوع، كما قال الفريسي: “أصوم مرتين في الأسبوع” (لوقا 12:18)، فنحن المسيحيون إذاً ملزَمون بأن نصوم ثلاثة أيام في الأسبوع لكي يتخطّى برُّنا برّ الفريسيين. يذكر القديس يوحنا الذهبي الفم بوضوح أنّ الفريسيين صاموا الأربعاء والجمعة في تفسيره لقول الفريسي “أصوم مرتين في الأسبوع”. مع أن ثيوفيلاكتوس في شرحه المقطع الإنجيلي حول الفريسي والعشار يقول، من ضمن عدة أمور، أنّ الفريسيين صاموا الإثنين والخميس، ليس استناداً إلى أي وصية، بل بحسب التقليد، مؤمنين أن موسى صعد إلى الجبل يوم الخميس ونزل يوم الإثنين. يقول القديس ملاتيوس المعترف أنّه علينا أن نصوم الإثنين لكي نبدأ أسبوعنا بالصوم.