مخافة الله هي تقواه ومحبته
الميتروبوليت أثناسيوس مطران ليماسول
نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي
الكنيسة لا تعارض الجسد البشري. لهذا حرص الآباء على عدم إتلاف أجسادهم بجهودهم النسكية. لقد حاولوا إخضاعها للروح القدس ووصايا الله، حتى لا يسعوا وراء ملذات وهفوات الجسد، لكنهم لم يقبلوا أبدًا إتلاف أجسادهم. في الأدب الآبائي، هناك مقولة مفادها “إننا لا نذبح الجسد، لكننا نذبح الأهواء”. إنها الخطيئة والأهواء التي تقتل وليس الجسد الذي هو هيكل الله. وإذا بدا، في بعض الأحيان، أن القديسين يظهرون قاسين وبلا رحمة في معاملتهم للجسد، فلم يكن الهدف قتل الجسد، بل كما قلنا قتل الخطيئة والأهواء. لأن أجسادهم كانت أسرى الخطيئة والأهواء التي جابهوها بهذه الطريقة. لم تسمح الكنيسة للناس بقتل أو تشويه أجسادهم سعياً وراء بعض الفضيلة. وإلى جانب ذلك، في جو الكنيسة، علينا أيضًا أن نتعلم كيف نتغلب على الاختلاف بين الجنسين. بعبارة أخرى، يجب أن نتعلم أن ننظر للآخرين ليس من منظور جنسي أو جسدي، بل باعتبارهم صورًا لله، كإخوتنا وأخواتنا، كأشخاص مخلوقين للتقديس والتمجيد. إذا رأيناهم في هذا الضوء، فلن ننظر إليهم بطريقة خاطئة، بل بطريقة مقدسة وفاضلة. هذه هي نظرة الكنيسة إلى الجسد البشري
يقول الله في العهد القديم: “أسكن بينهم وأسير معهم وفيهم وأكون إلههم”. يتكلم الله شخصيًا، قبل المسيح بآلاف السنين، ويقول إنه سيصنع شعبًا خاصًا به. لا يوجد عرقية في الكنيسة. لهذا نحن نعمل جميعًا معًا، بغض النظر عن الأصل العرقي، ودون أن يعني هذا بطبيعة الحال تجاهلَ وطننا وأمتنا. لكننا في الكنيسة نتجاوز هذا. لذا، في الكنيسة هناك شعب جديد، أمة جديدة. إن الأشخاص الذين قال الروح القدس منذ آلاف السنين أن الله يسير في وسطهم ويكون إلههم هم في الواقع أمة المسيحيين. نحن شعب جديد ولا نعتمد على الأصول العرقية. ولهذا يقول النبي إشعياء: “فاخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسًا”. هذا في الواقع يردده القديس بولس، نقلاً عن إشعياء
يقول الله أنه سيقبلنا وسيصبح أبانا وسنكون أبناءه وبناته. بهذه الطريقة، يحثنا الله على فصل أنفسنا، ليس عن الآخرين، بل عن الخطيئة، أي عن النظرة الدنيوية. عندما يخبرنا أن نترك العالم وألا نحبه، فهو لا يقصد إخواننا من البشر، ولكن الطريقة الدهرية للنظر إلى الأشياء، أي الخطيئة. الذين يريدون أن يتبعوا المسيح لا يمكنهم فقط أن يفعلوا ما يفعله الآخرون وحسب. لكي تتبعوا المسيح، يجب أن يخبركم قلبكم بذلك وعليكم أن تتركوا وراءكم النظرة الدنيوية. عليكم قطع كل اتصال مع الخطيئة. عندئذٍ يصبح الله أباكم وتصبحون أبناءه وبناته. هذا معطى مطلق، لأنه عندما يقول الله شيئًا ما فإنه يكون مختوماً ومحققاً من صحته ومكرراً على مدار القرون. الله لا يترك أحداً. لماذا إذن نحن جبناء وكسالى؟ لدينا وعد الله. لذلك فلنتّخذ الخطوة الأولى: أن نخالف طريقة التفكير القائمة والدهرية، وبعد ذلك سيصبح الله أبانا ونحن أبناءه وبناته
يتابع القديس بولس قائلاً: ” فإذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء لِنُطهِّر ذواتنا من كلِّ دنس الجسد والرُّوح مكمِّلينَ القداسةَ في خوف الله”. أي يجب أن نطهّر أنفسنا من كل خطيئة تُرتكب سواء في الجسد أو الفكر أو الروح، وأن نعيش حياة مقدسة في مخافة الله. خوف الله ليس خوفًا نفسيًا، بل هو وعي لمحبته ورهبة نشعر بها في نفوسنا تجاهه عندما نتأمّل عظمة قداسته وطهارته. عندما نعاين هذه القداسة وندرك مَن ينبغي أن نكون ومَن نحن، ونخاف على انقطاع علاقتنا به، يكون هذا هو خوف الله. خوف الله بطريقة نفسية معناه غياب المحبة الحقّة. يقول القديس يوحنا أن المحبة الكاملة تطرد الخوف. يقول القديس أنطونيوس: “أنا لا أخاف الله لأني أحبه”. لذا فإن مخافة الله هي تبجيله ومحبته. إذا كنتُ أحبُّ الله أكون حريصاً على ألا أفقد هذه المحبة، ويزداد هذا الحرص بقدر ما تزداد هذه المحبة