أَخْطَار مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ
الراهب أرسانيوس من دير الكوتلوموسيو في الجبل المقدس
في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس ، في الفصل 11 ، الآية 26 ، يعدد الرسول بولس الأخطار التي تواجه الرسل. كانت هناك ثمانية أخطار من هذا القبيل، وآخرها كان “أَخْطَار مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ“. قدّم الراحل بانايوتيس ترامبلاس تفسيراً مقتضباً حيث يشير: “في مخاطر من أشخاص كانوا أصدقاء مزيفين يحملون اسم “مسيحي” تحت ذرائع زائفة”. كان ترامبلاس محقاً في الإشارة إلى ذلك لأن الإخوة الكذبة هم أولئك الذين يأتون إلينا كأصدقاء، في حين هم بالحقيقة غير ذلك، لأن لديهم آفاق مختلفة، وهي معادية لنا.
غادر القديس بولس هذه الحياة على الأرض في سنة 64 ميلادية كشهيد. نفترض أنه كتب الرسالة في وقت ما بين سنتي 50 و60. يتساءل المرء كيف أن هذه الازدواجية النجسة ظهرت ونَمَت بسرعة كبيرة، فيما كانت الأحداث الخلاصية، تضحية الرب على الصليب والقيامة، لا تزال بشكل ما جديدة، والفرحة المستمدة منها ما زالت سائدة. وإذا كان في مثل هذا الوقت القصير شقّ المتخاصمون طريقهم بجرأة إلى رسل المسيح القديسين، فماذا نقول عن عصرنا حيث محبة المسيح في معظم الأحيان هجرت من بيننا؟ في ذلك الوقت، في زمن القديس بولس، قد نكون على يقين من أن الأشخاص الذين يعانون من ازدواجية كانوا أقلية. ماذا يمكن أن نقول عن أيامنا؟
حقاً، مَن هم الأغلبية، الأصدقاء الزائفون أو الأصدقاء الحقيقيون في محبة المسيح؟ إذا قلنا أن هناك أكثرية من النوع المزدوج، فلا ينبغي أن نُحبَط، لأن السعادة غير متوفرة في الأماكن التي يوجد فيها الكثير من الناس، بل حيث تكون نعمة الروح القدس. قد نقول إن الصديق الزائف هو شخص ينكر بطريقة متعمدة طريقة التفكير بحسب صليب المسيح وبدلاً من ذلك بإرادته الحرة الخاصة يحتضن الأضداد الثلاثة لهذا الرأي: الطموح، والجشع، ومذهب المتعة. الأصدقاء الحقيقيون في المسيح يعلنون حربًا مفتوحة على هذه الشرور الثلاثة ويحاربون ببأس وقوة، حتى ولو سقطوا أحيانًا أو هزموا من ضعف أو عانوا انسحابًا بنّاءً للنعمة الإلهية. لكن بطبيعة الحال، النصر النهائي سيكون لهم بشرط أن يجاهدوا للحفاظ على المسار وأن يبقوا أصدقاء حقيقيين للمسيح حتى النهاية.
نقول هذا لأن الناس أحرار في اختيار ما هو حقيقي أو ما هو اصطناعي حينما يريدون.
يقول لنا القديس بولس “أخطار من إخوة كذبة“. قد يكون، يا أصدقائي، أسوأ خطر على الإطلاق، لأنه دائمًا معنا، وغالباً ما لا نملك السبل والوسائل الكفيلة لتفادي هذا الخطر، ما يؤدي إلى أن تسحبنا شبكة الشر التي من جانب إخوتنا الكذبة. هؤلاء الناس لا يتحكمون بضميرهم ولهذا السبب غالباً ما يكون على وجوههم تعبير عن الفرح، لكنه تعبير ساخر ومنفّر.
إنهم بلا شك فخورون بـ “العمل” الذي يقومون به، وفي هذه الأثناء، الإخوة الحقيقيون للمسيح يئنون تحت الحزن الناجم عن إخوانهم وأخواتهم المخادعين. لقد قام الإخوة الزائفون بتكميم ضميرهم وإفساده، في حين أن أصدقاء المسيح الحقيقيين يبقونه حيّاً، حتى يشهد لهم عندما يتصرّفون بشكل جيد ويعاقبهم بصرامة على أي خطأ قد يرتكبونه.
يمكننا قول الكثير عن اليوم، لأن أشياء كثيرة تتفاقم، وخاصة من جانب الإخوة الكذبة. نراهم يعملون علامات وعجائب تدمر إيماننا الأرثوذكسي وليس لديهم أدنى سيطرة على ضميرهم. ونحن نراهم يخطفون المواقع بلا خجل ممن هم أكثر استحقاقاً منهم، بالرغم من أن قدرتهم على العطاء هي دون أولئك بكثير. والأهم من ذلك أننا نراهم يقاتلون ضد عمال الروح القدس الخلاصي بدون خجل ولا حتّى حياء. كما نراهم أيضًا في حياة القديسين، إنهم هم الذين أهانوا واضطَهَدوا القديسين كيوحنا الذهبي الفم وسمعان اللاهوتي الحديث ونكتاريوس أسقف المدن الخمس وغيرهم الكثير. هؤلاء القديسون الذين ذكرتهم لم يفترِ عليهم ويشهّر بهم الوثنيون والهراطقة، بل إخوانهم، الذين كما قلنا، كانوا إخوة مزيفين، أي أنهم كانوا يرتدون قناعاً ويتظاهرون بأنهم مسيحيون أرثوذكس. أن يتعرض الإنسان للاضطهاد من قِبل أشخاص من أتباع الديانات الأخرى هو أمر، وعندما يكون المسيحيون الأرثوذكس هم الذين يقومون بالمطاردة والترصد إلى أن تسنح لهم الفرصة، ويصبحوا قادرين على الظهور كأناس مخادعين على حقيقتهم، هو أمر آخر.
فليحمِنا المسيح وسيدتنا من هؤلاء الإخوة والأخوات الخطرين. آمين