من القدس إلى لبنان:
تقرير حول رحلة شعلة القبر المقدّس
إعداد الأب موسى شاطرية
تحكي وثائق عديدة عن معجزة النور المقدس في أورشليم، وعدد كبير من المؤرّخين والرحالة تناولوها، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، البيروني وابن الأثير. فالإثنان يعبّران عن تعجّبهما لما رأيا من ظهور للنور المقدّس في عيد النصارى في القدس. كما تحكي وثائق أخرى عن حضور الأمير صلاح الدين الأيوبي لهذا الاحتفال وتهيّبه لما رأى. أقدم النصوص التي تتناول وصف هذا الحدث يعود للقرن الرابع. وفيما تتميز المعجزات عامةً باستحالة تحديد زمانها ومكانها وشروط حدوثها، فإن هذه المعجزة معروف زمانها ومكانها ومجرى حصولها. ومع تطور وسائل النقل في الزمان الحديث صارت تُنقَل شعلة منها إلى بعض الدول الأرثوذكسية ليُصار إلى استعمالها في الاحتفال بصلاة الفصح أو ما نسمّيه “الهجمة”.
متى و أين تحدث أعجوبة “النار المقدسة” سنويا ؟
هذه الأعجوبة التي تبهج و تنعش جميع المسيحيين، تحدث في كنيسة قبر القيامة المقدسة في مدينة القدس. أعجوبة فيض النور المقدس من القبر المقدس تحدث سنويا في نفس الوقت و المكان منذ قيامة المسيح، في عيد الفصح الشرقي الأرثوذكسي في كنيسة القيامة أقدس مكان في العالم كله، حيث صلب المسيح ومات بالجسد ودفن و قام من القبر في اليوم الثالث ساحقا قوة الجحيم.
الاحتفال بفيض النور المقدس
تزدحم كنيسة القيامة المقدسة بعدد كبير جدا من زوارها ، من كافة الجنسيات (اليونانية، الروسية، الرومانية، الأقباط، السريان،………)، بالإضافة إلى المسيحيين العرب القاطنين في الأرض المقدسة، وذلك منذ يوم الجمعة العظيمة بانتظار انبثاق النور المقدس.
كيف يفيض النور المقدس من قبر المسيح ؟
أورد كلام غبطة بطريرك أورشليم الاورثوذكسي ثيوذوروس الذي يقول: “أركع أمام الحجر الذي وضع عليه جسد المسيح الطاهر بتقوى، وأواصل الصلاة بخوف وتقوى، و هي صلاة كانت وما تزال تتلى، و عندها تحدث أعجوبة فيض النور المقدس ( النار المقدسة) من داخل الحجر المقدس الذي وضع عليه جسد المسيح الطاهر. ويكون هذا النور المقدس ذو لون ازرق و من ثم يتغير إلى عدة ألوان، وهذا لا يمكن تفسيره في حدود العلم البشري، لأن فيضه يكون مثل خروج الغيم من البحيرة، ويظهر كأنه غيمة رطبة ولكنه نور مقدس.
ظهور النور المقدس يكون سنويا بأشكال مختلفة. فانه مراراً يملأ الكنيسة التي يقع فيها قبر المسيح المقدس. و أهم صفات النور المقدس انه لا يُحرق، و قد أستلمت هذا النور المقدّس ستة عشرة سنة، و لم تحرق لحيتي. و انه يظهر كعمود منير، ومنه تضاء الشموع التي أحملها، و من ثم أخرج و أعطي النور المقدس لبطريرك الأرمن و الأقباط، وجميع الحاضرين”.
متى ظهر أول وصف لهذه الأعجوبة؟
أول كتابة عن فيض النور المقدس في كنيسة القيامة ظهرت في أوائل القرن الرابع، والمؤلفون يذكرون عن حوادث فيض النور في أوائل القرن الميلادي الأول. فنجد هذا في مؤلفات القديس يوحنا الدمشقي والقديس غريغوريوس النيصصي اللذان يرويان كيف أن الرسول بطرس رأى النور المقدس في كنيسة القيامة، و ذلك بعد قيامة المسيح بسنة (سنة 34 ميلادي).
