على ضوء إنجيل الأحد بعد الميلاد
إعداد الأب أنطوان ملكي
“وَبَعْدَمَا انْصَرَف المجوس، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ”. هذا ما نقرؤه من الكتاب المقدس في الأحد الذي يلي عيد الميلاد وهو محدد ليوسف الخطيب. هناك في المسيحية أكثر من موقف من يوسف كليم الملائكة. فالغرب في تعليمه عن عائلة مقدسة يعطي يوسف مكانة لا يشير إليها لا الكتاب المقدس ولا التقليد. واضح قول الكتاب المقدس “قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ” الذي لا يقول خذ امرأتك والصبي أو ابنك، وبالتالي لا مكان للحديث عن “عائلة مقدسة” تضمّ يوسف ومريم ويسوع. فيسوع “بلا أم من جهة أبيه وبلا أب من جهة أمه”. هذا هو التجسد الذي عيّدنا له في الميلاد.
نعرف أن يوسف كان مترملاً. لكن انخراطه في مسيرة الخلاص كرّسه وكرّس معه عائلته الكبيرة. فكلاوبا الذي كان أحد الرسل السبعين وقد ظهر له الرب على طريق عمواص كان أخاه. أما أبناؤه الذين نعرفهم فهُم الرسول يهوذا والرسول يعقوب أخو الرب الذي صار أول أسقف لأورشليم وسالومة حاملة الطيب التي كانت أمّ ابني الرعد الرسولين يعقوب ويوحنا. يوسف كان فاهماً أنه وكيل لكلمة الله وبهذا يمكن اعتباره أول اليهود المهتدين إلى المسيحية. فهو حين تشكك من حمل مريم عاد فأطاع الملاك و”أخذها إلى خاصته” منخرطاً في خدمة الطاعة للرب وللمخطط الخلاصي. وبعد ميلاد يسوع كرر طاعته إذ “أَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ”.
من هذه الرحلة إلى مصر والعودة منها يمكننا أن نرى اتكال يوسف الكامل على الله وثقته بتدبيره. يخبرنا التقليد أن يوسف لم يكن يعرف مصر ولا أقارب له فيها ولا معارف. لكنه ببساطة تبع الرب يوماً بيوم. حتى في عودته أطاع ولم يمر بأورشليم ولا باليهودية بل ذهب إلى الجليل إلى الناصرة. في كل هذا الوقت تصرّف يوسف على أساس الثقة البسيطة بكلمة الله. لم يكن عنده ضمانات ولم يطلبها، ولا انشغل بما ينتظره في كل يوم. لكنه وثق بإعالة الله يومياً لأنه كان يعرف أن الله يعطيه حاجته طالما هو يسلك في طاعته. هذا الموقف طوّبه الرب يسوع المسيح بعد ثلاثين سنة في عظته على الجبل. فيوسف إذ قد سمع كلمة الله وحفظها باتكال ثابت على تدبير الله، يُحسَب بين الأبرار. فهو كخطيبٍ لمريم صار حامياً لها وللطفل الإله الإنسان الذي ولدته. وبهذا الدور صار كالملائكة الذين عملوا على تمام سر الخلاص، وكما يذكر التقليد هو استمر في هذا العمل حتى بعد موته، إذ إنه أخبر الذين في الجحيم عن مجيء المسيح والخلاص المنتظَر.
في كل ما نعرف عن سني يوسف المئة وعشرة نرى صورة التواضع والبِر وأعلى درجات الصلاح. فهو قد ربّى وحمى وغذّى الرب المتأنّس ووالدته الدائمة البتولية بطريقة تلزِمنا على تقديره ومديحه وطلب شفاعته، لأن الرب على الأكيد لا يهمل تمجيد مَن أحبّه بهذا المقدار والشكل. إن يوسف قد غمرت نتوءات النجارة يديه أما نفسه فقد ارتفعت بالمعرفة الإلهية وهذا ظاهر في ثقته بالله الثابتة والغالبة للشك والتي تضعه أمامنا مثالاً لامعاً عن كيف ينبغي أن ننظم حياتنا: حياةً تقوم على الثقة بالله والاتكال عليه واتّباع كلمته.
إن زماننا هو زمان العبيد البطالين الخائفين أن يخسروا نعومة أيديهم لهذا نحن مترددون نطلب راحتنا في كل شيء ونضع الشروط حتى على الله. إن نعومة الأيدي تعكس ضحالة النفوس المتهرّبة من الجهاد ومن الالتزام. لهذا ينتصب يوسف الخطيب أمامنا مثالاً يعلّمنا أن الإيمان بالمسيح والإخلاص له يكونان بالأعمال وليس بالكلام وحسب.
* عن نشرة الكرمة