الميتروبوليت كاليستوس وير
نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي
حول الكتاب
الكتاب هو مقابلة أجراها مايكل وكاتينا ميخائيل في اوكسفورد، بريطانيا، في 20 تشرين الأول 2014. بعد تفريغها راجعها الميتروبوليت ووافق على صدورها في كتاب في 18 تشرين الأول 2016. الأسئلة أعدها مايكل ميخائيل وهو استاذ مشارك في قسم الكومبيوتر وتكنولوجيا المعلومات من جامعة وولونغونغ في أوستراليا وحائز على عدد من الشهادات ومن بينها اللاهوت. كاتينا هي زوجته وهي أستاذة في كلية الهندسة في الجامعة نفسها. لكل منهما، كما لهما مجتمعَين، عدد من الكتب والمقالات في عدة حقول
ب. الإبداع والابتكار والتقدم التكنولوجي
كيف يمكننا أن نفهم فكرة أننا مخلوقون على “صورة ومثال” الله في السعي إلى أعلى مستويات ومسارات التكنولوجيا؟
لا يوجد تفسير وحيد في التقليد المسيحي لما هو المقصود بخلق الإنسان حسب صورة الله ومثاله. لكن النهج الواسع الانتشار، الموجود على سبيل المثال بين العديد من الآباء اليونانيين، هو التمييز بين هذين المصطلحين. تشير الصورة في هذه المقاربة إلى المَلَكات البشرية الأساسية التي تُعطى لنا؛ تلك الأشياء التي تجعلنا مخلوقات بشرية، والقدرات الممنوحة لكل إنسان. الصورة على ما هي عليه، نقطة انطلاقنا، العتاد الأول الممنوح للجميع. ينظر إلى الشبه كنقطة النهاية. المثال يعني أن الإنسان في شركة مع الله، يعيش حياة قداسة. المثال يعني القداسة. الإنسان الحقيقي في هذا النهج هو القديس. فعليه، نحن البشر مسافرون، حجاج، في رحلة من الصورة إلى المثال. يجب أن نفكر في الطبيعة البشرية بعبارات ديناميكية. عنصر النمو أساسي لشخصيتنا. إذن الآن، الصورة تعني أننا نملك قوة التفكير العقلاني، قوة الكلام، التعبير باللغة التي من خلالها يمكننا التواصل مع الآخرين؛ وهذا يعني العقل بالمعنى الأوسع. والأهم من ذلك، أنه يعني أننا بشر ذوو ضمير وشعور بالصواب أو الخطأ، وبأننا نتخذ قرارات أخلاقية. الأهم من ذلك كله هو أن الصورة تعني أننا بشر لدينا وعي بالله وإمكانية الارتباط بالله والدخول في شركة معه من خلال الصلاة. وهذا بالنسبة لي هو المعنى الأساسي للصورة، أننا البشر مخلوقون للتواصل مع الله. هناك اتجاه وتوجّه في إنسانيتنا. نحن لسنا أحرار وحسب. الكائن البشري من دون أي علاقة بالله ليس إنسانًا حقيقيًا. بدون الله نحن مجرد إناس ثانويين. إذاً، الصورة تعطينا القدرة على أن نكون في شركة مع الله، وهذه هي طبيعتنا الحقيقية. لقد خُلقنا للعيش في الصحبة والتواصل مع الله الخالق. لذا فإن الصورة تعني أنك لا تستطيع أن تفكر في البشر ببساطة بمعزل، باعتبارهم مكتفين ذاتياً ومعتمدين على الذات، بل عليك أن تنظر إلى علاقتنا مع الله. عندها فقط سوف تفهم ما هو أن تكون إنساناً
ما هي النقطة التي قد تجعل اللاهوتيين أو الأخلاقيين يعتبرون أننا قد عبرنا الخط من الابتكار المسؤول والبحث العلمي إلى الاستعلائية؟