Text Box: صورة من القرن الثامن عشر تظهر الحجاج الروس يشتروزن الشموع
ورئيس دير في روسيا الأرشمندريت دانيال يروي في مذكراته التي كتبت ما بين سنة 1106 و1107 عن وصف دقيق لما شاهده أثناء و جوده في القدس كما يلي:
“أن البطريرك الأرثوذكسي يدخل إلى الكنيسة حاملا شمعتين، فيركع أمام الحجر الذي وضع عليه جسد المسيح المقدس، ثم يبدأ بالصلاة بكل تقوى و حرارة فيفيض النور المقدس من داخل الحجر بطيف لونه أزرق، و يضيء شمعتيّ البطريرك، و من ثم يضيء القناديل وشموع المؤمنين.”
رحلة النور المقدس إلى لبنان؟
وبالرغم من هذا فإن هذه الشعلة المقدسة لم تزُر لبنان إلا في العام 2005 بمبادرة شخصية من كاهن رعية النقاش (جبل لبنان) قدس الأب أغابيوس نعّوص، وقد تكررت في العام 2006 بمسعى جماعي من بعض الكهنة. بدأت الرحلة حين اجتمع صدفة عشرة من كهنة أبرشية طرابلس والكورة في مكتب سكرتير مطرانهم، فطرح أحد الآباء الفكرة وتبنّاها الحاضرون. وبعد أخذ بركة راعي أبرشية طرابلس سيادة الميتروبوليت إلياس (قربان)، اتُّفق على أن يتابع الفكرة صاحبها مع وكيل المطران قدس الأرشنمدريت يوحنا بطش على أن يقتسم الآباء الراغبون بالمشاركة تكاليف السفر وغيرها. بعد تداول ما هو متاح آخذين بعين الاعتبار توقيت ظهور النور في القبر المقدس ووسائل النقل المتوفرة إلى بيروت، استبعدَت إمكانية حمل الشمعة من اليونان لتأخر وصول الطائرة. تولّى الأب أنطوان ملكي العمل على حمل الشمعة من قبرص، وبعد الاستعانة ببعض الآباء للاتصال بمَن يؤمّن وصول الشمعة في الوقت المناسب إلى المطار، استُبعدَت إمكانية حملها من قبرص. في الوقت نفسه كان الكابتن في طيران الشرق الأوسط (MEA) نبيل آصاف، وهو من أبناء رعية عفصديق، يعمل على الحصول على إذن خاص لحمل الشمعة في الطائرة، كون هذا يخالف القوانين، فجاءت الموافقة مشروطة بأن تكون محمولة بيد أحد الكهنة. وهنا بدأ العمل على حمل الشعلة من عمّان. قام قدس الأرشمندريت اسحق بركات رئيس دير البلمند بالاتصال بسيادة ميتروبوليت عمان المطران بندكتوس، الذي أعطى بركته بإرسال شعلة النور المقدس إلى لبنان بعد أن تبيّن أن توقيت وصول الشعلة المقدسة إلى عمّان ملائم جداً مع توقيت وصول طائرة الشرق الأوسط إلى عمان وعودتها منها إلى بيروت. كان الأب موسى شاطرية يتولّى الاتّصال بالأب رومانوس السماوي في عمّان والأخ نضال زريقات لتنسيق الأمور. وهنا طرأ تخوّف من أن تتمّ بعض العرقلة على المعابر بين الأرض المحتلّة والأردن، فاقترح أن يذهب حامل الشمعة إلى الأردن يوم الجمعة مساءً، فبدأ البحث عن كاهن قادر على التغيّب يوم الجمعة مساءً عن صلاة الجنّاز فاختير الأب ناجي شيبان. بعد الاتّصال به وموافقته، صار تقريباً كلّ شيء جاهزاً.
