القديس سارافيم فيريتسا
نقلها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي
هذه إحدى الرسائل المشهورة للقديس سيرافيم فيريتسا أرسلها إلى أحد أبنائه الروحيين الذي كان أسقفاً سجيناً في الاتحاد السوفياتي في حينه، وذلك لتعزيته وإرشاده.
أفكّرتَ في وقت ما أنّ ما يمسّك يمسّني أيضاً؟ لأن ما يمسّك يمسّ تفاحة عيني. أنت عزيز في عينيّ وغالٍ وقد أحببتكَ كثيراً لذا من دواعي بهجتي أن أربّيك. عندما تهتاج التجارب ضدك، ويأتي العدو كمثل نهر، أريدك أن تعلم أن هذا كان منّي.
ضعفك يحتاج إلى قوّتي وأمانك يأتي من إعطائي الفرصة أن أحارب من أجلك. إذا وجدتَ ذاتك في ظروف صعبة، ما بين أناس لا يفهمونك، لا يقيمون أي اعتبار لما تريد، يُقصُونك، فهذا كان منّي.
أنا الله، الذي يرتّب الظروف. ليس من باب الصدفة أن تجد نفسك في المكان الذي أنت فيه. هذا هو المكان الذي عيّنتُه لك. ألم تسألني أن أعلّمك التواضع؟ حسناً إذاً انظرْ: لقد وضعتُك في هذا المكان بالتحديد، في تلك المدرسة، حيث تتعلّم هذا الدرس. إن ما يحيط بك والذين يعيشون معك يحققون إرادتي وحسب. إذا وجدتَ نفسك في صعوبة مالية، إذا وجدت أن تحقيق أهدافك صعب، فهذا كان منّي.
فأنا عندي سبُلُك المادية بتصرفي. أريدك أن تناديني، أن تكون متّكلاً عليّ. إن مخزوناتي لا تنضب. أريدك أن تكون ثابتاً في الإخلاص لي ولوعودي. أليس ممكناً أن يُقال لك في حاجتك: “أنت لم تؤمن بالرب إلهك”. أأنت في ليلٍ من العذاب؟ أنت مفصولٌ عن أحبابك والقريبين من قلبك؟ هذا كان منّي.
أنا رجل الآلام الذي تذوّق المِحَن. أنا سمحتُ بذلك حتى تتحوّل أنت إليّ، وحتّى تجد فيّ الراحة الأبدية. إذا تخلّى عنك صديقُك وهو الذي فتحتَ له قلبَك، فهذا كان منّي.
أنا سمحتُ لهذه الخيبة أن تلمسَك حتى تعرف أن صديقك الأفضل هو الرب. أريدك أن تحمل كل شيء إليّ وأن تتحدّث إليّ. هل افترى عليك أحدُهم؟ أعطِني هذا واجلبْ نفسك إلى قربي، أنا ملجؤك، لتختبئ من “معاكسات الأمم”. أنا سوف أظهر برَّك كالنور، وحكمَك كمثل الظهيرة. إذا تهشمّتْ مخططاتُك، إذا كنت مضطَهداً بالنفس ومتعباً، هذا كان منّي.
لقد وضعتَ مخططات، وأتيت بها إليّ حتى أباركها. لكني أريدك أن توكِل إليّ ظروف حياتك، ومن ثمّ المسؤولية عن كل شيء سوف تقع عليّ، لأن هذا صعب جداً بالنسبة لك. لوحدك لا تستطيع إدارتها، لأنك مجرّد أداة ولست الفاعل. إذا زارتك مشاكلُ غير متوقّعة وإذا استولى القنوط على قلبك، فاعلمْ هذا كان منّي.
فأنا أريد أن يكون قلبُك ونفسُك دائماً ملتهبَين أمام عيني؛ للتغلب على جُبن النفس باسمي. إن لم يبلغْك خبرٌ من أعزائك وأصدقائك لفترة طويلة، وفي ضعف قلبك وقعتَ في الكآبة والتبرّم، فاعلمْ هذا كان منّي.
بهذا الغمّ في روحك، أختبرْ قوةَ إيمانك في الثقة بوعدي وقوةَ ثباتِك في الصلاة لأحبائك. ألم يكن أنت مَن سلّمهم إلى حماية والدتي الفائقة الطهارة؟ أليس أنت مَن أوكل الاهتمام بهم إلى محبتي المدبّرة؟ إذا زارك مرضٌ، عابر أو غير قابل للشفاء، وحَبَسَك في سريرك، فاعلمْ هذا كان منّي.
أنا أريدك أن تزداد تعمّقاً في معرفتي حتى في أسقامك الجسدية، حتى لا تتأفف من التجربة المرسَلة إليك، حتّى لا تحاول أن تسبر مخططاتي من خلال وسائل مختلفة لخلاص نفوس البشر، بل لكي تحني رقبتك من دون تذمّر صاغراً لصلاحي نحوك. إذا حلِمتَ بالقيام ببعض الأعمال المميزة لي، وبدلاً عن ذلك وقعتَ على سرير الأمراض والضعفات، فاعلمْ هذا كان منّي.
ومن ثمّ لو أنك غرقتَ في نشاطاتك، لما كنت أنا قادراً على جذبِ أفكارك إليّ، لأني أريد أن أعلّمك أفكاري ودروسي الأكثر عمقاً، حتّى تكون في خدمتي. أريد أن أعلّمك أن تدرك أنّك لا شيء. إن بعض أفضل العاملين معي هم أولئك الذين انقطعوا عن نشاطهم الحيوي لكي يتعلّموا كيف يبرعون في الصلاة غير المنقطعة. هل دُعيتَ بطريقة غير متوقعة إلى شَغل مركز صعب ومسؤول؟ اذهب وارمِه عليّ. أنا أوكل هذه الصعوبات إليك حتّى يباركك الرب الإله في كل أعمالك، وكل سبلك، وفي كل ما تصنعه يداك. في هذا اليوم أضع بين يديك وعاءً من الزيت المقدّس. استعمله بسخاء يا ابني! كل صعوبة قد تطرأ، كل كلمة قد تهينك، كل عائق لعملك قد يثير في داخلك شعوراً بالغضب، كل إظهار لضعفك وعجزك، يجب مسحه بهذا الزيت.
تذكّر أن كل عائق هو تعليم إلهي. كل لسعة سوف تهزُل عندما تتعلّم أن تراني في كل ما يمسّ بك. لهذا ضَعْ الكلمة التي أعلنتُها لك اليوم في قلبك: هذا كان منّي. لأن هذا ليس أمراً فارغاً بالنسبة لك، إنه حياتك.