انتهاء العالم
الخورية سميرة عوض ملكي
(عن نشرة الكرمة)
اليوم، يجد الانسان نفسه أمام إنجازات علميّة مدهشة. ومعروف جداً، أنّ كنيستنا الأرثوذكسية تُظهِر احتراماً واسعاً وعميقاً لأي إنجاز علمي مثمر. لكنّها، في الوقت عينه، ضد الإعلانات العلميّة وغير العلميّة، التي قد تحرم الإنسان من أصالته وقدسيّته وتزعزع إيمانه. هنا، نحدّد بعض الإعلانات التي تثير قلق بعض الناس هنا وهناك، وحتّى المؤمنين منهم. فمثلاً، يصف أصحاب الاختصاص في الأمور البيئية مستقبلَ كوكبِنا بألوان داكنة جداً، ويتحدّثون عن دمار شامل قد يؤدي إلى نهاية العالم. ومثله تلك الإعلانات المتكررة التي تربط هذه النهاية بتواريخ وحسابات وتخمينات لا تصحّ ولا تتحقق، يطلقها أشخاص ينتحلون صفة العلم.
فكيف نميّز التعليم الكاذب من التعليم الصحيح؟ الواقع أنّ الإنجيلي متّى عبّر على لسان التلاميذ، في سؤالهم السيّد المسيح عن مجيئه الثاني، عمّا يدور في أذهان البشرية في كل العصور، وهو الرغبة في معرفة المستقبل وتحديد الأزمنة: “وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ:«قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟ فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ».” (متى 3:24-5).
يؤكّد الكتاب المقدّس بعهديه، القديم والجديد، أنّ زمن مجيء الرب لن يعرفه أحد (دا 8:12-9، متى 36:24، مر 32:16، 2بطر 10:3). لهذا، لم يحدد السيد المسيح مواعيد بل اكتفى بتقديم العلامات لتلاميذه، لا ليعرفوا الأزمنة بل لكي لا يخدعهم المضللون، ويخدعونا نحن أيضاً ومَن يأتي بعدنا.
أمّا ثمر هؤلاء الأنبياء الكذبة فيظهر في أيامنا جلياً، إذ يتجاسر بعض المضلّين فيحددون زمناً معيّناً لمجيء الرب أو لنهاية العالم. مما لا شكّ فيه أنّ العلامات التي تحدّث عنها السيّد المسيح ستتحقق حرفياً قبل مجيئه الأخير. هذا ليس بالأمر العجيب، فإننا نعلم اليوم عن تساقط بعض النجوم وعن حدوث بعض الانفجارات الشمسية، وعن قيام حروب وحدوث كوارث طبيعية، وما إلى هناك من كوارث عامة.
حقّاً إنّه لا بدّ، لكي يأتي ملكوت المسيح الأبدي في كمال مجده، من أن تزول هيئة هذا العالم الحاضر ليتبعه عالم جديد، وعوض الكواكب المنظورة يضيء المسيح نفسه لكونه شمس الخليقة الجديدة وملكها. إلا أنّنا نؤمن أنّ الزمن يكتسب بعداً جديداً بمجيء المسيح. فالمؤمنون، في فجر الكنيسة، قد لبسوا نور الفصح والعنصرة، ولهذا اعتقدوا أن المسيح سيأتي مباشرة. فالرسول بولس كان يداعبه الأمل بأن يكون حياً يرزَق أثناء المجيء (اتسا 17:4). والرسول بطرس يذكر أيضاً في رسالته الأولى بأنّ نهاية كلّ شيء قد اقتربَت (1بط 7:4). لكنّ الرب لا يقيس الأزمنة كما يقيسها البشر: “إنّ يوماً واحداً عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد” (2بط 8:3). فهذا الإيمان والانتظار كان مصدر فرح ورجاء لهم، لم يثنِهم عن البشارة ولم يلقِ بهم في الخوف أو يزرع فيهم الرعب، كما يحدث في هذه الأيام.
إنّ ما ينطبق على الطبيعة والعالم المادي يمكن تطبيقه على كلّ عضو مؤمن في الكنيسة. كلّ النهايات يحددها الله وحده ولا أحد يعرفها غيره. لذا إذا مال المؤمن إلى أفكار ضد المسيح أو فقد إيمانه، فإن شمسه الداخلية تظلم وقمره لا يعطي ضوءه، لأن قلبه يفقد النور ويتحوّل إلى مملكة الظلمة، وتهوي كل مواهبه كالكواكب متساقطة من الحياة السماوية المقدّسة إلى هاوية الفساد، لأنّ الشمس السماوية تظلم أو تشرق ببهاءٍ بحسب الإيمان.