كان المفترَض أن تأتي الشعلة المقدسة من المطار إلى كنيسة الجديدة حيث تُقام صلاة مختصرة لصلاة نصف الليل تنتهي بترتيل “هلمّوا خذوا نوراً…”، ومن ثمّ يحمل كل من الآباء شعلته إلى رعيته. في الشمال، فقد كان كل شيء قد ترتّب لوصول الشعلة المقدسة إلى دار مطرانية طرابلس عند الثامنة والنصف مساءً حيث يستقبلها صاحب السيادة المطران الياس (قربان) ليوزّعها على كهنة الرعايا. وهنا بدا أيضاً للمهتمّين أنّ كل شيء ترتّب.
مع حلول الخميس العظيم اتّصل أحد كهنة أبرشية بيروت بالأب الحارث إبراهيم وقال له بأن سيادة ميتروبوليت بيروت المطران الياس عودة يرغب في استقبال الشعلة في كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط المدينة. ومع أنّ هذا الردّ أتى متأخّراً، إلاّ أن فرحنا كان كبيراً، فوافق الآباء الذين كانوا يهتمّون بترتيب الأمور على نقل التجمّع من الجدَيدة إلى وسط بيروت. ومساء الخميس أيضاً، اتّصل معالي الوزير يعقوب الصرّاف بالأب الحارث إبراهيم مقدّماً خدماته لتأمين استقبال مشرّف للشعلة المقدّسة.
عند الساعة الرابعة من بعد ظهر سبت النور انطلقت الطائرة من بيروت يقودها الكابتن نبيل آصاف وعلى متنها قدس الأب ناجي شيبان، فاستقبلته مسؤولة مكتب طيران الشرق الأوسط في مطار عمّان السيدة أمل حداد عزّوني، وهي من بنات كنيستنا، ومعها قدس الأب رومانوس السماوي والأخ نضال زريقات يحملان الشعلة المقدّسة ببركة صاحب السيادة بندكتوس مطران عمان، و قد عاونهما الأب نيكتاريوس منصور والأخوة: الدكتور عماد عوّاس، غانم حمارني، خليل وهّاب و نعمة عوّاس.
عند السادسة عادت الطائرة إلى بيروت وكان في استقبالها الآباء: الأرشمندريت اسحق بركات رئيس دير البلمند ليحمل شعلة ديره، والأب الحارث إبراهيم ليحمل الشعلة إلى رعيته في بيت مري، والأبوان أنطوان ملكي وموسى شاطرية ليحملا الشعلة إلى مطرانية طرابلس، والأب نكتاريوس من أبرشية بيروت ليرافق الأب ناجي شيبان إلى كاتدرائية القديس جاورجيوس حيث يسلّمها لسيادة ميتروبوليت إلياس(عودة) مطران بيروت.
لاقى الآباء المستقبِلون الشعلة المقدسة في الطائرة، وبعدها في صالون الشرف ومن ثم انطلق كل إلى وجهته. في بيروت استقبل سيادة مطرانها الشعلة المقدسة بموكب مهيب. وفي طرابلس، استقبل سيادة مطرانها الشعلة المقدسة وحوله كهنته وجمع كبير من المؤمنين.أما في دير البلمند كان المؤمنون مع جوقة البلمند ينتظرون وصول الشعلة المقدسة ليبدأوا صلاة الفصح، فكان دخولهم إلى الكنيسة وراء رئيس الدير مؤثّراً ولا يُنسى. في بيت مري أيضاً تحوّلت البلدة كلّها إلى زياّح مهلّل للنور المقدّس. إلى هذا، وصلت الشعلة المقدسة إلى البقاع وجرى استقبالها في مدينة زحلة، كما وصلت إلى أغلبية رعايا الشمال وأجري لها استقبال في بلدة بشمزين.
كثيرون بدأوا منذ الآن يسألون عن برنامج قدوم الشعلة المقدسة في الفصح المقبل. لا بدّ أنّ رحلة هذه السنة تخللتها أخطاء كونها قامت على مبادرات خاصة من دون هيكلية تنظيمية يُرجى أن يتمّ تخطيها في السنوات المقبلة. هذه الرحلة أسّست لتقليد جديد يُرجى أن يعمّم البركة في رعايانا. المجد لله على كلّ شيء. المسيح قام، حقاً قام.
