الأب أنطوان ملكي
القديس ييرونيموس السيمونبتريتي هو أحد القديسين الجدد في الكنيسة الأرثوذكسية الذين أعلن البطريرك القسطنطينية قرار مجمع الكنيسة المسكونية ضمّهم إلى سنكسار الكنيسة أثناء زيارته للجبل المقدس أثوس مطلع تشرين الأول 2019.
القديس ييرونيموس من مواليد آسيا الصغرى في سنة 1871. دخل دير سيمونوبترا في الجبل المقدس كمبتدئ سنة 1888. رقد بالرب سنة 1957.
تربّى القديس في عائلة مؤمنة كان لها الأثر الكبير في تكوّن شخصيته وتوجهه الإيماني. والداه نيكولاوس وماريا عاشا في قرية ريزدير القريبة من ألاتاستا حيث غالبية الناس مزارعون. في المعمودية سمي يوحنا. في المدرسة تميّز بذكائه ووعيه. منذ حداثته جعل من كنيسة القرية مركزاً لحياته، حيث كان يساعد الكاهن في الهيكل والجوقة في الترتيل. كان يجد الفرح في الاشتراك في السهرانيات ومجالسة الكهنة. كانت كل تصرفاته توحي بأنه أكبر من عمره، خاصةً صمته وجدّيته وتقواه.
هذه الصفات اكتسبها في عائلته الفقيرة، التي ساهم فكرها بتعرفه على الصعوبات منذ صغره، ولكن على احتمالها ومواجهتها بصبر ورجاء. هذا ساعده لاحقاً، كراهب على احتمال الصعوبات طوعياً. كان لأمه أثر مهم على حياته، فمنها قد تعلّم سيَر القديسين، وعلى يدها تعلّم أن يصوم ويصلّي ويحبّ الله. كان يقول أن أوائل أصدقائه كانوا القديسين. لطالما أضاعته العائلة لكن والدته كانت تعرف أن تجده في الكنيسة. أصيب مرة بألم هائل في رجله فترك البيت وسكن في كنيسة القديس ديمتريوس لأربعين يوماً صائماً، فشفاه القديس. وتكرر الأمر نفسه عندما أصيب بجدري الماء. في المرتين كانت عائلته داعمة له بالرغم من صغر سنه.
في إحدى المرات، وكان في السابعة من عمره، سمع أخته تقول أبيات المديح لوالدة الإله. في الصباح سألته إن كان يعرف المديح، وإذ لم يكن يعرفه قالت له أن حان دوره ليتعلّم، وعلّمته. ومن حينه ظهرت محبته الكبيرة لوالدة الإله التي رافقته طوال حياته.
في سن الثانية عشرة ذهب مع ثلاثة من رفاقه إلى خيوس ليقابلوا الشيخ برثانيوس (القديس) المعروف في حينه بتمييزه، والذي كان يسلك في النسك في مغارة بالقرب من الدير الذي أسسه. عند وصولهم استقبلهم مسمياً بأسمائهم، ثم قال لكل منهم عن الدرب التي سوف يسلكها في حياته، وقد فرح يوحنا عندما أخبره بأنه سوف يكون راهباً.
يحكي الأب ييرونيموس عن أن أكبر همومه في مراهقته كان إرضاء الله، وهذا ما جعله يختار حياة الرهبنة غير خائف إذ إن الرب قال “تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم”. أعطته عائلته البركة للذهاب إلى جبل أثوس. في وداعه، قال له أبوه “إذهبْ ولا تعدْ” لأنه أراد منه أن يثبت في الطريق الذي اختاره، إذ إن البعض كانوا يمضون إلى الأديار ثم يعودون منها متخلين عن ما اختاروه في مسيرتهم.
لاحقاً، دخلت والدته ماريا الدير وصارت الراهبة ميلاني محققة ما كانت تتمناه منذ صباها ومظهِرة إيمانها بشكل أكثر فعالية. أخوه صار راهباً أيضاً متّخذاً اسم ماكسيموس. كما أن راهبتين، مجدلينا وكاسياني، خرجتا من العائلة نفسها كانتا متزوجتين قبلاً، بعد أن كبر أبناؤهما.
إن عائلة القديس الجديد ييرونيموس، كمثل عائلات أخرى لقديسين كثيرين نعرفهم كالقديس غريغوريوس بالاماس والذهبي الفم والشهيد بندلايمون وغيرهم، بالإضافة إلى عائلات كثيرة لا نعرفها، كلها شهادات على أن الجو العائلي هو أهم العوامل التي تفعل في تحديد التزام الأبناء وسلوكهم نحو الله. ليس الهدف في هذه العجالة التركيز على كثافة الرهبان في عائلة القديس ييرونيموس ولا القول بأن الحياة الرهبانية هي الطريق الوحيد إلى الله، إنما الهدف هو التركيز على دور العائلة، لأن هذا أمر نفتقده في أيامنا. إن وقوف العائلات في أيامنا بوجه طالب الرهبنة هي دليل على خفتان روح الالتزام حيث أن البيوت غير مستعدة لأن تقدّم لله. من الضروري الانتباه إلى مجمل الجو الذي تهيئه العائلات والذي، للأسف في أيامنا، لا تأتي الكنيسة والإيمان على رأس اهتماماته. فهموم العائلة الرئيسية غالباً ما هي الأكل والملبس والعلم، مع أن هذه أمور تُزاد للعائلة المؤمنة التي تطلب ملكوت الله وبرّه (متى 33:6).
فبشفاعة قديسك الجديد ييرونيموس أيها الرب يسوع المسيح ارحمنا وخلصنا. آمين.