“فلتُنشَر، ولتُكتَب”: إذن النشر، التعليم المسيحي والعصر الرقمي
الأب جون باركر*
جاءتني نينا بمخاوف وقلق. لقد عرفت من خلال آلة الترويج المدهشة المتفوّقة على مثيلاتها، فيسبوك، عن كتاب هو مجموعة مقالات عنوانه “لأني صُنِعتُ بطريقة رائعة: نصوص حول الأرثوذكسية الشرقية ودمج المثليين“. اهتمام نينا كان، بالإضافة إلى المحتوى التخريبي، أن المحرر، وهو أحد زملائها في الصف، في وقت ما كاهناً متبتلاً، ولكن في عيد الظهور الإلهي دخل في عقد زواج من نفس الجنس في الولاية المجاورة. وقد كان رجلاً موهوباً ومحبوباً كثيراً من زملائه. وفوق ذلك، فإن متقدّماً في كهنة إحدى كاتدرائياتنا يساهم في هذا الكتاب بمقال مثير للجدل.
نينا لم تكن متزعزعة كثيراً في إيمانها بقدر ما كانت قلقة من نشر هذه المجموعة من المقالات، التي أيّدها وأنتجها كهنة أرثوذكسيون “موثوقون” من أصحاب السمعة الثابتة. تخيلوا: كتاب للترويج للمثلية الجنسية، حرّره كاهن سابق متبتّل، مقطوع الآن لزواجه المثلي، مع عملٍ يساهم به متقدّم في كاتدرائية ويتمّ الترويج له على Facebook وبيعه على Amazon.com.
اتصل بي أحد أصدقائي المستنيرين حديثاً يوم الثلاثاء الماضي. “هل صحيح أن المتروبوليت كاليستوس وير قد كتب لصالح الزواج المثلي كما ورد على مدوّنة Orthodoxnet.com؟” [1]. كتب صاحب السيادة مقالته في آخر إصدار من المجلة الإلكترونية “العَجَلَة The Wheel“، التي يحررها ويساهم فيها الجماعة المذكورة أعلاه ومَن على علاقة بهم. ويقدّم العدد الأخير، بحسب أحد الذين كتبوا “وجهات نظر مختلفة” حول الجنس والإنسان من وجهة النظر الأرثوذكسية التقليدية. أتساءل: هل هناك “وجهات نظر مختلفة” حول الجنسانية في تقليد المسيحية الأرثوذكسية الأخلاقي؟
يوفّر العصر الرقمي وصولاً غير مسبوق إلى أكثر المجموعات إثارة للذهول. على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يدرس مخطوطة رقمية عالية الدقة من ( Codex Sinaiticus معروفة بإسم إنجيل سيناء وهي مخطوط عمره ما يفوق 1600 سنة) [2] أو يمكن للمرء أن يقرأ على الإنترنت كامل مجموعة الآباء، ما قبل نيقية وما بعد نيقية، باللغة الإنجليزية في ملف PDF قابل للبحث [3]. هذا مهم جداً بالنسبة لنا نحن الأميركيين. على مستوى أكثر عملانية، في الولايات المتحدة حيث الكنائس الأرثوذكسية قليلة ومتباعدة، فالإنترنت هي مورد يساعد على العثور على أقرب كنيسة أرثوذكسية قانونية من مختلف الكنائس، كما المواقع الإلكترونية، وعلى مسافتها من المنزل، كما على معلومات أخرى ذات صلة: www.orthodoxyinamerica.org.
بالإضافة إلى ذلك، نحن نعتمد على مواقع مميزة لكنائسنا في الولايات المتحدة. كلٌّ من هذه تحتوي على ثروة من الموارد. لنأخذ الموقع الإلكتروني للكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا، على سبيل المثال، فقد تلقّى في الشهر الماضي أكثر من ثلاثة أرباع المليون مشاهدة وربع مليون زيارة فريدة. على OCA.org ، يمكن قراءة بيانات الكنيسة الرسمية من مجمعنا المقدس حول القضايا المعاصرة، كالزواج والحياة الأسرية. كما يمكن الاطّلاع على النص الكامل للكتاب الخالد “الإيمان الأرثوذكسي” المؤلّف من أربعة أجزاء للمتقدّم في الكهنة توماس هوبكو. يهتمّ الأب جون ماتوشياك بصفحة الأسئلة والأجوبة – وهو مسرَد يضم مئتين من الأسئلة الأكثر شيوعاً، وقد استجاب على مدار السنين لأكثر من خمسين ألف سؤال. وبطبيعة الحال، يمكن قراءة الأناجيل اليومية وسير القديسين وحتى مواعظهم.