من القدس إلى لبنان:
تقرير حول رحلة شعلة القبر المقدّس
إعداد الأب موسى شاطرية
تحكي وثائق عديدة عن معجزة النور المقدس في أورشليم، وعدد كبير من المؤرّخين والرحالة تناولوها، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، البيروني وابن الأثير. فالإثنان يعبّران عن تعجّبهما لما رأيا من ظهور للنور المقدّس في عيد النصارى في القدس. كما تحكي وثائق أخرى عن حضور الأمير صلاح الدين الأيوبي لهذا الاحتفال وتهيّبه لما رأى. أقدم النصوص التي تتناول وصف هذا الحدث يعود للقرن الرابع. وفيما تتميز المعجزات عامةً باستحالة تحديد زمانها ومكانها وشروط حدوثها، فإن هذه المعجزة معروف زمانها ومكانها ومجرى حصولها. ومع تطور وسائل النقل في الزمان الحديث صارت تُنقَل شعلة منها إلى بعض الدول الأرثوذكسية ليُصار إلى استعمالها في الاحتفال بصلاة الفصح أو ما نسمّيه “الهجمة”.
متى و أين تحدث أعجوبة “النار المقدسة” سنويا ؟
هذه الأعجوبة التي تبهج و تنعش جميع المسيحيين، تحدث في كنيسة قبر القيامة المقدسة في مدينة القدس. أعجوبة فيض النور المقدس من القبر المقدس تحدث سنويا في نفس الوقت و المكان منذ قيامة المسيح، في عيد الفصح الشرقي الأرثوذكسي في كنيسة القيامة أقدس مكان في العالم كله، حيث صلب المسيح ومات بالجسد ودفن و قام من القبر في اليوم الثالث ساحقا قوة الجحيم.
الاحتفال بفيض النور المقدس
تزدحم كنيسة القيامة المقدسة بعدد كبير جدا من زوارها ، من كافة الجنسيات (اليونانية، الروسية، الرومانية، الأقباط، السريان،………)، بالإضافة إلى المسيحيين العرب القاطنين في الأرض المقدسة، وذلك منذ يوم الجمعة العظيمة بانتظار انبثاق النور المقدس.
كيف يفيض النور المقدس من قبر المسيح ؟
أورد كلام غبطة بطريرك أورشليم الاورثوذكسي ثيوذوروس الذي يقول: “أركع أمام الحجر الذي وضع عليه جسد المسيح الطاهر بتقوى، وأواصل الصلاة بخوف وتقوى، و هي صلاة كانت وما تزال تتلى، و عندها تحدث أعجوبة فيض النور المقدس ( النار المقدسة) من داخل الحجر المقدس الذي وضع عليه جسد المسيح الطاهر. ويكون هذا النور المقدس ذو لون ازرق و من ثم يتغير إلى عدة ألوان، وهذا لا يمكن تفسيره في حدود العلم البشري، لأن فيضه يكون مثل خروج الغيم من البحيرة، ويظهر كأنه غيمة رطبة ولكنه نور مقدس.
ظهور النور المقدس يكون سنويا بأشكال مختلفة. فانه مراراً يملأ الكنيسة التي يقع فيها قبر المسيح المقدس. و أهم صفات النور المقدس انه لا يُحرق، و قد أستلمت هذا النور المقدّس ستة عشرة سنة، و لم تحرق لحيتي. و انه يظهر كعمود منير، ومنه تضاء الشموع التي أحملها، و من ثم أخرج و أعطي النور المقدس لبطريرك الأرمن و الأقباط، وجميع الحاضرين”.
متى ظهر أول وصف لهذه الأعجوبة؟
أول كتابة عن فيض النور المقدس في كنيسة القيامة ظهرت في أوائل القرن الرابع، والمؤلفون يذكرون عن حوادث فيض النور في أوائل القرن الميلادي الأول. فنجد هذا في مؤلفات القديس يوحنا الدمشقي والقديس غريغوريوس النيصصي اللذان يرويان كيف أن الرسول بطرس رأى النور المقدس في كنيسة القيامة، و ذلك بعد قيامة المسيح بسنة (سنة 34 ميلادي).
