حول إنجيل السامرية
الأب أنطوان ملكي
التقت السامرية بالرب عند البئر فغيّر مفهومها للماء الحي. لم يعد الماء مادة تُعبّأ بدلو وجرة. صار عندها الماء الحي للنفوس. بدأ الحديث بنحن وأنتم وانتهى به هو الألف والياء. أمران ينبغي التوقف عندهما في إنجيل المرأة السامرية الذي نقرؤه كل سنة. الأمر الأول هو أنها بطلبها التعرّف على المسيح تعرّفت على نفسها. ومن معرفتها لذاتها صارت تعرف المسيح. هذا ينطبق على كلّ منا. عندما يمسّ المسيح قلبنا وحياتنا يصير لا نبيّنا وحسب بل إلهنا. أمّا إذا أبقينا المسيح محصوراً بأحاديثنا ومناقشاتنا فلا ننتفع منه بشيء. بمعرفتنا لأنفسنا بنور المسيح نعرف أن الدين ليس حرفاً ولا انتماءً مناطقياً ولا وراثة عائلية بل هو روح محيٍ وماء حي نشربه فيتدفّق منّا. ولبلوغ هذه المعرفة علينا الخروج من مادياتنا وتخطي حاجتنا إليها. عندما نظرت السامرية إلى يسوع عبر حاجتها المادية رأته رجلاً يهودياً ولمّا انتقلت إلى معرفة الذات رأته نبياً اعظم من يعقوب، وصارت رسولة له “تعالوا انظروا“. كان المسيح خصمها في الماديات وصار إلهها في الروحيات. هذه قيامة المسيح فاعلة في البشر، تحوّلهم من مجبولين بالحاجة وبالمادة إلى رسل منيرين “فوتيني” ناقلين للنور وحاملين للحياة.
الأمر الثاني الذي ينبغي التوقّف عنده في إنجيل أحد السامرية هو شكل العبادة. فعبادة الإنسان تحدد علاقة الإنسان بالله. الرب يكلّمنا بالإنجيل ونحن نكلّمه بالصلاة، كما يقول آباؤنا. من هنا ضرورة أن ينتبه الإنسان إلى نقاوة صلاته. الرياء يحوّل الصلاة طقوس فارغة وحسابات مع الله. الشكليات قد تأكل صلاتنا، بالحرف والناموس والشرائع والقوانين. كل هذه تحوّل الصلاة إلى مظاهر لا تنعكس بالضرورة في التقوى المباركة والأعمال الحسنة. لقد كان صعباً على السامرية أن تقبل تحديد مكان الصلاة في هذا الجبل أو ذلك الهيكل، أمّا يسوع فأفهمها أن الصلاة هي بالحق والروح ولا يحددها المكان. هذا لأن للرب الأرض وكل ما فيها ولأن يسوع هو الباب الذي ندخل فيه إلى الهيكل الحقيقي الذي هو يسوع نفسه. أن تكون العبادة بالروح والحق يعني أن تكون من الروح القدس وتتمحور حول الحق الذي هو المسيح. هنا الفرق بين العبادة الحقيقية والعبادة الظاهرية. في العبادة الظاهرية نحكي عن الحق ونصفه بينما في العبادة الحقيقية نمارسه ونعيشه وننقله إلى الآخرين. العبادة الحقيقية لا يمكن أن تنحصر بالعادة بينما العبادة الظاهرية لا تتخطى إكرام الله بالشفاه فيما القلوب بعيدة عنه. العبادة الظاهرية تنحصر بتأدية الواجبات والطقوس، أي بالشكل الخارجي ولا تدخل إلى الجوهر بالضرورة، كالذي يصوم عن الأكل ولا يشارك في صلوات الصوم. قد تتحوّل العبادة الظاهرية إلى روتين بينما العبادة الحقيقية مغامرة وجهاد مع الذات في كل مرة يقف الإنسان للصلاة أو لتقديم مساعدة إلى محتاج أو للرد على فكر مضاد للإيمان. العبادة الحقيقية تزكّي الإنسان أمام الله فيصير السجود في كل الأمكنة ممكناً ويصير الإنسان معادلاً للرسل منيراً كمثل فوتيني السامرية.
* عن نشرة الكرمة