بالإضافة إلى مواقع الكنائس الرسمية المملوءة بالموارد الرائعة والجديرة بالثقة، لدينا الآن العديد من منافذ الوسائط الرقمية التي تنتج تعاليم لاهوتية وعملية عالية الجودة عن الإيمان الأرثوذكسي. المنفذ الذي أنا شخصياً ملمٌّ به هو Ancient Faith (الإيمان القديم)، حيث أقدّم حلقة صوتية (podcast) بشكل منتظم عن التبشير بعنوان Lord Send Me (يا ربّ أرسلني) [4]. يحتفظ Ancient Faith بعلاقة نشطة مع مزودي المحتوى – كهنة وعلمانيين على حد سواء – بحيث يكون المحتوى الذي يقدمونه حديثاً ومنتظمًا والتعليم الذي فيه متّفقاً مع تقليد إيماننا المقدس القديم. إنهم يبثّون 112 نشرة صوتية بإجمالي أكثر من 32،000 حلقة. في الشهر الماضي فقط تم تنزيل 274،600 نشرة. من بين المصادر الإعلامية الأخرى التي نعرفها في الولايات المتحدة ، مطبوعات المتقدّم في الكهنة أشعياء ترانهام Patristic Nectar (الرحيق الآبائي)؛ Faith Encouraged Live (الإيمان المتشجّع مباشر) من المتقدّم في الكهنة برنابا باول، تلفزيون Theoria.tv، والشبكة المسيحية الأرثوذكسية Orthodox Christian Network. كل هذا، في حين أنه مفيد إلى حد كبير لأي مسيحي أرثوذكسي، فهو يقّدم توعيةً مهمة للباحث والمستفسر والمتتلمذ. إنهم بشاريون في امتدادهم.
لكن العصر الرقمي يوفّر أيضًا الدفيئة (greenhouse) لما يمكن أن نسميه مناهضة التعليم المسيحي – وهو، على سبيل المثال، التساؤل الدقيق وغير الدقيق حول تعاليم الإيمان الأرثوذكسي الأخلاقية. على العموم، هذا التعليم المناهض ليس مراقَباً ويؤمَل أنه غير مبارك للنشر، وبعد، مع العديد من الأمثلة، يمكننا أن نرى تقدم أجندات هي، ببساطة، لا تتفق مع الشخصية الأرثوذكسية والحياة الأخلاقية.
ما العمل مع موقع مثل Public Orthodoxy (الأرثوذكسية العامة)؟ وفقًا لهذا الموقع، فإن “الأرثوذكسية العامة” هي “مطبوعات رقمية محكّمة يصدِرها مركز الدراسات المسيحية الأرثوذكسية التابع لجامعة فوردهام” ، و“هدفها نشر مقالات مبهرة ومستفزّة من باحثين في المسيحية الأرثوذكسية” [5]. المدوّنة هي وسيلة إلكترونية رئيسية “لتعزيز البحث الفكري عن طريق دعم البحث العلمي والتعليم الحيوي للجماعة الكنسية“. سوف أركّز على “استفزازي” و “حيوي“.
تستقطب Public Orthodoxy اهتمامًا كبيرًا من خلال حضور قوي على فيسبوك وترجمات إلى الروسية واليونانية والصربية. تركّز هذه المجلة الإلكترونية، التي تنشر بين الحين والآخر مقالة تقليدية عن الأخلاق، بشكل منتظم على دفع حدود الكنيسة وتعليمها – بما يتفق مع غرضها المعلن. سيامة النساء هو موضوع متكرر، شأنه شأن طبيعة الأسرة المسيحية، وكذلك الزواج المسيحي. في الأرثوذكسية العامة، حتى أولئك الذين ارتدّوا من الإيمان الأرثوذكسي يُعطون فرصة الكتابة لتشجيع شكّ الحية الخدّاع، “هل قال الله حقاً؟” بهدف إثارة الذهن والقلب ضد تعاليم المسيحية الأرثوذكسية.