ورئيس دير في روسيا الأرشمندريت دانيال يروي في مذكراته التي كتبت ما بين سنة 1106 و1107 عن وصف دقيق لما شاهده أثناء و جوده في القدس كما يلي:
“أن البطريرك الأرثوذكسي يدخل إلى الكنيسة حاملا شمعتين، فيركع أمام الحجر الذي وضع عليه جسد المسيح المقدس، ثم يبدأ بالصلاة بكل تقوى و حرارة فيفيض النور المقدس من داخل الحجر بطيف لونه أزرق، و يضيء شمعتيّ البطريرك، و من ثم يضيء القناديل وشموع المؤمنين.”
رحلة النور المقدس إلى لبنان؟
وبالرغم من هذا فإن هذه الشعلة المقدسة لم تزُر لبنان إلا في العام 2005 بمبادرة شخصية من كاهن رعية النقاش (جبل لبنان) قدس الأب أغابيوس نعّوص، وقد تكررت في العام 2006 بمسعى جماعي من بعض الكهنة. بدأت الرحلة حين اجتمع صدفة عشرة من كهنة أبرشية طرابلس والكورة في مكتب سكرتير مطرانهم، فطرح أحد الآباء الفكرة وتبنّاها الحاضرون. وبعد أخذ بركة راعي أبرشية طرابلس سيادة الميتروبوليت إلياس (قربان)، اتُّفق على أن يتابع الفكرة صاحبها مع وكيل المطران قدس الأرشنمدريت يوحنا بطش على أن يقتسم الآباء الراغبون بالمشاركة تكاليف السفر وغيرها. بعد تداول ما هو متاح آخذين بعين الاعتبار توقيت ظهور النور في القبر المقدس ووسائل النقل المتوفرة إلى بيروت، استبعدَت إمكانية حمل الشمعة من اليونان لتأخر وصول الطائرة. تولّى الأب أنطوان ملكي العمل على حمل الشمعة من قبرص، وبعد الاستعانة ببعض الآباء للاتصال بمَن يؤمّن وصول الشمعة في الوقت المناسب إلى المطار، استُبعدَت إمكانية حملها من قبرص. في الوقت نفسه كان الكابتن في طيران الشرق الأوسط (MEA) نبيل آصاف، وهو من أبناء رعية عفصديق، يعمل على الحصول على إذن خاص لحمل الشمعة في الطائرة، كون هذا يخالف القوانين، فجاءت الموافقة مشروطة بأن تكون محمولة بيد أحد الكهنة. وهنا بدأ العمل على حمل الشعلة من عمّان. قام قدس الأرشمندريت اسحق بركات رئيس دير البلمند بالاتصال بسيادة ميتروبوليت عمان المطران بندكتوس، الذي أعطى بركته بإرسال شعلة النور المقدس إلى لبنان بعد أن تبيّن أن توقيت وصول الشعلة المقدسة إلى عمّان ملائم جداً مع توقيت وصول طائرة الشرق الأوسط إلى عمان وعودتها منها إلى بيروت. كان الأب موسى شاطرية يتولّى الاتّصال بالأب رومانوس السماوي في عمّان والأخ نضال زريقات لتنسيق الأمور. وهنا طرأ تخوّف من أن تتمّ بعض العرقلة على المعابر بين الأرض المحتلّة والأردن، فاقترح أن يذهب حامل الشمعة إلى الأردن يوم الجمعة مساءً، فبدأ البحث عن كاهن قادر على التغيّب يوم الجمعة مساءً عن صلاة الجنّاز فاختير الأب ناجي شيبان. بعد الاتّصال به وموافقته، صار تقريباً كلّ شيء جاهزاً.
