القديس سبستيان دابوفيتش
نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي
نرغب في إخباركم شيئاً، وهو أمر في غاية الأهمية. نجد أنه من الضروري، لسوء الحظ، تكرار ما قلناه عدة مرات. نتحدث بصراحة، دون تنميق للكلمات، لأننا نشعر بمسؤوليتنا أمام الله – إذا أسيء فهمنا. نود أن نذكركم بالتعليم في رعيتنا. أنتم ترسلون أطفالكم إلى المدرسة لتعلم القراءة والكتابة. أنتم تعرفون أنه عليكم القيام بذلك. ولكن كم منكم يفكر في الالتزام الجاد بإعداد أطفالكم بشكل صحيح وشامل للحياة التي سوف يسلكون فيها بعد بضع سنوات فقط؟ في الواقع، يهتم البعض بما يسمونه تعليمًا لائقًا لأطفالهم، والذين لن يتراجعوا عنه من أجل أحد، لكنهم سيكونون جيدين ولطيفين مثل الآخرين في المدينة. ركن بيت المستقبل الأساسي غالبًا ما سوف يُضطر إلى مغادرة المنزل لتعلّم حتى الطبخ والرقص، فإذا أرسلتم أطفالكم إلى المدرسة لدراسة القواعد والحساب لماذا لا تكونون متلهفين لإرسالهم إلى الكنيسة ليدرسوا الدين؟
إذا كنتم مهتمين حقًا برفاهية أطفالكم، فلماذا لا تراقبون بدقة، ولمرة واحدة في الأسبوع، كيف يتبعون دروسهم في تعلّم شريعة الله، كما تفعلون مع بعض الواجبات، والتي بدا أن الأطفال مجبرون على الاستعداد خلال الإثني عشر ساعة القادمة لمدرستهم العامة؟ عليكم أن تطيعوا الله، فوق الجمهور وجميع الأسياد الآخرين، أو تفقدون نفوسكم بسبب المسؤولية الواقعة على عاتقكم من أجل رفاهية أطفالكم في الحاضر والمستقبل.
حيث يكون هناك فكر تكون دائمًا المعرفة. ومع هذا، يجب عليكم تعليم الطفل. علموا الصبي والفتاة الجغرافيا والتاريخ؛ ولكن إن لم تدربوا إرادة الطفل، ليس فقط لإرضائكم، بل لكي ينحني أمام إرادة الله المقدسة، وهو العادل الوحيد الذي يكافئ عن الخير والشر، فأنتم تفشلون كمسيحيين. حيث لا يوجد انضباط لا يوجد ثبات. حيث لا يوجد قانون، لا يوجد نظام ولا سلام ولا سعادة أبدية. إن لم تتردد أي أحاسيس رقيقة في قلب الشباب، يكون الوقت والجهد اللذين قُضيا في التعليم قد ضاعا، أعَلَى علم النبات أو الموسيقى.
للأسف! نرى أطفالًا صغارًا في سن العاشرة، يبدو أن أدمغتهم تهتز من المسائل الحسابية، في حين أنه تنقصهم الأخلاق الحميدة ليزيحوا عن طريق شخص عجوز، أو حتى الشعور الإنساني المشترك في الرغبة بمساعدة مَن في ضائقة. لقد رأيت حتى شباناً وشابات يقفون محدقين في بعض رفقائهم وهو يُصاب بالإغماء من الإرهاق، دون تقديم الخدمة الأكثر بساطة، إحضار كوب من الماء البارد.
مهما كانت التمارين الرياضية التي يتابعونها منتظمة، ومهما كانت دروس علم وظائف الأعضاء محضّرة بتأنٍّ، فلن تفيد أطفالكم إلا قليلاً، إن لم يعرفوا الدَرجات التي عليهم تسلقها سعياً إلى الأكثر سمواً. إذا كنتم مسيحيين أيها الآباء والأمهات، فعندئذ نحن خدّام الكلمة نستطيع أن نستريح على الرجاء الهادئ بأن أبناءكم قد تعلموا على نحو صحيح وبصدق أن يمدحوا الخالق المهيب في الضحى، وكذلك في منتصف النهار، ويعترفون بأنفسهم أمام الله، وجهراً أمام جميع الناس، معترفين بالله، بينما في الليل يلتمسون رحمته بتواضع. لكن إن لم يستدعِ أبناؤكم ملاكهم الحارس، إذا لم يغبّطوا والدة ربنا يسوع المسيح الفائقة الطهارة، وسجدوا بتعبّد متواضع، متوسلين نعمة أبينا السماوي، فلستم مسيحيين.
إنها لَحقيقة محزنة يجب تسجيلها في كرسي قضاء الله الأرضي هذا، وهي حقيقة مريرة بالنسبة لي كما هي بالنسبة لكم. ومع ذلك، فإننا نقر ونتقبل المرارة الصادقة على أمل أن يثبت أنها علاج شافٍ سيحقق نتائج سلامية لذيذة.