مصدر ثانٍ على الإنترنت يجذب الانتباه الرقمي هو Orthodoxy in Dialogue (الأرثوذكسية في الحوار)، والذي في عام 2017، وفقًا لتقريره الخاص، صُنّف بين أفضل 60 مدوّنة أرثوذكسية على الإنترنت [6]. تعتبر Orthodoxy in Dialogue نفسها أخت Public Orthodoxy الصغرى[7].
في مقال بعنوان “الحب المثلي: الكنيسة تحتاج إلى مداولة” ، ينتقد المؤلفون ومحررو المدونة المجهولون الدكتور برادلي ناصيف لأنه “لا يقدّم أيّ جديد” لما أسموه المداولة حول المثلية الجنسية، فهو يتبنّى الموقف الأرثوذكسي في أنّ الزواج المثلي والنشاط الجنسي المثلي يخطئان الهدف وغير أخلاقيَين بحسب التقليد المسيحي الأرثوذكسي.
يصف المحررون مقاربته “بالروح غير الرعائية” ويقارنون بينه وبين المقاربة التي يتبعها الكاهن الكاثوليكي الراديكالي جيمس مارتن، الذي يستغل سمعته كمستشار لسكريتاريا الاتصالات في الفاتيكان لتعزيز قبول الشذوذ الجنسي وتطبيعه.
يتباهى مقال آخر عنوانه “تحول استهلالي في الجنسانية والجنس“بأنه سيتمّ استخدام هذا المقال في مدارس الأحد للمراهقين [8]. إذا وصلت هذه المدونة إلى صف واحد في مدرسة ثانوية، فإنها تقوّض تعليم الكنيسة التقليدي عن القضايا الأخلاقية، وبطريقة تسمح لتأثير مضاعف القوة لأن تلك الأرواح المرهَفَة سوف تخبر الآخرين.
كان التعليم المسيحي في العصور الأولى بسيطًا ومباشرًا. الديداخيه المعروفة والتي تقبلها الأغلبية الساحقة إلى الآن منذ العقد الأخير من القرن الأول الميلادي، تورِد طريقين في الحياة: طريق البركات، وطريق اللعنات. طريق الحياة، وطريق الموت. “هناك فجوة كبيرة بينهما.” وقد تعلّم المسيحيون الأوائل بوضوح أن أعمال كالإجهاض والزنا (وتسمّي إفساد الأولاد كأحد الأمثلة) هي طرق “الموت“.
بعد الديداخيه بقرن وربع (أي حوالي سنة 215) ، دوّن هيبوليتوس روما التقليد الرسولي الذي حدد مساراً مستقيماً للموعوظين. في حينه، كان من الواضح أنّ على المرء أن يتخلى عن الخطايا الجنسية، من بين العديد من السلوكيات غير المسيحية الأخرى، لكي يتأهّل للمعمودية.
في أيام الرحالة أيجريا التي حجّت في القرن الرابع، كما ورد في يومياتها عن الأسبوع العظيم في القدس، لم يكن ممكناً التعريف عن الشخص كموعوظ من دون شهادة شخصية من كفيل واحد بأنه قبل تسجيله كموعوظ قد ترك الخطايا والسلوكيات الآثِمة، بعد أن تحوّل نحو المسيح [9].
ما لا يُجادَل فيه حول تطوّر التعليم المسيحي في الكنيسة الأولى هو التركيز على أربعة جوانب من الحياة المسيحية: القانون، العقيدة، الخدم، والكتاب المقدس. أي حياة المسيحيين الأخلاقية، ومعتقدات المسيحية العقائدية، والتفسيرات السرية للطقوس الكنسية، ومعرفة الكتاب المقدس.
اليوم، تسرع صوبنا موجة قوية من القوى، ليس فقط من خارج الكنيسة (حيث نتوقع السيل ضد تابوت الخلاص)، ولكن أيضًا داخل الكنائس الأرثوذكسية حيث يتنطح أشخاص أعلنوا أنفسهم معلّمين إلى تحدي تعاليم الإيمان الأخلاقية. لقد قمت بتسمية اثنين من المصادر العديدة المشهورة لهذا التعليم الشيطاني، بالمعنى التقني. إنها تزرع الانقسام ببراعة، ببساطة عن طريق طرح “أسئلة رعائية” حول “الحب“.