كلاهوتي مسيحي، لا أرغب في فرض قيود على البحث العلمي، كما من سلطة أعلى. كما ذكرت سابقًا، لقد منحنا الله القدرة على فهم العالم من حولنا. كل الحقيقة تأتي منه. المسيح حاضر في البحث العلمي، حتى لو لم يرد ذكر اسمه. لذلك، أنا لا أسعى بطريقة نظرية لأقول للعالِم: إلى هنا وليس أكثر. على العالِم، باستخدام طرق البحث التي طورها، أن يواصل عمله دون عوائق. لا يمكن للمرء أن يضع حظراً على النظر في أي موضوع. ولكن هنا يرِد السؤال التالي: كيف نطبّق معرفتنا العلمية؟ الإستعلائية تأتي عندما يتجاوز العلماء نظامهم الخاص ويحاولون أن يُملوا علينا كيف نعيش حياتنا. لا تعتمد الأخلاقية على الحقائق العلمية فقط. نحن نأخذ قيمنا، إذا كنا مسيحيين، من إيماننا. العلم الحديث هو تحقيق صادق في الحقيقة. طالما هذا هو الحال، فعلينا أن نقول للعالِم: رجاءً واصل عملك. أنت لا تتحدث عن الله، لكن الله موجود في ما تفعله، سواء أدركتَ ذلك أم لا. يأتي الاستعلاء عندما يعتقد العالِم أنه يستطيع الإجابة على جميع الأسئلة المتعلقة بحياة الإنسان. تأتي العجرفة عندما نعتقد أنه يمكننا ببساطة تطوير تقنيتنا دون التساؤل: هل هذا تطبيق جيد أو سيئ للعلوم؟
هل هناك أي صلة لقصة برج بابل (التكوين 11: 1-9) المعروفة بإشارتها المزدوجة إلى “الاستعلاء” و“الهندسة“؟
نعم، هذه طريقة ممتعة للنظر إلى قصة برج بابل. قصة برج بابل هي في الأساس وسيلة لمحاولة فهم سبب كوننا نحن البشر نتحدث العديد من اللغات المختلفة ونجد صعوبة في التواصل مع بعضنا البعض. لكن أساس قصة بابل هو بالضبط الإفراط في الثقة بقوتنا البشرية. في قصة برج بابل، يعتقد الناس أن بإمكانهم بناء برج يمتد من الأرض إلى السماء. يعتقدون أنهم يستطيعون سد الفجوة بين الإنساني والإلهي بقوة الهندسة. وهذا بالضبط هو أن نعزو إلى التكنولوجيا، إلى مَلَكَة الهندسة عندنا، ما هو خارج نطاق التكنولوجيا ويتخطّى الهندسة. بمجرد أن تنتقل من عالم الواقع الفعلي إلى عالم السماء، فأنت تنتقل إلى عالم مختلف حيث لا نعود نعتمد ببساطة على قدراتنا البحثية ولا على أهليّتنا لتطبيق العلم. لهذا، بالضبط، قصة برج بابل هي قصة اعتقاد البشر بأن قوتهم غير محدودة، وبخاصة قوة غير محدودة لتوحيد الأرضي مع السماوي، في حين أن هذه الوحدة لا يمكن أن تأتي إلا من خلال الاعتراف باعتمادنا على الله
إذا كنا نحمل بذرة عبقرية الله الخلاّقة في داخلنا، فلماذا لا نستطيع أو لا ينبغي أن نكتشف ونبتكر، ونذهب إلى آخر ما هو ممكن بشريًا في الابتكار؟
نعم ، نحن نحمل بذرة عبقرية الله الخلاقة في داخلنا، لكن من وجهة النظر المسيحية للعالم نحن البشر مخلوقون ونعيش في عالم ساقط. الآن، كيف يمكن تفسير السقوط في التقاليد المسيحية يمكن أن تختلف، ولكن أساس كل أشكال فهم السقوط هي فكرة أن العالم الذي نعيش فيه قد وقع في الخطأ بطريقة أو بأخرى. هناك تباين مأساوي بين هدف الله ووضعنا الحالي. لذلك، كبشر ساقطين علينا أن نقدّم مشاريعنا لحكم الله. علينا أن نسأل، ليس ما إذا كان هذا ممكنًا وحسب، بل أيضًا ما إذا كان هذا وفقًا لإرادة الله. من الواضح أن هذا ليس مسألة علمية أو تكنولوجية. المسألة ليست ما هو ممكن بل ما هو صحيح. بالطبع، صحيح أن كثيرين لا يؤمنون بالله، وبالتالي لن يقبلوا ما قلته للتو بأنّ هذا العالم ساقط. ومع ذلك، فهم أيضًا، حتى أولئك الذين لا يؤمنون بالله، عليهم التعاطي مع العلم والتكنولوجيا بتطبيق فهمٍ أخلاقي. آمل أن يفعلوا ذلك من خلال التفكير في معنى ما يجب أن يكون عليه الإنسان، وعلى قيمة الشخصانية. وأعتقد أنه في هذا المجال، يستطيع المسيحيون وغير المسيحيين، المؤمنون وغير المؤمنين، إيجاد قدر كبير من الأرضية المشتركة. في الوقت نفسه، لا يمكننا أن نفهم تمامًا حدودنا كبشر ساقطين دون الرجوع إلى إيماننا. لذا فإن التعاون مع غير المؤمن يمتد فقط إلى درجة محدودة معينة