في رعيتنا أهل يذهبون إلى المسارح مع أولادهم، ولا يفكرون مسبقًا في شخصية المسرحية؛ إنهم يعلمون السيدات والسادة الصغار، أي رجال ونساء المستقبل في أرض مسيحية، أن يشتروا ويختاروا الملابس التي ترضي أعين العالم، سواء كانت صحية أو معقولة أم لا. نعم ، إنهم “مع العصر”، ويرتادون فصول المدارس العامة؛ يضعون تواقيعهم على تقارير المدرسة الشهرية. آه! إنهم يريدون إصلاح شخصية المدرسة نفسها. إذا تأخر أطفالهم خمس دقائق فقط لا يذهبون إلى المدرسة دون عذر مكتوب. ومع ذلك، فإن من حق مواطني هذا البلد سنّ قوانين من شأنها أن تحمي صغارهم من الانغمار بالمفاهيم (التي تنتهي أسماؤها بالإنكليزية بِ “ology” أو “ism”)، وتأمين نموهم الصحي وتعليم الحس السليم.
كيف هو الأمر مع تعليمنا الديني؟ أطفالنا لا يحضرون ولا يهتمون بما يكفي لدعوة أصدقائهم وجيرانهم المسيحيين للمجيء معهم. لا يزورنا الأهل، إلا مرة واحدة في السنة، وحين لا نكون مجتمعين. ما هو واجبنا نحو الأطفال؟ القليل وحسب مما هو أعظم. القليل جداً، مرة أو مرتين في الأسبوع، من وصايا الله وإنجيل ابنه يسوع المسيح. لا أحد يفكر في ذلك؛ لا أحد في المنزل ليرى أن عمل حياة الأسرة يتم! خلال الساعة القصيرة التي نتدبّر فيها جمع عدد قليل من الأطفال الجامحين، يجب أن ندرس ونكرر ، إذ حتى الصلوات لا يتم تعلمها في المنزل.
أيها المسيحيون الأحباء! نحن بحاجة إلى تعاونكم. قد نبذر البذار لكن تذكّروا أن تأثيركم في البيت هو نور الشمس الذي يدفئ الأرض. من ثم اسألوا أنفسكم، أليست الريح باردة بعض الشيء، والشمس قريبة جداً حتى أن أشعتها لا تنزل مستقيمة؟ قد نقلّم النبتة لكن واجبكم أن تستمروا في ريّها. أسقوا نباتات حديقتكم الثمينة بدموع مصلية! نحن ندعوكم لزيارتنا بين الحين والآخر خلال اجتماعنا. إذا سؤلنا، كم واحد منا يصلي مع الأولاد، فإن الحيّ الضمير سوف يجيب قليلاً وقليلاً جداً. البعض فقط في رعية من ثلاثمئة نفس. بشكل عام، في المساء يُرسَل الأولاد إلى السرير، وفي بعض الأحيان يُنادى عليهم بأن يقولوا صلاتهم أولاً. من وقت لآخر هناك صلاة، لكن غالباً هناك “قول صلاة”. أينبغي بي أن أشرح أن أطفال المسيحيين ينبغي متابعتهم إلى راحتهم الليلية، وفي غالب الأحال يجب “وضعهم” في السرير.
من واجب الأهل بشكل خاص أن يتأكدوا أن أطفالهم يصلّون بشكل صحيح وأن يصلّوا معهم بأنفسهم بصوت مسموع. لا يكُن هذا العمل روتينياً. لا تفكروا ولا للحظة أن هذا يجب أن يكون روتيناً يومياً. هذا النظام المعقول، عندما تركعون إلى جانب الطفولة الرقيقة وترون الصغار يصلّون، هذا سوف يشعل في قلوبكم، كما يفعل في قلوبهم في الوقت نفسه، نار المحبة السماوية. إلى هذا، صلواتكم يجب أن تكون صلوات كنيسة المسيح الأرثوذكسية. ليس لأمنا الكنيسة إلا شكلاً واحداً للصلاة غير قابل للخطأ، أعطاه لها ربنا يسوع المسيح. إنه استدعاء، طلبات، وتمجيد. بتعبير آخر إنه دعوة وطلب ومديح. إذا ركّزتم عقولكم على كل موضوع من هذه التقسيمات، فإن صلاتكم لن تكون “قولاً” بل “تقدمة”. مجدداً نسألكم أن تعطونا انتباهكم المتحسس بالواجب ومساعدتكم في عمل تعليم أبنائنا. إن لم يكن من أجل راحتكم في شيخوختكم ومرضكم، فليكن من أجل الآب القدير في الملكوت، قاضينا، أيقظوا في قلوبهم محبة ذاك الذي هو قدوس وبالحقيقة جميل. آمين.
عظة ألقيت في سان فرانسيسكو سنة 1899
From Lectures and Sermons by a Priest of the Holy Orthodox Church, by Archimandrite Sebastian Dabovich, Cubery and Company, Publishers, San Francisco CA, 1899, pages: 148-152.