كتب فتزسيمونس أليسون، وهو أسقف إنجيلي مشيخي سابق، كتاباً عنوانه “فظاعة الهرطقة“، فيه يقول أن قبول التعليم الزائف لا يهدئ الناس أو يخلّصهم بخدش آذانهم المصابة بالحكاك. بدلًا من ذلك يقول بأن الانغماس في الهرطقة وَحشِي بالنسبة لهم ، لأنه يشوّه الحقيقة ويشوّه صورة ربنا وملكنا يسوع المسيح، مستعيراً الصورة من القديس إيريناوس أسقف ليون. في عصرنا الحالي، عصر “إيجاد الحلول الرعائية“، استناداً إلى دورنا في تعليم الحقيقة بالمحبة، أليس من القساوة أن نوحي لأي إنسان بأن الله لن يحاكمه فعلياً بسبب انخراطه في بعض السلوكيات الخاطئة؟
لم تعد شبكة الإنترنت بالنسبة للمؤمنين من المسيحيين الأرثوذكسيين مجرد مصدر موارد لقراءة النصوص القديمة أو حياة القديسين. إنها على قدم وساق معلّم رقمي. وفي حين أن مواقع مثل OCA.ORG و Ancientfaith.com ، هي مستودعات لمواد دينية هامة وجديرة بالثقة، تزدهر مواقع من دون أي تعويق مثل Public Orthodoxy، وOrthodoxy in Dialogue، وThe Wheel، التي يجول حولها ذئاب في ملابس الخراف مُدخِلَةً ومُشَكِّلَة أفكاراً خاطئة عن حقيقة حياتنا في المسيح. إنهم أساطين في الترويج لجداول الأعمال هذه بشغف (وليفهمْ القارئ)[10].
وفوق الكعكة في هذه الحقيقة المؤسفة: كل الأصوات على الإنترنت تتساوى، من صوت بطريرك القسطنطينية إلى المتتلمذ الأقل معرفة. مَن الذي يبتّ التعليم ويعلنه عندما تتساوى آراء أي كان رقميًا، أو حتّى ما يعتبر رأياً؟
قد يجادل البعض بأن المطبعة لم تكن واحدة من الاختراعات التي غيّرت كثيراً قبل الثورة الصناعية. قبل اختراع المطبعة، كانت الكتب، وخاصة الكتب الدينية كالكتاب المقدس وكتب الخدم وغيرها، تُنسَخ يدوياً باتّقان. كانت تستهلك وقتاً كثيراً وبكلفة إنتاج مرتفعة حتّى لكميات محدودة من النسخ. مع ظهور المطبعة، صارت الكتب أكثر توفراً والحصول عليها أكثر سهولة.
لكن حتى الآن، ليس من السهل إنتاج كتاب أو توزيعه. لكن في عصرنا هذا، فإن النشر المكتبي جعل المطبعة تبدو كعَجَلة بدائية مقطوعة بشكل فجّ من الحجر. اليوم، يمكن لأي شخص قادر على الوصول إلى الإنترنت أن يكون ناشرًا. أي شخص. أضف إلى ذلك البساطة والمهنية في النشر المكتبي، حيث مع تمويل قليل يمكن الانتاج! يقدّم النشر المكتبي والإنترنت الطريقة ووسائل الإنتاج لأي فكرة ضخمة، عمليًا بشكل مجاني ويجعلها متاحة للعالم كله بلحظة تقريباً.
يندمج النشر المكتبي والمدونات والفيسبوك للوصول إلى عدد غير مسبوق من القراء لا يمكن تحديده. وعلى الرغم من أن هذه الحقيقة تنطوي على إمكانية تأمين فرص مدهشة للغاية للمسيحيين الأرثوذكس للبشارة والدفاعيات إلا أنها محفوفة بالمخاطر. مَن يحكم على أرثوذكسيةِ ما هو منشور على الإنترنت؟ ماذا يحدث عندما يقوم أفراد أو مجموعات أرثوذكس باستخدام هذه الأدوات للترويج لأجندات تتناقض مع التعاليم الأرثوذكسية، أو ما هو أسوأ من ذلك، أي أن يستخدموا أسلوب الحيلة الموصوفة في سفر التكوين 1:3 [11] قائلين “هل الكنيسة حقًا تعلّم …؟“
هنا أطرح السؤال: هل يبيح التقليد الأرثوذكسي لرئاساتنا تقييم الحقيقة الرقمية بشكل هادف؟ أقدم إجابتي بتواضع: نعم، وبشكل عاجل.