كان المفترَض أن تأتي الشعلة المقدسة من المطار إلى كنيسة الجديدة حيث تُقام صلاة مختصرة لصلاة نصف الليل تنتهي بترتيل “هلمّوا خذوا نوراً…”، ومن ثمّ يحمل كل من الآباء شعلته إلى رعيته. في الشمال، فقد كان كل شيء قد ترتّب لوصول الشعلة المقدسة إلى دار مطرانية طرابلس عند الثامنة والنصف مساءً حيث يستقبلها صاحب السيادة المطران الياس (قربان) ليوزّعها على كهنة الرعايا. وهنا بدا أيضاً للمهتمّين أنّ كل شيء ترتّب.
مع حلول الخميس العظيم اتّصل أحد كهنة أبرشية بيروت بالأب الحارث إبراهيم وقال له بأن سيادة ميتروبوليت بيروت المطران الياس عودة يرغب في استقبال الشعلة في كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط المدينة. ومع أنّ هذا الردّ أتى متأخّراً، إلاّ أن فرحنا كان كبيراً، فوافق الآباء الذين كانوا يهتمّون بترتيب الأمور على نقل التجمّع من الجدَيدة إلى وسط بيروت. ومساء الخميس أيضاً، اتّصل معالي الوزير يعقوب الصرّاف بالأب الحارث إبراهيم مقدّماً خدماته لتأمين استقبال مشرّف للشعلة المقدّسة.
عند الساعة الرابعة من بعد ظهر سبت النور انطلقت الطائرة من بيروت يقودها الكابتن نبيل آصاف وعلى متنها قدس الأب ناجي شيبان، فاستقبلته مسؤولة مكتب طيران الشرق الأوسط في مطار عمّان السيدة أمل حداد عزّوني، وهي من بنات كنيستنا، ومعها قدس الأب رومانوس السماوي والأخ نضال زريقات يحملان الشعلة المقدّسة ببركة صاحب السيادة بندكتوس مطران عمان، و قد عاونهما الأب نيكتاريوس منصور والأخوة: الدكتور عماد عوّاس، غانم حمارني، خليل وهّاب و نعمة عوّاس.
عند السادسة عادت الطائرة إلى بيروت وكان في استقبالها الآباء: الأرشمندريت اسحق بركات رئيس دير البلمند ليحمل شعلة ديره، والأب الحارث إبراهيم ليحمل الشعلة إلى رعيته في بيت مري، والأبوان أنطوان ملكي وموسى شاطرية ليحملا الشعلة إلى مطرانية طرابلس، والأب نكتاريوس من أبرشية بيروت ليرافق الأب ناجي شيبان إلى كاتدرائية القديس جاورجيوس حيث يسلّمها لسيادة ميتروبوليت إلياس(عودة) مطران بيروت.
لاقى الآباء المستقبِلون الشعلة المقدسة في الطائرة، وبعدها في صالون الشرف ومن ثم انطلق كل إلى وجهته. في بيروت استقبل سيادة مطرانها الشعلة المقدسة بموكب مهيب. وفي طرابلس، استقبل سيادة مطرانها الشعلة المقدسة وحوله كهنته وجمع كبير من المؤمنين.أما في دير البلمند كان المؤمنون مع جوقة البلمند ينتظرون وصول الشعلة المقدسة ليبدأوا صلاة الفصح، فكان دخولهم إلى الكنيسة وراء رئيس الدير مؤثّراً ولا يُنسى. في بيت مري أيضاً تحوّلت البلدة كلّها إلى زياّح مهلّل للنور المقدّس. إلى هذا، وصلت الشعلة المقدسة إلى البقاع وجرى استقبالها في مدينة زحلة، كما وصلت إلى أغلبية رعايا الشمال وأجري لها استقبال في بلدة بشمزين.
كثيرون بدأوا منذ الآن يسألون عن برنامج قدوم الشعلة المقدسة في الفصح المقبل. لا بدّ أنّ رحلة هذه السنة تخللتها أخطاء كونها قامت على مبادرات خاصة من دون هيكلية تنظيمية يُرجى أن يتمّ تخطيها في السنوات المقبلة. هذه الرحلة أسّست لتقليد جديد يُرجى أن يعمّم البركة في رعايانا. المجد لله على كلّ شيء. المسيح قام، حقاً قام.