في زمن ما، كان على الأساقفة أن يراقبوا تعليم كهنتهم وحسب. الآن، فوق ذلك، إن “القطع باستقامة كلمة الحق” [انظر 2تيموثاوس 15:2] صار أكثر تعقيداً بشكل لا يُقارن. إن مشاركة صورة أو مقالة أو وثيقة أو فكرة مع عدد هائل من الناس عبر الكوكب بأسره، يتطلّب الضغط على زر واحد فقط. الآن، عندما “الجميع” معلم، و“الجميع” مؤلّف، و “الجميع” يتصرّف بمثابة سلطة (محتملة) على الأرثوذكسية على الإنترنت، كيف يعرف السائل بماذا يثق وبماذا يشكّ؟ [12]
إن الجواب على السؤال: “كيف يحفظ المرء بعناية تعليم الكنيسة في العصر الرقمي؟” [13] يتطلّب السيرَ على خط رفيع بين التحول إلى نوع من الدولة البوليسية مع قيود على الحرية من جهة، ومن ناحية أخرى، إلى تناقض بين قوانين يستغلّه الجميع مجاناً. يصير السؤال أكثر صعوبة بالنظر إلى أن كلًا من الإكليروس والعلمانيين يستطيعون فعلاً إطلاق مزاعم على الإنترنت بطرق لم تكن موجودة حتى قبل 30 عاماً.
علاوة على ذلك، إن أي محاولة لملاحقة أيّ مشاركة خاطئة على الإنترنت سوف تسفر عن لعبة Whack-a-mole أبدية[14]. يظهر واحد هنا ويتمّ التعامل معه فيظهر آخر على الفور هناك.
في الغرب اللاتيني، imprimatur كان بركة الأسقف لنشر كتاب. كان يبدأ بـ “nihil obstat” أي “أن الكتاب لا يحتوي أي إساءة إلى الإيمان أو الأخلاق.” [15]. إذا كانت محتويات الكتاب دينية أو أخلاقية ، كان الـ “imprimi potest” (يمكن طباعته)ضروريًا، وكان يتبعه تصريح الأسقف “فليُطبَع” [16].
أقترح مثل هذا النمط من التأييد الرقمي من أساقفتنا. هل تستطيع مجالس الأساقفة المختلفة إنشاء لجان محلية لـ“دمغ” بعض المواقع التي يظهر أن محتواها لا يتعارض مع العقيدة الأرثوذكسية؟ ربما يمكن نشر قائمة بهذه المواقع التي تم تدقيقها على أساس طلب مقدّم، على كل موقع من مواقع المجلس. وهذا من شأنه أن يوضح مباشرة: “في حين أننا لا نتبنّى الموقع الفلاني، إلا إننا نشهد أن تعليمهم العقائدي والأخلاقي غير منقوص“.
وربما يكون من المفيد النظر إلى الجانب الآخر من العملة، مع الأخذ بالاعتبار مرة أخرى إشارة من التقليد اللاتيني. منذ القرن السادس عشر إلى منتصف القرن العشرين، كان يوجد ما عُرِف بـIndex Librorum Prohibitorum وهو عبارة عن قائمة يُعتقد أن الكتب الموجودة عليها مفسدة لعقيدة المؤمنين وأخلاقهم.
ماذا لو اقترحنا، بالنسبة لوسائل الإعلام الرقمية، قائمة، ليست للمواقع المحظورة، بل لتحذير على أعلى المستويات: “نحن نعرف أن هذه المواقع خطرة روحياً على إيمان الكنيسة و/أو أخلاقها“؟ [17] في ظل هذه الظروف، تبقى الحرية سليمة، لكن الرعاة يحذّرون رسمياً قطعانهم حيث تتجول الذئاب.
إن همي رعائي: كيف نساعد قدر استطاعتنا، في الحفاظ على التعاليم الأرثوذكسية في محيط الحرية، حيث مؤلفون أرثوذكس يتصدّون لحقائق الله الأخلاقية لله بأسئلة داهِيَة تخدش السمع، وحيث تحولت الحرية إلى استباحة، لترويع الفتائل التي بالكاد مشتعلة من المستجدّين والمستعلِمين. في طرح هذا السؤال ربما علينا أن نفكر في كلمات الرب:
“وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ. وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!” (متى 6:18-7).
ولربّما هي ويلٌ مضاعفة لنا نحن المسيحيين الأرثوذكسيين الذين يعرفون الحقيقة إذا تمّ الترويج لهذه التجارب على أنها مقدسة وحَسَنة.
* الأب جون باركر كاهن كنيسة الصعود الأرثوذكسية في ماونتبلازنت، كارولينا الجنوبية، الولايات المتحدة، ورئيس قسم البشارة في الكنيسة الأرثوذكسية في أميركا.
[1] http://www.orthodoxytoday.org/blog/2018/06/kallistos-ware-comes-out-for-homosexual-marriage/
[2] http://www.codexsinaiticus.org/en/manuscript.aspx.
[3] http://www.ccel.org/fathers.html
[4] www.ancientfaith.com.
[5] https://publicorthodoxy.org/about/
[6] https://orthodoxyindialogue.com/about/. لا يذكر بأي قياس أتى هذا التقييم
[7] “يبدو أنه قد جرى بمحض الصدفة بأن أختنا الكبرى مدونة Public Orthodoxy ، نشرت “الثالوث القدوس وزواج المثليين” لبرادلي ناصيف، فيما كنا نستعدّ لبثّ مقابلة جياكومو سان فيليبو مع الأب اليسوعي جيمس مارتن. لم يكن من الممكن إبراز التناقض في الروح الرعائية بين مارتن وناصيف بشكل أكثر وضوحًا.”
[8] سمعنا أن في الآونة الأخيرة، جميع النساء اللواتي في المطبخ ينظفن بعد غداء الأحد في إحدى الرعايا، وبموافقة الرعية قرأن وناقشن “الإجهاض ومنع الحمل والإيمان المسيحي“. وفي رعية أخرى ، سيتم إدخال مقالاتنا حول الجنسانية والجنس إلى مدارس الأحد في سن المدرسة الثانوية كبداية للمناقشة.
[9] في ذلك الزمان أيضاً كان الموعوظون يتقدّمون لمدة ثلاث ساعات في اليوم، لمدة أربعين يوما، لسماع عرضٍ لمختلف أسفار الكتاب المقدس.
[10] إنهم مثل الرسول بولس في رسائله يعلنون أوراق اعتمادهم بوضوح للتأثير على قرائهم وإقناعهم: Public Orthodoxy هي مجلة قسم الدراسات الأرثوذكسية في جامعة كاثوليكية تحظى باحترام كبير، ويرأسها عميد سابق لواحد من أكثر المعاهد الأرثوذكسية تأثيراً في العالم الناطق بالإنكليزية. Orthodoxy in Dialogue تشدد في تعريفها على أنها “مجلس دولي لطلاب الدكتوراه الأرثوذكس”. يذكرني هذا الوصف بمشهد شهير من كرتون أطفال إنجيلي أمريكي، حكايات الخضروات Veggie Tales، حيث زعمت إحدى الشخصيات أنها تقدم “حدثًا تتابعيًا من الصور المتسلسلة متعدد الوسائط” ، ولكن يشار في النهاية بأنه مجرد “جهاز عرض وغطاء سرير“.
[11] وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ (phronimótatos) جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ.(تكوين 1:3)
[12] إلى أي مدى يجب على الكاهن أو الشماس أو العلماني أو الراهب أن يمضي قبل أن يوبّخه الرؤساء – ومن هو ذلك الشخص؟ يجب أن تؤخذ هذه الأسئلة المعقدة في الاعتبار الآن فيما نتعمّق في اقتحام الإنترنت الأرثوذكسي.
[13] في هذه الورقة أكثر ما يقلقني هو تعاليم الكنيسة في الأخلاق.
[14] Whack-a-mole بالاستخدام العامي هي مصطلح للدلالة على مهمة متكررة وعديمة الجدوى: في كل مرة يينغلب الخصم يعود ويظهر مرة أخرى في مكان آخر.
[15] https://en.wikipedia.org/wiki/Nihil_obstat
[16] بحسب أحد المصادر، لم يكنimprimatur بمثابة مصادقة على الكتاب؛ إنما هو ببساطة تعبير عن أنه لا يحتوي تعاليم زائفة في ما يتعلق بمعتقدات الإيمان المسيحي أو الأخلاق المسيحية.
[17] ربما يمكن اعتبارها مثل “قائمة العشرة الأوائل” ويمكن القول بأنها قائمة بالمواقع المقطوعة.